رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الشيشة".. رحلة الدخان في صدور المصريين

الشيشة
الشيشة

النرجيلة مشتقة من لفظ "النارجيل" الاسم الذي يُعرف به ثمر جوز الهند، وترجمته الحرفية تعني "الجوزة" وهو الاسم الذي تُعرف به النرجيلة في مصر، فقد وصف الرحّالة والعالم الدنماركي كارستين نيبور الجوزة المصرية، أنها كانت مكونة من ثمرة جوز هند مفرغة، يتم ثقبها مرتين، ثقب يوضع فوقه الحجر، وثقب تنفذ من خلاله أنبوبة خشبية يتم من خلالها استنشاق الدخان الذي يمر خلال الماء الموضوع في الجوزة نفسها.

لم تتغير ملامح "الجوزة المصرية حتى فترات قريبة، لكن في الفترة التي ارتفع فيه سعر جوز الهند استبدل بكوز صفيح فارغ أو زجاجي، وهذا هو أبسط أشكال النرجيلة الشعبية، يدخن بواسطته المعسل، وهو الدخان الممزوج بالعسل، ويعرف في المقاهي المصرية باسم "البوري"أو"المصري"، قال"نيبور": "إن العامة يدخنون الجوزة للتدفئة أيضًا، ولكن النرجيلة الأنيقة التي تستبدل فيها الجوزة ببرطمان زجاجي كان اسمها"النرجيلة الفارسية".

أما الشيشة فهي كلمة فارسية معناها "الزجاج"، هو اسم الذي عُرفت به النرجيلة في مصر، وحسبما قال إدوارد لين:"إن التدخين يتم من خلال أنبوبة طويلة لينة تسمى"لي".

كان مقهى الندوة الثقافية في ميدان باب اللوق أشهر مقهى في القاهرة لتدخين"النرجيلة"، وكان صاحبه محمد حسنين يمتلك مقهى بناه سنة 1920 بشارع منصور بالقرب من مكان الغرفة التجارية، ثم هدم المقهى عام 1959، وانتقل أبناؤه رشاد وجلال وعلى إلى مقهى الندوة الثقافية، الذي كان يقصده كبار الكتاب والفنانين من هواة تدخين"النرجيلة".

أما مقهى الأوبرا فكان أشهر مقاهي تدخين "النرجيلة" حتى منتصف القرن الـ19، وكان يعرف في الثلاثينات والأربعينات باسم كازينو بديعة نسبة لصاحبته بديعة مصابني، فكانت تقدم فيه النرجيلات للزبائن، كل زبون له"لي" خاص به مكتوب فوقه اسمه، لا يدخن به شخص آخر، وكان الحجر يقدم محفوفًا بالزهور، وفي الماء توضع ثمرات من الكرز، وكان سجلس بالمقهى عدد من كبار رجال السياسة والاقتصاد والأدباء، وأهمهم نجيب محفوظ المدخن العريق للنرجيلة.حسبما ذكر "جمال الغيطاني" في كتابه ملامح القاهرة في ألف سنة.

السيدات المحجبات يجلسن على المقاهي لتدخين النرجيلة بوقار، بينما تمر بديعة مصابني بنفسها تتأكد من وفرة الجمر، وإراحة الذبائن، وكان ذلك منظرًا مألوفًا وقتها، وكانت هناك مقاهى أخرى مشهورة بالنرجيلة، مثل مقهى عرابى في ميدان الجيش، ومقهى الفيشاوى في الحسين، والذي كان يجلس أمامه المرحوم فهمي الفيشاوي لايفارق فمه "اللي" ليلًا ولا نهارًا، بعد أنا فارق الشباب وهجر الفتونة والفحولة، وكان هناك مقهى نوبار الذي كان يغني فيه عبده الحامولي ويرتاده خليل مطران، وسليم سركيس الصحفي، ومقهى الكتبخانة أمام دار الكتب، وكان يقدم الشيشة لحافظ إبراهيم الشاعر، والشيخ عبد العزيز البشري، وغيرهما.

وكان مقهى الشيشة في شارع الجمهورية، يجتمع فيه هواة التدخين، وهواة المصارعة بالكلاب.
أما "النرجيلات" فتصنع في منطقة القاهرة القديمة، وتُباع في عدة متاجر متجاورة بشارع بين القصرين تبيع النرجيلات، وأدات التدخين من حجر وليات، وغيرهما، وكان ثمن النرجيلة المصنوع قلبها من النحاس حوالي 5جنيهات، أما النرجيلة المصنوعة من النحاس الخالص المنقوش والتي تباع في متاجر التحف بخان الخيلي، فيبلغ ثمنها عدة مئات من الجنيهات.

وفي الثلاثينات كان متوسط سعر النرجيلة من التبغ عشرة مليمات في مقاهرة القاهرة، وفي الأربعينات كان ثلاثة قروش أي ثلاثين مليمًا، وخضع سعر النرجيلة للتطور ككل شىء في القاهرة حتى وصل سعر النرجيلة الحمى لعشرة قروش، والعجمي أربعين قرشًا، أما الكيلو من التبغ الخاص بالنرجيلة فوصل ثمنه لثلاثين جنيهًا، وكان في أوائل الخمسينات بثلاثة جنيهات.