رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارثة.. مخدر جديد يباع علنًا فى الصيدليات وغير مدرج بـ«جداول الممنوعات»

جريدة الدستور


لم تعد المواد المخدرة مقصورة على الأنواع الشهيرة من حشيش وكوكايين وترامادول، وامتدت لتشمل أنواعًا أخرى تباع بشكل طبيعى فى الصيدليات، وغير مدرجة فى قوائم المنع، وذلك تحت مسميات عديدة لأدوية تستخدم فى علاج بعض الأمراض المتعلقة بالجهاز العصبى.
واكتشف متعاطو هذه الأدوية، أن جرعاتها الزائدة تمنحهم نفس الحالة المزاجية التى تنتج عن تعاطى المخدرات، لمساهمتها فى تفعيل «هرمون السعادة»، لذا يتوافد كثير منهم فى الوقت الحالى على الصيدليات أكثر من تجار المخدرات للحصول على هذا «المخدر الشرعى»، وهو الأمر الذى يزداد مع انخفاض سعره مقارنة بالمواد الأخرى المحظورة.
يأتى على رأس هذه الأدوية ما يعرف باسم «ليرولين»، وهى حبوب تستخدم لعلاج القلق ونوبات الصرع وغيرها من الأمراض العصبية خاصة بين مرضى «السكرى»، بجانب «ليريكا» النسخة الأغلى والمشابهة للعقار ذاته، واللذين تحولا خلال الفترة الأخيرة إلى مخدر يباع علنًا فى الصيدليات.
«الدستور» توصلت إلى متعاطين لهذه المواد، وتنقل خلال السطور التالية تفاصيل تجاربهم مع «ليرولين»، وكيف بدأت «علاجية» ثم تحولت بمرور الوقت إلى حالة من الإدمان، كما تنقل شهادة مُهرب عن طرق إدخالها إلى البلاد، وتستمع لآراء مسئولى نقابة الصيادلة حول طرق المواجهة.


متعاطون: الحبوب أولها سعادة مؤقتة.. أوسطها «هيروين وإستروكس».. وآخرتها اكتئاب ومشاكل

