رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"لوردكاش" وصورة السادات وعبد الوهاب وأم كلثوم

جريدة الدستور

«وهبت نفسي لربنا. وهبت نفسي للندوات الثقافية والأدبية. الفن أصبح غذاء لروحي. ليس تجارة أو مادة. غناء للروح، كما من يشرب القهوة على الريق أشرب الفن على الريق. يعني لازم أفيق أمسك العود، ألحن، أغني، أدرس خمس، ست لغات. مزاجي أدرس لغات. آتي بقواميس: يونانية، إيطالية، فرنسية، أجلس كل يوم وأترجم وهذا منذ صغري، أترجم أي شيء يقع في يدي: من الإنكليزي إلى العربي، من العربي إلى الفرنسي، من الفرنسي إلى الإيطالي.. وهكذا أعلم نفسي بنفسي».. بهذه الكلمات لخصت المطربة اللبنانية - المصرية «لوردكاش» حياتها الفنية وعلاقتها بالغناء والموسيقى والحياة.

البداية
ولدت «لوردكاش» في 24 مارس سنة 1917، بأحد الأحياء الشعبية بمدينة بيروت في لبنان، وهذا الحي كان زاخرًا بعدد كبير من المطربين والموسيقين والرفق الغنائية والشعبية. أما والدها «جورج دكاش» فكان يعمل بتجارة الأقمشة والملابس، ومحبًا للموسيقى والغناء والأدب، كما كان يمتلك مكتبة من الموسيقى المصرية والعربية. أما والدتها فتركتها مبكرًا وعمرها لا يتجاوز السنة ونصف نتيجة لخلافات عائلية مع والدها، وسافرت إلى أمريكا.

ساعدتها كل تلك العوامل في أن تصل لمسامعها وهي لا تزال طفلة، أغاني وألحان كبار المطربين والمغنين أمثال سلامة حجازي وزكي مراد وسيد الصفتي ويوسف المنيلاوي ومنيرة المهدية وأم كلثوم ونعيمة المصرية ومحمد عبد الوهاب وصالح عبد الحي وسيد درويش وغيرهما.

طفولة نابغة
«وضعت رأسى داخل فونغراف قديم يمتلكه والدي، وبدأت الغناء مع أم كلثوم "مالي فتنت بلحظ الفتان" وكان عمري وقتها لم يتجاوز السبع سنوات. فسمعني والدي وأشاد بصوتي» من هنا انتبه الوالد لصوتها، فلحن لها أغنية تناسب طفولتها وصوتها: «طن.. طن.. طن.. جرس مدرستي عما بيعمل طن»، وعهد لعواد لبناني يدعى «بترو تراد» ليعلمها أصول العزف على العود. فتعلمت العزف على العود في مدة لم تتخطى الشهرين أو الثلاثة أشهر. ليعهد بها إلى الموسيقار «سليم الحلو» ليعلمها "النوتة الموسيقية" لتبدأ في كتابة أغانيها بعد شهرين من تعلمها كتابة النوتة الموسيقية، وبعدها طلب منها والدها وهي لا تزال في طفولتها غناء أغنية "يا عزيز عيني.. بدي أروح بلدي"، بعد أن حولها إلى كلمات لبنانية تقول "يا عزيز عيني.. ده يمكن لليالي"، وتم تسجليها على أسطوانة.

ذهب والدها لصديقه الشاعر اللبناني «بطرس معوض» الذي أبدى اندهاشه لطلبه قصيدة تغنيها الطفلة «لوردكاش» فيصر الأب «جورج» بل ويزيد طلبه بكتابة قصيدتين، فكتب «معوض» قصيدة "طلوع الفجر"، فبدأت الطفلة في تلحين القصيدة الأولى "طلوع الفجر" التى كانت مليئة بالخيال والمشهدية، وما أن انتهت من تلحينها تحت تهديد وقساوة والدها الذي كان يمسك بالكرباج ويطرقعه على الأرض كي تنجز تلحين كلمات القصيدة، حسبما قالت في حورارت صحفية.

وبعد انتهاء اللحن ذهب والدها لفرع لشركة "بيضافون" في لبنان، لتسجيله وسط دهشة المسؤلين، وأضاف والدها أصوات العصافير والأشجار والآذان التى تناسب كلمات الأغنية ومشهديتها. وسجلت الأسطوانة وشاركها بتسجيل آخر على نفس الأسطوانة، إيليا بيضا، ابن عم أصحاب شركة "بيضافون". وبعدها كتب لها «بطرس معوض» كلمات "نامي هنيئًا" و"التليفون" التي طلبت من والدها غناءها كهدية لأصحابها المعجبين بها الذين يكرمونها وينفقون عليها بفندق "دمسقوس بالاس" الذي تذهب إليه بأستمرار. وكانت الكلمات "آلو، هنا فندق دمسقوس بالاس - آيوه هون فندق دمسقوس بالاس - مو بترون عندكون - تقصد هل معلمي عندكم".

كان والدها مصرًا على أن تصبح «لور» نجمة شهيرة، بعد وفاة "سعد زغلول" ذهب إلى صفية زغلول وأخبرها أن ابنته "لور" عندما علمت بخبر وفاة الزعيم "سعد زغلول" قالتلي "يا بابا لما هروح مصر، أنا هروح أرثيه على قبره".

