رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة المصرية تنتج المزيد من المعاني في ثقافة العمل والأمل

جريدة الدستور

في كل أوجه الحياة تتحرك المرأة المصرية لتنتج المزيد من المعاني في ثقافة العمل والأمل فيما تحظى بكل التقدير في وقت مازالت فيه قضايا النساء مطروحة في كل الثقافات سعيا لعالم أكثر عدالة وإنسانية.

وما كان لعام 2018 أن يودع المكان قبل أنباء سعيدة للمرأة المصرية والعربية بل وكل نساء العالم وكل من يحلم بالغد الأفضل متسلحا بالعمل والأمل والسعي المنتصر للحياة الإنسانية.

و في سياق جولته بالعاصمة الإدارية الجديدة أمس الأول "الخميس" استجاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لمطلب "سائقة الميكروباص السيدة نحمده" بتملك سيارة بدلا من السيارة التي تعمل عليها ولا تملكها مؤكدا تقديره لهذا النموذج المضيء للسيدة المصرية العاملة فيما وجه الرئيس التحية لكل سيدة تعمل من اجل بيتها وأبنائها.

وإذ شدد على أهمية احترام النساء، نوه الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن المرأة المصرية تتميز بالعزة والحياء والكرامة كما أن المصريين يتمتعون بصفات المروءة والتقدير والشهامة تجاه المرأة.

وأوضحت رئيس المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي ان مصر تبذل جهدا كبيرا دفاعا عن حقوق المرأة وتحسين وضعها.

ولم يكن لعام 2018 أن يرحل قبل أن يشهد نبأ سعيدا هو اختيار النائبة فوزية زينل بأغلبية ساحقة رئيسة لمجلس النواب في مملكة البحرين الشقيقة وهو تطور إيجابي غير مسبوق على مستوى العالم العربي ويحظى اهتمام بالغ في المنابر الثقافية كحدث يؤشر للدور المهم للمرأة العربية في كافة أوجه الحياة.

ورئيسة مجلس النواب البحريني فوزية زينل صاحبة اهتمامات ثقافية عميقة وهي أيضا إعلامية وخبيرة في الشؤون الأسرية والنفسية وحاصلة على ماجستير في الإعلام فضلا عن دبلومات عالية في العلوم السياسية والتوجيه والإرشاد الأسري والليسانس في اللغة العربية والتربية.

ولئن كانت غير المسبوقة في الثقافة السياسية العربية جديرة بكثير من الطروحات والتحليلات الثقافية المعمقة فان الثقافة الغربية تنتج الكثير من الأعمال التي تتناول دور المرأة في مختلف أوجه الحياة والإشكاليات التي تواجه النساء في العمل العام.

ومن الطريف أن تنتج الثقافة الغربية كتابا صدر بالانجليزية بعنوان:"السلطة" وتسعى فيه الكاتبة البريطانية ناعومي الدرمان للإجابة على السؤال:"ماذا سيحدث لو حكمت النساء العالم".. ومع أنها استعانت بخيالها وتصوراتها الافتراضية أحيانا في سياق الإجابة فقد اثارت نقاشا جادا حول مصطلحات ذاع صيتها مثل "النسوية والأنثوية والنقد النسائي" بينما يظهر الجدل على صفحات الصحافة الثقافية الغربية حول هذا الكتاب ان قضايا المرأة مازالت تشكل هما للغرب وما يسمى بالشمال المتقدم.

وفيما جاء هذا الكتاب بخيال مؤلفته ليجعل الرجل هو "الآخر" بالنسبة للمرأة التي أحكمت سيطرتها أو سلطتها كما ابتكرت آلياتها للرد على اي عنف ذكوري فان هذا الخيال لم يكن متحيزا تماما لحواء إذ اجتر أحيانا لحظات من الحنين لعصر سادت فيه سلطة الرجل ثم تحول الحنين الى سؤال جديد بعد أن أفضت السلطة النسائية لمأزق جديد للإنسانية التي تحتاج لرؤية رحبة لحل قضايا الرجال والنساء معا !، وهذا هو المعنى الإنساني الذي تتبناه الكثير من الأصوات الثقافية في الغرب والشرق معا بينما تكون "ثقافة تمكين المرأة" جزءا من سعي مطلوب لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع بصرف النظر عن النوع او اللون او العرق.

وقد يشعر البعض بالدهشة حيال حقيقة مثل وجود الولايات المتحدة ضمن الدول التى لم تصادق بعد بصورة نهائية على المعاهدة الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بالاختصار "سيداو".

وحتى على مستوى الفن ثمة مشاكل تواجهها المرأة في الغرب ومن ثم فقد دعت الممثلة البريطانية اليان اتاكينز زميلاتها الممثلات لابتكار ادوار جيدة لهن "عوضا عن التذمر من قلة وجود ادوار لهن في مجال التمثيل".

