رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"يسرا".. جرح الأب وحلم الفن وحيوية على شاشة السينما

جريدة الدستور

منذ 14عامًا، أثناء تكريم المخرج الراحل يوسف شاهين في مهرجان "ميد فيلم"، لم ينس الحديث عن "يسرا"، وضع يده وقتها على الجرح، وقال: "يسرا تصارع الزمن، والست عندما تشعر أن العمر يتقدم بها تريد أن تفعل كل شئ".

يبدو أن التعبير خان "يوسف شاهين"، لم تكبر "يسرا" ولم تفعل أي شىء. بل وقفت امام الكاميرات وغنّت ورقصت وابتسمت، وكل مرة تبدو انها تغافل العمر وتمر من حساباته، لتبدو اصغر واجمل وأكثر حيوية.

كانت طفولتها لذيذة، فهى البنت الوحيدة، دلعتها والدتها كثيرًا، تقول:"كنت شاطرة جدًا في دراستي، ولما كبرت حرمت من هذا الدلع واحلى ايام العمر الطفولة والعفوية والتلقائية وايام المرح وبعد ذلك عشت لحظات عذاب اكتمها بين ضلوعي".

تربت "يسرا" على يد جدتها ووالدتها، في حياة حكما الانضباط والصرامة، إذا وضع الغداء على المائدة في الثانية ظهرًا، لم يكن مسموحًا لأحد بالجلوس على المائدة، وبنفس هذا الانضباط تحرك كل شىء في البيت.

لم تتذمر الفتاة"يسرا" من هذا الانضباط والالتزام، بل احبته، واتبعته، فمهما كان سهرها أمام التلفزيون تتجه للسرير في الثامنة مساءً.

قالت "يسرا": "كان أفراد العائلة العائلة بأكملها يجتمعون في يوم محدد من أيام الأسبوع، يبدو منظرهم أقرب لتلاميذ المدرسة وهم يجلسون جانب جدتي، مهما كانوا كبارًا".حسبما قالت في حوارها بروز اليوسف1994.

الفنانة فاتن حمامة، كانت هى النمط النسائي الذي دفع "يسرا" للإتجاه للسينما، وأحى بداخلها أن تكون فنانة، ليس ذلك فحسب، بل كانت "فاتن" نموذج للأنماط النسائية كلها على اختلاف مستواها الاجتماعي بالنسبة لـ"يسرا".

تقول"يسرا":"حكايتي حكاية كل بنت ينفصل ابوها عن امها، وعندما تبلغ البنت سنًا معينة يستطيع الأب ان يضمها اليه، وقد كان ابي متيسر الحال، لكنه ضيّع كل ما يملكه، وعندما عملت في الفن بدأ يستغلني الى ابعد الحدود، كان يحصل على آلاف الجنيهات قيمة اجري، ولم اكن املك في حقيبتي عشرة قروش، كان يعاملني معاملة طيبة امام الناس لكن بيني وبينه المعاملة سيئة جدًا، كان يقنع الناس انه ملاك طاهر وانه يخاف علىّ والعكس صحيح، فكنت بالنسبة له مجرد فرخة تعطيه ذهبًا، كان يكره ان ارتبط بأي انسان، ولم تكن لدي الشجاعة لمواجهته، ولكنني تجرأت ذات يوم وعارضته، فضربني بالكوب في وجهي شوهني".

نُقلت "يسرا" بعد ضرب والدها لها، ولما رأت وجهها في المرآة بكت، وبصقت على وجهها، وصممت على مواجهة والدها بحزم، وبعد اجراءها لعملية تجميل، زارها والدها في المستشفى، فصرخت في وجهه "اخرج بره".

خسرت"يسرا" والدها الذي كانت تتمنى ان يكون ابًا لها، لكنه لم يكن. حسبما قالت للأهرام 1988.

القدر كان حنونًا مع "يسرا" في بداياتها، قُدمت كبطلة، وتوالت البطولات، لكنها عانت كثيرًا من لحظات الانتظار داخل علب مغلفة لا يعرفها احد، آلامها تتزايد عندما تتحدث عنها الصحافة المصرية والعربية، والجمهور لم يتحدث بعد، لم يلتفت اليها، لكنها تحملت وظهرت للناس، وصدر حكمهم بالتشجيع على الاستمرار والتواجد، قالت"انا بنت تشجيع الجمهور".

عام 1975 تقدم "يسرا" برنامج على الناصية، المصور عبد الحليم نصر يستمع لهذه الفتاة التي قدمت من خلال البرنامج عدة أغاني، اتصل بها، وعرض عليها القيام بالبطولة مرة واحدة!

غنّت "يسرا" في الفيلم، لكنه لم يحقق أى نجاح، ولم يستمر عرضه سوى أسبوعين، لكن هنري بركات شاهد الفيلم وأعجب بها، فطلبها وقدمها في فيلم "عشاق تحت العشرين.

