رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجديد الشكل أم الموضوع؟!


تستفزنى سيرة «تجديد الخطاب الدينى»، وحين تنفتح، أرى أمامى «سحنة» ومهنة عبدالقوى شديد، وطريقة تفكيره التى تكاد تتطابق مع صيغة تناول غالبية «المشايخ» للموضوع، والتى يذوب فيها الفارق بين الـ«تنجيد» والتجديد. وسبق أن تناولت هذا الخلط أو هذا «العجن» فى مقال قديم عنوانه «تنجيد الخطاب الدينى!».
عبدالقوى (أو محمود عبدالعزيز)، هو إحدى الشخصيات الثلاث الرئيسية فى فيلم «جرى الوحوش»، الذى قدم رؤية شديدة السذاجة والسطحية لعلاقة العلم بالدين. ومع أن الفيلم مر على إنتاجه ربع القرن تقريبًا، ومع أن مهنة عبدالقوى، مهنة «المنجد»، تكاد تكون اختفت، إلا أن رؤية الفيلم، الساذجة السطحية، ظلت هى المسيطرة على غالبية المطالبين بـ«تنجيد» أو تجديد الخطاب الدينى، الذى قال وزير الأوقاف، خلال كلمته فى ذكرى المولد النبوى، إنه «عملية ديناميكية لا تتوقف ولا ينبغى أن تتوقف أو تُحدّ بحد، مع الحفاظ على الثوابت».
يلامسون سقف السذاجة والسطحية حين يختزلون معنى الخطاب فى الكلام أو النص، لأن ذلك كله، سيكون مبتورًا أو مشوهًا، ما لم يتم ربطه بالسياق والظروف التى أنتجته وتفاعلت وتفاعل معها. وبالتالى، لا يمكن أن يتم تجديد الخطاب إلا بتجديد موازٍ فى ذلك السياق وفى تلك الظروف المحيطة به. وقبل هذا وذاك، تجديد النصوص المتشابكة مع ذلك النص والدائرة حوله.
تأسيسًا على ما سبق أو انطلاقًا منه، يمكننا مناقشة الكلام المكرر بشأن «تجديد الخطاب الدينى»، الذى لا أعرف إلى الآن، ماذا يريد بالضبط من يقومون بترديده أو بتكراره أو ماذا يقصدون؟!، ما غايات أو أهداف ذلك التجديد حين يشترط المطالبون به، عدم المساس بما يصفونها بـ«الأصول» أو «الثوابت»؟! هل المقصود مثلًا تجديد الطرق والأساليب والقوالب والصيغ والمناهج، التى يتم بها الحديث عن المبادئ والأحكام والتوجيهات والمقاصد؟!، أم يمكن أن نجد من يتهور ويتحدث عن تجديد أو تطوير المبادئ والأحكام والتوجهات والمقاصد ذاتها؟!
لو تابعت الكلام المكرر، أو الذى يعاد تدويره، ستكتشف أنهم يسبقون أى كلام عن تجديد الخطاب بالتأكيد على وجود ضوابط تحكم، ومؤسسات بعينها تتحكم، وأصول وثوابت لا يجوز الاقتراب منها. فهل يمكن الحديث أساسًا عن تجديد الخطاب الدينى، فى وجود أصول وثوابت، غير قابلة للتجديد أو التغيير؟! هل يمكن أن يحدث التجديد المنشود لو تم الالتزام بالضوابط والابتعاد عن أصول وثوابت يزعمون أنها هى الأركان أو الأسس التى يقوم عليها الدين نفسه؟!. إن معنى ذلك، أى معنى الالتزام بهذه والابتعاد عن تلك، هو أن الكلام عن التجديد ينصب فقط على الشكل: شكل الخطب والمواعظ والدروس التى يحفظها «المشايخ» ويكررونها، دون فهم أو إدراك، غالبًا!.
بصيغة أخرى، يمكننا أن نقول إن تغيير أو تجويد الخطاب شكلًا لا مضمونًا، لن يجعله جديدًا أو مختلفًا، بل مجرد صيغة مختلفة لترويج المحتوى القديم نفسه. ولو تحدثت عن الموضوع، أى عن عمق الرسالة التى من المفترض أن تستهدف بناء العقول وترشيد السلوك، فستجد من يقول لك إن التصدى لتلك المهمة ينبغى أن يكون حكرًا على فئة بعينها يزعمون أنها تملك المؤهلات، القدرات والإمكانات. وهؤلاء، غالبًا، غير منفتحين على المتغيرات التى يشهدها العالم، ومنعزلون ومنكفئون على ذواتهم، لا يخاطبون إلا أنفسهم، ولا يعنيهم الآخر أو الآخرين!.
المضحك هو أن تجد من يتحدث (بمنتهى الجدية) عن تجديد حكيم، أو رشيد، يراعى مقاصد الشرع ويأخذ بفقه الأولويات، زاعمًا أنه يمكنه تغليب المصلحة العامة والضرورات، دون تجاوز ما يصفها أو يدّعى أنها من الأصول أو من الثوابت التى لا يجوز معها التجديد، لأنها فى رأيه أو حسب زعمه هى الثوابت القطعية والقواعد الكلية. وما يضحك أكثر، هو أن يتلخص التجديد، من وجهة نظر البعض، فى مجرد نفى علاقة الدين بموجات الكراهية والتطرف والعنف والإرهاب والتكفير التى انتشرت بفعل من يتخذون الدين مرجعية لهم!.
الخلاصة، هى أن من يكتفون بالشكل لا بالموضوع، يتحملون الجزء الأكبر من مسئولية تشويه الإسلام والإساءة إليه. إذ لا يمكنك، مثلًا، أن تكتفى بنفى صلة الإرهاب بالإسلام، دون أن تقوم بـ«نسف» الأصول أو الثوابت، أو ما توصف بأنها كذلك، التى يستند إليها الإرهابيون أو يبررون بها تطرفهم وإرهابهم. وعليه، لا نجد غير تكرار ما طالب به الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤخرًا ومجددًا، بضرورة أن يخرج من مصر مسار عملى حقيقى للإسلام السمح.. ممارسات حقيقية.. سلوكيات حقيقية للمسلمين «مش نصوص نكررها فى خطبة الجمعة أو فى التليفزيون أو المؤتمرات أو المنتديات».