وفيما تشكل المرأة المصرية العاملة اهتماما جاذبا للصحافة ووسائل الإعلام في الغرب مثل مجلة "نيويوركر" التي نشرت مؤخرا تقريرا مستفيضا عن النساء العاملات في مصر وتحقيق المساواة في الفرص بين الجميع ذكورا واناثا، نوهت رئيس المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي بأن الدستور المصري ينص على تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية والمحلية وقد وصلت هذه النسبة بالفعل في مجلس النواب الحالي الى 15 في المائة.

ومع ذلك فقد تمنت مرسي المعنية بمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة أن تتجاوز هذه النسبة أعلى المعدلات الدولية حاليا والتي لا تتجاوز الـ 30 %فيما لفت مثقف مصري كبير وفقيه قانوني بارز ووزير سابق هو الدكتور مفيد شهاب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي لأهمية ان تتحول القوانين المنصفة للمرأة الى "ثقافة" أي شعور أو إحساس عام لدى الجميع في أوجه الحياة اليومية.

وفي نهاية هذا العام، اهتمت وسائل إعلام بارزة في الغرب بالحملات المكثفة في لبنان لمكافحة ظاهرة زواج القاصرات وهي حملات تشارك فيها عدة جمعيات نسوية وصولا لسن "قانون مدني موحد يجعل الحد الأدنى لسن الزواج 18 عاما".

وحسب تقارير إعلامية، فقد أكدت جمعيات حقوقية نسائية في لبنان ان "زواج القاصرات يعرض حياتهن للخطر في حالات الحمل المبكر إضافة للعزلة الاجتماعية والتوقف عن الدراسة والحد من فرصهن في التقدم الوظيفي والمهني وزيادة تعرضهن للعنف المنزلي".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" قد أوضحت في تقرير صدر عام 2016 ان نسبة قدرها 6 في المائة من اللبنانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عاما تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18 عاما.

ولمصر تاريخها العريق في الدفاع عن حقوق المرأة فيما أسس الاتحاد النسائي المصري عام 1923 وبرزت أسماء ناشطات وطنيات على هذا الصعيد مثل هدى شعراوي وصفية زغلول بينما تعد الدكتورة مايا مرسي من الخبراء على المستوى الدولي في مجال سياسات تمكين المرأة وشغلت عدة مناصب تتصل بهذا المجال في الأمم المتحدة فيما ركزت أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه على "الأمن الإنساني للمرأة العربية".

وللذاكرة الثقافية المصرية أن تستعيد دوما تأكيد هدى نجيب محفوظ في سياق الذكرى الـ107 لمولد الأديب النوبلي المصري نجيب محفوظ التي حلت يوم الحادي عشر من شهر ديسمبر الجاري ان والدها كان ديمقراطيا في البيت "وابعد ما يكون عن نموذج سي السيد الشهير في ثلاثيته الخالدة".

والمرأة في أدب نجيب محفوظ موضع دراسات نقدية متعددة وسط اتفاق على أنها تحتل مكانة عالية في أعمال هرم الرواية العربية فيما تشكل بعض نماذجه النسائية أمثلة للصمود والعطاء وهذه النماذج حاضرة دوما في الحياة المصرية مثل "زهرة في رواية ميرامار أو هذه الشابة الريفية البسيطة والطيبة والمعتدة بكرامتها والشجاعة".

وهاهو وزير الثقافة الأسبق والناقد والأكاديمي الدكتور جابر عصفور يتحدث بكل التقدير والإجلال لمثقفة وأكاديمية مصرية كبيرة هي الراحلة العظيمة الدكتورة سهير القلماوي ليصفها بأنها "أستاذته في النقد الأدبي" فيما كانت تمضي بدورها على نهج أستاذها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي آزرها في مواجهة التيار الرجعي الذي يناوئ مشاركة المرأة في الحياة العامة بما في ذلك قاعات الدراسة والأنشطة البحثية والحياة الثقافية.

وقال عصفور إن كتب ودروس الدكتورة سهير القلماوي في الجامعة جمعت مابين الأصالة والمعاصرة، لافتا إلى أن هذه المثقفة المصرية الكبيرة التي قضت في الرابع من مايو عام 1997 كانت ابعد ما يكون عن "الذين يدعون إلى عزلة العمل الأدبي عن عصره ومهمته في تغيير الواقع".

والدكتورة سهير القلماوي التي تعد بحق-كما قال جابر عصفور-علامة ساطعة في تاريخ الثقافة العربية هي التي أسست معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لإطلاقه فيما بات من أهم معارض الكتب في العالم.

