رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحم الله الإخوان


بعد أن تم عزل مرسى بإرادة الشعب المصرى أخذت جماعة الإخوان ترتكب الكثير من الحماقات، ثم تطورت الحماقات فأصبحت جرائم يندى لها جبين أى وطنى يعرف قيمة الانتماء، وما بين جرائم القتل والذبح وما أدناها، وجرائم الخيانة

العظمى للوطن، انغمست تلك الجماعة الخائنة الحمقاء، ولكن الأغرب الذى رأيناه فى الأيام الماضية هو استنجاد الإخوان الصريح بأمريكا، حتى إن أحد الحمقى منهم وقف منذ أيام قليلة على منصة رابعة العدوية قائلا وهو يهتف فى فرحة هستيرية : أبشروا أيها الإخوان، وصلت إلينا الآن الأنباء بأن بوارج أمريكية تقترب من السواحل المصرية لتجبر الجيش الخائن على إعادة رئيسنا مرسى إلى موقعه كرئيس للبلاد، وهنا صاحت جماهير الإخوان «الله أكبر، الله أكبر».

لو كانوا يعتقدون فعلاً بأن «الله أكبر» ما استعدوا الغرب على مصر، ولكنهم لجأوا لكبيرتهم التى قادتهم للخيانة، لجأوا لأمريكا التى كانوا منذ زمن قصير يحرقون أعلامها ويقاطعون بضائعها ويصفونها بأمريكا الصليبية التى تحارب الإسلام ولا تقبل أن يصل الإخوان للحكم، ولكن الحكم يكشف الرجال، ويذل أعناق بعضهم، ويدفع بعضهم للخيانة، ويقود بعضهم للكفر، هو الحكم الذى قضى على مصداقيتهم وأساء لدينهم، وكان السقوط الأكبر عندما طالبت أمريكا بالإفراج عن محمد مرسى! مرسى الذى ارتكب جرائم فى حق الشعب المصرى ويواجه اتهامات عديدة تريد أمريكا أن يخرج سالمًا لا يخضع لمحاكمة، لم تطالب أمريكا من قبل أن يتم الإفراج عن مبارك! ولكن قلبها تفتت حزنًا على المجرم محمد مرسى.

وللتاريخ فإن أمريكا لم تطالب من قبل بالإفراج عن أحد باسمه إلا ثلاثة فقط، هم الجاسوس عزام عزام، والجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، ومحمد مرسى! ومن الخبل الذى أصيب به بعض من كنت أظن أن فى رأسهم عقلاً وفى صدرهم قلبًا، وفى كيانهم مشاعر وطنية، ذلك المنطق الذى يغالطون به الدنيا حينما يقولون إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، يريدون بذلك أن يعطوا لأمريكا مبررًا لفرض عقوبات على مصر، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم انقلاب عسكرى بإعلان موعده مسبقًا، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم الانقلاب العسكرى بإعطاء الرئيس مهلة أسبوعًا لكى يستجيب لإرادة الشعب ثم مهلة ثمانية وأربعين ساعة، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم انقلاب عسكرى عن طريق خروج الملايين من الشعب، ليس ملايين فقط، ولكن عشرات الملايين، كلها تطالب بعزل الرئيس الفاشل وإنهاء حكم جماعته، بل إن هذه أول مرة فى التاريخ يقوم الانقلاب العسكرى فيها بالاستجابة لمطالب الشعب وإسناد الحكم لرئيس المحكمة الدستورية، ولا يعطى الانقلابيون العسكريون لأنفسهم أى موقع فى الحكم! وهذه أول مرة فى التاريخ يحدد الانقلاب العسكرى موعدًا لإجراء انتخابات رئاسية، وانتخابات برلمان! ومع ذلك فإن الترهات والتخاريف خرجت من أصحاب العقائد الفاسدة لتحويل مصر إلى مقر لفتنة كبيرة، حيث تستدعى هذه الفتنة أمريكا للتدخل فى مصر، وليحكم مرسى من فوق دبابة أمريكية رغمًا عن إرادة الشعب المصرى.

وحينما كنت أكتب فيما مضى عن علاقة الإخوان بالأمريكان كان البعض يظن أننى أبالغ، أو ألقى بالاتهامات دون قرائن، فوضعت فى أحد كتبى وثيقة تعود إلى عام 2005 عن مفاوضات بين الأمريكان والإخوان، فقال السذج من أصحاب النوايا الطيبة، هذا قذف فى حق الإخوان إذ كيف يتفاوض من يحمل شعار الإسلام مع من يحمل راية الصليب؟! والآن ظهرت العمالة واضحة بحيث إذا أنكرها السذج فيجب أن يتهموا عقولهم، ولكى أصحح مفاهيم هؤلاء السذج فإننى سأذكرهم بعلاقة الإخوان بالأمريكان، تلك العلاقة الآثمة التى تريد أن تحول مصر وجيشها إلى بقايا.