فى حالة المخدرات، خصوصًا الأنواع الجديدة منها، تبدو الحكمة القائلة «اسأل مجرب ومتسألش طبيب» ضرورية للغاية، مع الاعتراف بوجوب سؤال الطبيب أيضًا، لكن أهمية شهادة المجرب هنا أنه دخل إلى هذا العالم المغرى للكثيرين، وبإمكانه أن ينقل ما حدث معه لكل من تسول له نفسه خوض التجربة.
شاب فى العشرينيات لم يكن يتعاطى أى مخدر حتى تناول «ليرولين»، وأصبح مدمنًا لجميع أنواع المخدرات، يروى لـ«الدستور» قصته مع المخدر قائلًا: «أولى تجاربى مع حبوب الليرولين كانت فى شرم الشيخ منذ عامين، عندما شاهدت أصدقائى يتعاطونه منذ أن وصلنا لغرفة الفندق، ويشجعوننى على تجربته والدخول فى الحالة المزاجية التى يسببها».
بدأ الشاب بـ٣ حبات على سبيل التجربة: «ظهر إعجابى به من المرة الأولى لما سببه من سعادة كبيرة»، مشيرًا إلى أن هناك تعليمات يُشترط تنفيذها للوصول للحالة المزاجية الكاملة لـ«الليرولين»، وهى شرب الشاى والسيجارة وأحيانًا يحبب تعاطى الحشيش معه.
وعن أعراضه يوضح: «تظهر بعد ساعة أو ساعة ونصف من تعاطيه، وبمجرد وصوله للدماغ بتغيب عن الواقع تلقائيًا وتنسى أى مشاكل تواجهك وتطرد أى مزاج سيئ، لأنه يجعلك تشعر بالسعادة فقط لا غير».
ويستكمل: «مع مرور الوقت الجرعة بتزيد طبيعى من ثلاث حبات إلى خمس وسبع، فبالتالى الضرر النفسى يبدأ يظهر فى وقت الإقلاع عنه وهو الاكتئاب والصداع الرهيب فى فترة صغيرة وهى يومان أو ثلاثة».
فى وقت انغماسه فى التجربة، لم يكن الشاب يتعاطى «الليرولين»، بل كان يرشد معارفه وأصدقاءه لتجربته ومشاركته فى تعاطيه: «أصبحت أنا وثلاثة من أصدقائى نتشارك يوميًا كل صباح فى شراء علبة وتقسيمها علينا، ونتلاقى مجددًا فى الليل لتكرار نفس الشىء».
كانوا يندمجون كل يوم أكثر فى هذا الوضع، ولا يشعرون بخطورة ما يفعلونه، يقول: «جعلتنا حبات الليرولين نفعل أشياء لم نكن نتوقعها مثل تعاطى الهيروين والإستروكس وسرقة السجائر من المحلات».
ليس ذلك فحسب، إذ حدثت مشاكل بينه وبين أصدقائه أنفسهم بسبب تعاطى الليرولين بمفردهم أو مع أصدقاء آخرين، حتى جاءت الفترة الأصعب- كما يصفها- التخلص من المخدر ومواجهة أعراض انسحابه الشديدة.
يحكى: «كانت السيجارة العادية كافية لدخولى فى الحالة المزاجية من جديد، حيث إننى تعرضت لأزمة ضيق تنفس أكثر من مرة أثناء التخلص منه، وكانت نظرة الأقارب والمعارف لى كمدمن قاسية أجبرتنى على التخلص منه وتغيير فكرتهم عنى».
بخلاف الأقارب كانت بعض الصيدليات ترفض منحهم هذه الحبوب دون روشتة رسمية، بعدما لاحظوا مدى انتشاره، فيما كان البعض الآخر يستغل الوضع ويبيع دون روشتة ليحقق ربحًا.
الآن يعتبر الشاب تلك التجربة «أكبر غلطة فى حياته». ويستفيض: «اقتنعت بعد فترة أن الليرولين كان السبب الرئيسى فى تدمير حياتى نفسيًا وعصبيًا واجتماعيًا، حدثت مشاكل مستمرة يوميًا لى مع أهلى فى البيت ومع حبيبتى وانتهت علاقتنا بسبب سوء تصرفاتى والخلل الذى حدث داخلى».
شاب آخر أكبر قليلًا، عمره ٣٢ سنة، تعاطى الترامادول وغيره من المخدرات منذ سن صغيرة، وتطورت أنواع الحبوب التى يتناولها إلى أن وصل إلى «الليرولين».
يحكى لـ«الدستور»: «أدمنت تعاطى الحبوب منذ ١٢ سنة، كانت البداية مع الترامادول حتى أصبح ناقصًا فى السوق وزاد سعره أضعافًا فى السوق السوداء، مما جعل الشباب يبحث عن الأرخص والأسهل، وتم اكتشاف أدوية مهدئات ومسكنات تعطى نفس تأثير المخدرات من سعادة وراحة بال مثل الليرولين والليريكا والبيريجابالين وزولام». كل هذه الأنواع تأثيرها واحد بحسب الشاب الثلاثينى الذى يوضح: «تصيبك بحالة برود طوال الوقت، وتكون فاقد الوعى وغير مدرك أى مشاكل حولك ولا تهتم بأى شىء محزن، لأنها تجعلك سعيدًا دائمًا».
ويستدرك: «لكن سرعان ما تصيب متعاطيها بأضرار بالغة حين يبتعد عنها لمدة يوم، فتجد نفسك فى حالة اكتئاب شديد، ولا تستطيع التعامل مع أحد ولا ممارسة حياتك اليومية دون تناول الجرعة المُرادة، فتصبح مدمنًا لهذه الأشياء طوال حياتك».
ويؤكد كلام الحالة السابقة فى أن هذه الحبوب «تسحب متعاطيها لتجربة ما هو أقوى فى المفعول مثل الهيروين والإستروكس»، مشيرًا إلى اكتشاف قطرة عين تسمى «بريجاك» مؤخرًا، تؤثر فى الحالة المزاجية مثلها مثل «الليرولين»، وأصبحت سوقها رائجة لسعرها الرخيص وسرعة مفعولها.
ويشرح: «إذا تناولها أحد وشرب معها الحشيش تجعله مغيبًا تمامًا بعد ساعة فقط وغير متزن لا يشعر بأى شىء فى جسمه، لكن فى الغالب يعانى غضبًا داخليًا ومشاعر سيئة تجاه من حوله، تجعله يشعر بالكراهية تجاههم طوال فترة مفعولها».
خلال تجربته الطويلة مع هذه الأنواع من المخدرات، اكتشف الشاب الثلاثينى أن أهم أسباب إدمانه وإدمان أى شخص، أن الإنسان بطبيعته يفضل وجود مشكلة فى حياته حتى إن كانت صغيرة. يقول محلّلًا: «الإنسان لا يستطيع العيش دون مشكلة حتى يثبت لنفسه أن وجوده مهم ومؤثر، فيحتاج أن يهرب من التفكير فى هذه المشاكل من خلال تعاطى المخدرات، وكل شخص يختار طريقة سعادته على حسب نوع المخدر».
شىء آخر تعلمه فى تجربته تلك التى شهدت محاولات عدة للتعافى، وهو أمر بديهى، يقول: «الوقاية والعلاج لا بد أن يكونا متكاملين، فتكون الوقاية من خلال الكلام التشجيعى من الأقارب، وتوفير فرص عمل مناسبة للشباب فى تخصصاتهم حتى يبتعدوا تمامًا عن الهروب من الحياة بالمخدرات».