وإذ يقترب عام 2018 من نهايته فان هناك حاجة ملحة لبحث ثقافي متعمق في مدى تأثير ثورة 30 يونيو على أوضاع النساء فيما شاركت المرأة المصرية بدور غير منكور في هذه الثورة.

وتتفق طروحات عديدة على أهمية دور المرأة في "دولة المواطنة" وأي مشروح حداثي لمصر فضلا عن صورتها الذهنية في الخارج جنبا الى جنب مع دورها الحيوي الأمومي "كحارس أصيل لمنظومة القيم المصرية".

ويتجاوز ذلك بكثير القضايا السطحية والهامشية التي درج البعض على إثارتها عند تناول أوضاع النساء وبنظرة لا تكاد تختلف في الجوهر عن "النظرة الاستشراقية للمرأة المصرية والعربية عموما" وهي فاعل أصيل في بناء المستقبل.

وفيما تبقى انتقاداتها اللاذعة للنظرة الغربية النمطية للمرأة العربية حاضرة في الذاكرة الثقافية العربية، فقد رأت المثقفة المغربية الكبيرة وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي أن المرأة في الغرب المعاصر أيضا تعاني من الاستلاب و"العبودية المستترة".

وسعت المرنيسي كعلم من إعلام "السوسيولوجيا العربية" وباحثة أصيلة جمعت مابين الكتابة النظرية والعمل الميداني للتذكير بإسهامات أصيلة للحضارة العربية-الإسلامية على صعيد قضايا تحرير المرأة بقدر ما تدحض النظرة الاستشراقية.

وخلافا لهذه "الرؤية الاستشراقية" التى تجنح أحيانا نحو صور غرائبية لا تعبر بصدق عن الواقع فان طروحات وتعليقات نسائية مصرية تظهر بوضوح إدراكا أصيلا بأن قضايا المرأة هى قضايا الرجل داخل الوطن الواحد وانه لا مجال كبير للفصل التعسفى على أساس الذكورة والأنوثة.

ولا تبدو هموم واهتمامات وتطلعات النساء فى مصر بعيدة أو منفصلة عن هموم واهتمامات وتطلعات الرجال على امتداد الوطن والشعور المشترك بالأولوية المطلقة لإنعاش الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية.

والمثقفة المصرية الدكتورة نوال السعداوي التي نالت مؤخرا "جائزة المفكرين العالميين" في احتفالية بالعاصمة البريطانية لندن ترى ان الديمقراطية ليست انتخابات فقط "بل هي الكرامة والحرية والمساواة للجميع والعدالة الحقيقية او القانون العادل الذي يطبق على الجميع دون تفرقة".

ولا ريب أن قضايا المرأة هي جزء أصيل من قضايا الوطن في المنظور الشامل لنوال السعداوي التي صدر لها عبر رحلتها الثقافية المديدة نحو 70 كتابا مابين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية فيما حظت كتبها بترجمات لعديد اللغات.

ومن الطريف، أن تلاحظ الدكتورة نوال السعداوي أن "زوجات اغلب الكتاب والمفكرين غائبات عن الحياة الفكرية والثقافية، متفرغات لأعمال البيت والعيال" فيما تابعت: "وكان توفيق الحكيم رغم تفوقه الإبداعي والفكري رائدا في السخرية من المرأة المفكرة ذات العقل والذكاء التي تناقش وتجادل في الفلسفة او السياسة".

وإذ تنتصر الدكتورة نوال السعداوي "للمرأة الذكية ذات العقل المبدع" فإنها تستدعي قصة طريفة ودالة من ايام طفولتها وتقول:" شهدت في طفولتي الجدل بين أبي وأمي لم اسمعه يرفع صوته يواصل الحوار معها بهدوء ويطلب منا نحن الأطفال ان نشارك بالرأي ويضطر احيانا لأخذ الأصوات وان جاءت الأغلبية مع امي يرفع يديه مسلما برأيها وقد تنهزم امي حين نعطي اصواتنا لأبي فتنتفخ أوداجه كالديك الرومي ونضحك".

وفيما تتردد من حين لآخر تساؤلات حول مواقف الإعلام حيال قضايا المرأة-يذهب أصحاب طروحات ثقافية إلى أنه لا يجوز النظر لقضايا المرأة باعتبارها قضايا فئوية داعين وسائل الإعلام للمساعدة فى تغيير الثقافة المجتمعية السائدة وتعبئة الرأى العام لمساندة قضايا المرأة التى هى جزء من قضايا المجتمع.

وإذا كانت المرأة المصرية قد نهضت بدور مهم فى ثورة الثلاثين من يونيو فإنها مدعوة شأنها شأن الرجال لمواصلة السعي النبيل بثقافة العمل والأمل فى بناء مجتمع جديد ببنية ثقافية-اجتماعية مواتية للتقدم فى سياق معطيات القرن الحادى والعشرين.