فذهب إلى «بطرس معوض» وطلب منه قصيدة لرثاء "سعد زغلول" وكانت «يا روح سعد قد سكنت قلوبنا.. وأقمت فيها للصلاة معابد» وبعد غنائها، بدأت الأخبار تتناثر في الصحف والمجلات احتفاءً بالطفلة التي لم تبلغ الثانية عشر عامًا ترثي الزعيم على قبره. وتحقق أمنية الوالد في شهرة ابنته الصغيرة.

حكايتها مع كوكب الشرق وموسيقار الأجيال
ذهبت أم كلثوم إلى لبنان عام 1931 لإقامة حفلاتها هناك في كازينو "كوكب الشرق" مع أحد المتعهدين اللبنانيين "أحمد الجاك". وكان في استقبالها «لوردكاش» والمطربة «صباح». فطلب ذلك المتعهد من «لوردكاش» أن تلازم كوكب الشرق طوال مدة إقامتها في لبنان.

وعند مجىء «لور» إلى مصر عام 1932 توطدت علاقتها بأم كلثوم. وتشاء الظروف في عام 1945 توقع «لور» عقدًا من الإذاعة المصرية تغني بمقتضاه وصلتين في الشهر لمدة نصف ساعة، مقابل 25 جنيهًا كأجرها و22.5 جنيهًا للموسيقين، وأقامت بموجب هذا العقد حفلات أخرى خارج الإذاعة في حديقة الأندلس ودار الحكمة ومركب أرابيا، مثلها مثل أم كلثوم، ولم يفسد هذا الأمر العلاقة بينهما مطلقًا.

أما علاقتها بموسيقار الأجيال «محمد عبد الوهاب» التي بدأت في لبنان أثناء زيارته المستمرة نظرًا لشركته في شركة «بيضافون» وهو ما سمح لها بلقاءه مرات عديده، بالإضافة إلى أنها كانت قريبة من المشاركة في فيلم «الوردة البيضاء» لكنها كانت ما زالت قاصر بالإضافة إلى مشاكل زواجها وخلافات والديها حالت دون ذلك.

كما كان معظم الفرقة الموسيقية لعبد الوهاب تشارك في تلحين أغانيها فكان "عبد المطلب" مشاركًا في الكورس في أغنية "آمنت بالله"، كما ذكرت أثناء وجودها في برنامج "سهرة الشريعي" الذي قدمه الملحن "عمار الشريعي" على شاشة قناة دريم، كما كان يلقبها عبد الوهاب بـ"ملكة التواشيح" والـ"عبقرية".

لم تكن علاقتها قاصر فقط بعبد الوهاب أم كلثوم بل امتدت لموسيقين آخرين. فكما قالت في حوار صحفي لها أن "القصبجي" وصف أعمالها قائلا: "لا يستطيع أن يقدم مثلها، أن لور سيدة مجتهدة، وتحب فنها".

أما علاقتها المؤسفة بالملحن "فريد غصن" فبدأت عندما أعدت شركة «بيضافون» عدة أغاني لها وكان من بينها أغنية سيلحنها بنفسه. وبعد مجيئها إلى مصر أخبرها أن "أسمهان" أخدت أغنيتها، بعد أن كانت اتمت كل البروفات الخاصة بها، وهي لم تكن تعرف أسمهان في ذلك الوقت، فبكيت بشدة لكن «غصن» نهرها قائلأ: «لماذا تبكين، أنت ملحنة، وأنا ملحن، ولدينا كلام كثير، خذي لحني هذه الأغنية: آمنت بالله… نور جمالك آية… آية من الله"، وتبادلا العود ولحن كل منهما جزء منها. وبعد انتهاءهما منه، طلب منها أن ينسب تأليف لحن الأغنية لنفسه خشية أن يضيع عليه حق الأداء العلني، فوافقت دون وعي منها بأنه يسرقها وزاد الأمر سوءًا انه لم يكن في مصر جمعية لحقوق التأليف. ونجحت الأغنية وحققت شهرة واسعة. وأعلنت بعدها في أحاديثها الصحفية أنها ليست نادمة، فهو أخذ رزقه منها وهي أخذت مجدها منها أيضًا.

«لور» في السينما
قالت «لوردكاش» أنها شاركت في بطولة فيلم «الموسيقار» 1946 المقتبس من قصة عن الشاعر «سيران ودي برجراك» وشاركها فى البطولة عازف الكمجنة الشهير"يعقوب طاتيوس". قام بإخراج الفيلم "السيد زيادة"، وإنتاج إبراهيم رمزي، لكن الفيلم فشل فشلا ذريعًا نظرًا لأن كل المشاركين فيه من الفنيين والممثلين والإخراج كان هذه تجربتهم الأولى في السينما، فكان السقوط طبيعيًا.

كما شاركت في فيلم ( أنشودة الراديو ) عام 1936 وفيلم (بنت البادية) عام 1958،وفيلم (يا تحب يا تقب) عام 1994.

لوردكاش في مصر الجديدة والنهاية
عاشت «لور» في أواخر حياتها في منزلها بمصر الجديدة - وهى لا تزال صحراء- في شارع "المراونة" الذي أحبته كونها مروانية، وكان منزلها مليئًا بصور الفنانات وصورة الرئيس السادات وزوجته، وبعدها أوضحت في حوار صحفي لها أن تلك الصور تسد شقوق في الجدار تسبب فيها أحد اللصوص الذى سرق مجوهراتها، كما كانت تدوام على المشي لمدة ساعتين في شوارع مصر الجديدة وتستقل المترو، وعندما يكون العود برفقتها تعزف للناس.

توفت في 11 أكتوبر 2005 في مصر ودفنت بالقاهرة.