شاب يحكى تجربة تهريبه إلى السعودية.. وصيدليات: الإقبال كبير عليه.. ونصرفه بـ«روشتة»

استطاعت «الدستور» الوصول إلى أحد مهربى دواء «ليريكا» يدعى «م. ص»، ٢٣ عامًا، والذى حكى كيف كان يهرب الدواء من مصر للشباب فى السعودية، بعد انتشاره الواسع بين الشباب المصرى.
يقول الشاب المصرى: «كنت أقيم فى السعودية طوال حياتى مع أهلى، وفى مرحلة الجامعة عدت إلى مصر للدراسة فى إحدى الجامعات الخاصة، حيث بدأت تجربتى مع حبوب أخرى من خلال أصدقاء أرشدونى إليها، نتيجة شكوتى من النوم المتقلب».
بدأ بتعاطى عدد كبير من الحبوب المنومة، حتى عرف «ليريكا» وأدمنها بشكل كبير، وعندما عاد إلى السعودية فى إجازة الصيف، أخذ معه علبة، وسمح لصديق له بتجربتها فنالت إعجابه وأصدقاء آخرين، ما دفعه ليرسل كل فترة ١٦ شريطًا مع أصدقائه المسافرين إلى السعودية باستمرار، بدعوى أن هذه الأدوية علاج لمريض، موضحًا أنه كان يبيعه هناك بأضعاف ثمنه فى مصر، لكنه فى النهاية أصيب بماء أسفل الجلد نتيجة تناول تلك الأدوية، ما جعله يعانى فترة كبيرة فى العلاج.
ولمعرفة طريقة الوصول إلى العقارين، «ليرولين» و«ليريكا»، أجرينا جولة داخل بعض الصيدليات فى مناطق مختلفة لمعرفة نسب بيعهما، فتبين أن لكل صيدلية طريقتها الخاصة فى بيع هذه الأدوية.
مثلًا، صيدلية «محمد خليل» فى الجيزة أفادت بأن «ليرولين» أصبح غير متواجد فى السوق منذ فترة، لأن الشركات لم تعد تستخرجه، وأنهم فى انتظار دخوله «الجدول»، وأن ما يباع ما هو إلا بضاعة مخزنة من قبل، كاشفة عن أن المعظم يعانى هذا النقص لكون الطلب عليه كبيرًا.
صيدلية «الطرشوبى» بالمحلة الكبرى أوضحت أنها لا تصرف «ليرولين» و«ليريكا» دون «روشتة» طبيب رسمية، إذ يتردد عليها الكثير من الشباب ويطلبون هذه الأدوية تحديدًا. كذلك الحال فى صيدلية «العزبى» بمنطقة الطالبية بفيصل، التى أكد مسئولوها عدم صرف هذه الأدوية دون «روشتة» طبيب أو تأمين بسبب استخدامها من قِبل الشباب مخدرًا بديلًا لـ«الترامادول» و«الأبتريل»، لكونها تسبب ارتخاء فى الأعصاب.
صيدلية «أبوالفضل» بشارع الهرم، أفادت أن هذه المنتجات متواجدة بشكل طبيعى وتباع بنسبة كبيرة للشباب يوميًا تقريبًا.
من جانبه، قال الدكتور محيى عبيد، نقيب الصيادلة، إن «ليرولين» وغيره من الأدوية المشابهة يعد علاجًا للأعصاب فقط، لكن يُساء استخدامها، فينتج عنها أعراض جانبية تؤدى للإدمان، مستدركًا: «المدمن دائمًا يبحث عن أى شىء يتعاطاه حتى إن كان (بروزولين) علاج العين، والذى يوضع فى الوريد للوصول للحالة المزاجية».
وأضاف: الصيدلى له دور فى تداول العلاج، لأنه يرى المشترى إذا كان مريضًا يحتاجه أم يستخدمه كمخدر. من جهتها، أوضحت الدكتورة شيرين ممدوح، إخصائى الطب النفسى بمستشفى الدكتور عمر شاهين للصحة النفسية بالجيزة، أن «ليرولين» و«ليريكا» وغيرهما مصنوعة من مادة «البريجابالين» المختصة بعلاج آلام الأعصاب والصرع خاصة بين مرضى السكر.
وأضافت: «يجب على المريض تناوله بنسبة معينة، وبالمتابعة مع الطبيب المختص لعدم تناول جرعة زائدة»، مشيرة إلى أنه تأكد أنها مادة إدمانية من خلال دراسات وأبحاث بالخارج، لذا أدرجت فى «جدول الممنوعات» بجميع الدول. وحذرت من أن المشكلة الكامنة فى هذه المادة أنها خطر على الكبد وأسرع وسيلة للموت، وغالبًا مريض الكبد لا يشعر بمرضه إلا بعد أن يدمر الكبد نهائيًا. وشرحت الدكتورة شيرين، طرق التخلص من هذه المواد عن طريق الوقاية الجيدة والتأهيل النفسى، وأن يكون المريض قادرًا على التخلص من التفكير فى احتياجه لهذا الدواء قبل أى قرار، وأن يلزم مكانًا معينًا مختصًا بالتعافى من الإدمان لمدة ٦ شهور على الأقل، على أن يكون هذا المكان مرخصًا وبه جميع المعدات اللازمة، وحضور اجتماعات للتأهيل النفسى بعد التعافى، بالإضافة إلى إرادة الشخص نفسه، لأنه من السهل الرجوع للإدمان مرة أخرى إذا لم يُؤهل المدمن كليًّا.