اعترفت "يسرا" بأن المخرج الراحل يوسف شاهين قدمها للسينما المصرية بشكل جديد وخطير، وهذا راجع لأختلاف تفكيره أسلوبه في العمل، فهو لايقبل لك أن ينشغل الممثل عن الفيلم بفيلم آخر حتى يندمج في عمله، ويجعل الممثله يحبه، فهو بمثابة معهد فني لا مثيل له، فهو يضبط الكادر بدقة ويضع الإضاءة بدقة أكثر، إنسان إلى درجة خطيرة. حسبما قالت للجيل 1999.

بعد فيلم "دانتيلا" انتشرت شائعة اعتزال "يسرا" خاصة بعد عودتها من رحلة الحج، ونفت ذلك في حوارها الصحفية وقتها، وقالت:"لماذا اعتزل وأنا في قمة شهرتي ونجاحي وتألقي مثل"دانتيلا" حقق أعلى الايرادات بعد صعيدي في الجامعة الأمريكية"، الأحرار1999.

ظهرت"يسرا" في بعض الأفلام وهى تغني، ومؤخرًا في كليب أغنية "3 دقات"، رغم هذا، لا تعتبر نفسها مغنية، بل تشدد على أنها "مؤدية" وسميعة جيدة، وحبها للموسيقى مر من خلال حبها للفن، فهى قبل أن تدخل عالم التمثيل كانت "باليرينة"، ونتيجة لذلك تحمست "يسرا" لإصدار شريط كاسيت أغاني جاءت ضمن فيلم "طعم الكلام"، كان الفيلم كله أغاني حتى الحوار كان غنائيًا، وسُجلت الأغاني، ولم تكتمل التجربة.

ورغم ان "يسرا" تعتبر نفسها مؤدية فقط، كان للموسيقار كمال الطويلة رأي آخر، كان في نيته تقديم لحن لها خصيصًا، بالإضافة لحلمي بكر الذي احب صوتها وادائها، واعترف لها اناه افضل من مطربين كُثر، وسمعها بليغ حمدي ايضًا، وقال لها:"انت ممكن تغني حلو جدًا"، حسب مجلة "المصور"1997.

ونتيجة للعلاقة الوطيدة بين "يسرا" والموسيقى، شاركت في مسلسل"ليلى مراد" في الإذاعة، وأجادت، تقول:"علاقتي بليلى مراد عظيمة وقوية ومن يوم ما فتحت عيني وجدتها عندنا في البيت، فليلى مراد أهلي، وأشرف وزكي أخوتي، وأنا أعرفها إنسانيًا قبل أن أعرفها سينمائيًا، ومنير مراد من الملحنين الذي اكتشفوني فنيًا، وأنا أول مرة شفت المؤلف نجيب محفوظ رأيته في بيت ليلى مراد وكان عمري وقتها 9سنوات وتنبأ لى أن أكون ممثلة جيدة".

سمعت والدة "يسرا"، بنتها وهى تقدم شخصية ليلى مراد في الإذاعة، وبكت، وقالت:"لولا أني أعلم أنك انت التي تلعبين الدور لظننت أن الحوار مأخوذ من مونتاج أفلامها"، حسبما ذكرت في حوار صحفي لها.

علاقات عديدة جمعت بين يسرا وبعض الفنانات، تعرفت على الفنانة "شادية" عن قرب، بل كانت بالنسبة لها كوالدتها، تقول "يسرا": لم تكن شادية نموذجًا للفتاة الدلوعة الشقية بقدر ما هي امرأة تملك في داخلها كمًا من المشاعر الانسانية بدرجة لا توصف وعلى الوجه الآخر تستطيع فرملة هذا الكم اثناء لحظات العمل، وهي من كثرة اندماجها وصدقها قد تضربني اثناء التصوير إذا أنا اخطأت، واستوعب ذلك جيدًا، كونه من منطلق حب وأمومة وخوف شديد عليا"، حسبما قالت في حوار لروز اليوسف 1994.

"ليلى مراد وشادية" كان نموذجين للحلم في طفولة "يسرا"، فكانت تتسلل أثناء الصيف إلى الكابينتين الخاصتين بهما في المعمورة حتى تلقى نظرة عليهما، وكانت كابينة شادية وصلاح ذو الفقار مجاورة ليلى مراد، وكابينة منير مراد، وسهير البابلي الفنانة الأقرب لقلب "يسرا"، فكانت بالنسبة لها البنت، والأخت، والأم، تشعر بها اذا اشتكت من اى شىء مهما كانت بعيدة عنها.

ترفض "يسرا" الرأى القائل بأن المرأة مخلوق ضعيف، لكنها تحترم ذلك الضعف اذا كان مع زوجها أو تجاه أولادها، دون أن يُنظر لهذا الضعف على أنها عديمة الشخصية أو الإرادة، كما ترى أن المرأة تجمع بين عدة متناقضات ويحددا ذكاؤها التوقيت المثالي لظهور كل صفة من الصفات المتناقضة.