رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث فى باليرمو


لم تنسحب تركيا من مؤتمر «باليرمو»، بل تم طردها، ضمنيًا، برفض مشاركتها في القمة المصغرة للقادة المعنيين بالشأن الليبي، التي أقيمت على هامش المؤتمر. وكانت صفعة مزدوجة لمجنون إسطنبول أن تعلن كل الأطراف، في البيان الختامي، موافقتها على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وبناء مؤسسات أمنية فاعلة، من خلال حوار ترعاه مصر.

في تبريرها لاستضافة المؤتمر، الذي انعقد على مدار يومين، قالت الحكومة الإيطالية إن هدفها «تقديم مساهمة جادة وملموسة لدعم استقرار ليبيا، بمشاركة كل الأطراف الرئيسية». غير أن توجيه الدعوة لتركيا، لم يكن له ما يبرره، و«لا يجب مكافأة أي طرف إقليمي أو دولي تورط في دعم الإرهاب، ومعاملته كما لو كان جزءًا من الحل في ليبيا»، وما بين التنصيص من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة باليرمو المصغرة التي شارك فيها الرئيس التونسي ورؤساء وزراء إيطاليا وروسيا والجزائر ورئيس المجلس الرئاسي الليبي والقائد العام للجيش الوطني الليبي ورئيس المجلس الأوروبي ووزير الخارجية الفرنسي.

مؤتمر «باليرمو» جاء قبل مرور حوالي ٦ أشهر على مؤتمر مماثل استضافته العاصمة الفرنسية باريس. ومعروف أن فرنسا وإيطاليا بينهما قدر من التنافس بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الليبية، وبينهما أيضًا اتهامات متبادلة بمحاولة الانفراد بالحل، مع أن الأهداف مشتركة، أو ينبغي أن تكون كذلك: استقرار ليبيا، القضاء على الإرهاب، ومنع تدفق الهجرة غير الشرعية. أما سبب التنافس أو الصراع، بين الدولتين وبين دول أخرى، فهو محاولة انتزاع نصيب أكبر من «الكعكة» التي تريد الولايات المتحدة أن تنفرد بها، ونقصد مخزون النفط الليبي. وفي وجود مثل هذا الصراع الذي يطيل الأزمة ولا يحلها، تأتي أهمية دور مصر التي ليس لها أي مصالح في ليبيا، أو أهداف غير تحقيق السلام والمصالحة الوطنية وتفعيل الحوار وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية (الرافضة للإرهاب) بشأن البنود الخلافية في «اتفاق الصخيرات».

لا تريد مصر إجمالًا، غير الحفاظ على وحدة التراب الليبي، وتمكين مؤسسات الدولة من القيام بدورها، وتوحيد المؤسسة العسكرية. على أن يتم ذلك كله عبر حوار ليبي - ليبي، دون أي ضغوط خارجية. وانطلاقًا من تلك الثوابت، استضافت مصر، في ٥ أكتوبر الماضي، مبادرة «ليبيا دائمًا وأولًا» حاول فيها ليبيون من مختلف الأطياف والفئات تقديم مشروع سياسي ينهي حالة الفوضى والانقسام، ويسعى إلى توحيد مؤسسات الدولة، وحماية موارد الوطن من الهدر والاستنزاف. وانطلاقًا من تلك الثوابت، أيضًا، دعمت مصر (ولا تزال) مهمة المبعوث الأممي الحالي، كما دعمت مهمات المبعوثين الأممين الخمسة السابقين. كما لم تتوقف عن دعم الجيش الوطني الليبي، والدفع في اتجاه إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، لأن عدم وجود سلطة مركزية وجيش وطني، لا يفيد إلا الميليشيات أو الجماعات الإرهابية.

أيضًا، استضافت القاهرة، إلى الآن، سبعة اجتماعات، وتمكنت من التوصل إلى تفاهمات حول أغلب النقاط المتعلقة بتنظيم القوات المسلحة الليبية ومهامها ودورها. ونتوقع أن يتم التوصل قريبًا إلى اتفاق نهائي على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، خاصة بعد اجتماع «النصف ساعة» الذي اقتصر على الرئيس عبدالفتاح السيسي، وجوزيبي كونتي، رئيس الوزراء الإيطالي، وفايز السرّاج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، والمشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي، وغسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا.

توحيد المؤسسة العسكرية سيكون تحت قيادة خليفة حفتر، الذي أعلن بوضوح، في باليرمو، رفضه انضمام عناصر الميليشيات المسلحة: «لا يعقل أن نسمح للميليشيات بالانضمام إلى الجيش. هذا لا يصح وغير معقول». ولا أعتقد أن عاقلًا قد يختلف على ذلك، بعد أن ثبت بشكل قاطع أن تلك الميليشيات، تدعمها دول، تكاد تكون معروفة بالاسم. كما هو معروف أن لتلك الجماعات والتنظيمات وداعميها مصالح ومكاسب تتمسك بها، وستظل تدافع عنها. هذا بالطبع غير وجود شواهد كثيرة على أن الولايات المتحدة دعمت برامج «سرية» لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التي تحكم قطر بالوكالة. واستكمالًا للعب القذر، وجدنا نائب الرئيس التركي يهدد بحتمية حدوث ما وصفها بـ«نتائج عكسية» لأي اجتماع يستثني تركيا، ردًا على استبعاده من القمة المصغرة، أو طرده الضمني من المؤتمر كله.

التهديد، كما ترى، واضح وصريح. وعليه، نكرر ما طرحناه مرارًا، بكسر الميم وفتحها، بأن كل الجهود ستظل بلا جدوى، وأي كلام سيكون فارغًا، ما لم يتم وضع آليات لمعاقبة الدول الراعية للإرهاب، والتي صار دورها مكشوفًا، بل إنها لم تعد تلعب إلا على المكشوف.