كانت علاقة الإخوان بالأمريكان فى السبعينيات مثل السمن على العسل، ولم تكن هذه الحميمية تقلق السادات أو تقلقل خاطره، فقد كانت تتم بعلمه وتحت رعايته، شهد شارع سوق التوفيقية مقر الإخوان وقتها السيناتور الأمريكى الشهير جورج ميشيل وهو يترجل متوجهًا بصحبة نخبة من السفارة الأمريكية لزيارة الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله، كان الحوار وقتها يتناول الواقع السياسى الدولى والحرب الباردة بين الأمريكان والروس ورغبة الأمريكان فى مساعدة الإخوان لهم لمكافحة المد الشيوعى، يعرف الأمريكان كيف يضعون «اللقمة» فوق مائدة الجعان الذى يحلم برغيف الخبز الكامل، ولا يعرف الإخوان أن الأمريكان يصنعون للجوعى فى بلادنا أرغفة خبز بلاستيك لا تسمن ولا تغنى من جوع.

وفى عهد أكثر حداثة وفى ظل الرئيس السابق مبارك، والد المصريين كلهم ووالد الإخوان على حد قول الحاج بديع مرشد الجماعة، خرج علينا الإخوانى محسن راضى «رضى الإخوان عنه وأرضوه» من نافذة الجماعة لكى يضع لنا ملامح حوار الإخوان مع الأمريكان، فيقول والكلمات تتقاطر من فمه كما تتقاطر عربات قطار النقل: هم أى إخواننا الأمريكان يريدون معرفة موقفنا من المرأة ووضع الأقليات وتداول السلطة والديمقراطية، والموقف بالنسبة للعلاقة مع حماس وإيران واتفاقية كامب ديفيد وكل هذه الأمور التى سبق وأن أعلن الإخوان رأيهم فيها أى أن اللقاءات والحوارات تحصيل حاصل، ثم يستطرد الأخ راضى وهو يزين للأمريكان أطايب الطعام الشهى الذى طبخه الإخوان فيقول: لم يمنع الوضع المزرى للأقلية فى البحرين الولايات المتحدة من جعل أرض هذه الدولة مقراً لأسطولها الخامس!!!! يا صلاة النبى أحسن، أهلا وسهلا بالأمريكان وإن تغاضوا عن حقوق الأقليات طالما أنه وأننا وأنهم بكل أنَّات اللغة العربية فى الإمكان أن نجعل من بلادنا محلاً مختارًا لأسطولهم.

وفى ذات الوقت انطلق لسان الإخوان يلعن أمريكا، ولكن لأن اللسان غير الأنف ووظيفتهما تختلف فإنه لا تثريب على أنوف الإخوان إن أدمنت شم التبغ الأمريكى، فقد ذهبت أنوفهم تعدو صوب دخان السيجار الأمريكى الفاخر الذى يتصاعد من السفارة الأمريكية وهى غير مدركة أن كل دخان سيتبدد ذات يوم، ولكن الأخ محمد عبد القدوس عرف طريق السفارة الأمريكية، يذهب إليها فى الأعياد القومية الأمريكية مهنئًا ومصليًا «حتى لا يطير الدخان» وكان يصطحب معه الأخ عصام العريان الذى أخذ يرسل رسائل الطمأنة للحكومة الأمريكية وللحكومة الإسرائيلية قائلا فى كلمات ألقاها فى السفارة الأمريكية وفى حوار له مع جريدة الشرق الأوسط منذ خمس سنوات تقريبًا العديد من التصريحات منها: «على الحكومة الإسرائيلية أن تطمئن فسنحافظ على كامب ديفيد»، ولأن رسائل الإخوان كانت وردية فقد تعودت السفارة الأمريكية على أن تدعو أعضاء جماعة الإخوان إلى ولائم السفارة من باب «اطعم الفم تستحى العين» ومع الفم الإخوانى الذى يلوك الطعام الأمريكى، كان اللسان الإخوانى المجاهد يصرخ فى المظاهرات والتصريحات البطولية: لعن الله أمريكا وإسرائيل، احرقوا أعلام أمريكا إنهم قوم لا يتطهرون.

بعد الثورة وقبل أن يصبح «الحكم قبل الدين أحيانا» لم يعد هناك أى مبرر إخوانى لإثارة مظاهرات ضد أمريكا الصهيونية، فقد كان هذا الكلام أيام الجهاد الرخيص، أما الآن فنحن أمام الجهاد الأكبر، جهاد السعى نحو أريكة الحكم، وبالتالى لم يعد هناك ما يستحق الإخفاء، أو الخفاء، أو التنديد والتهديد.

ويأتى وليم بيرنز «الأمر صهيونى» مساعد هيلارى كلينتون ويجلس مع قيادات الإخوان فى جلسة سرية حيث لم يتح لأحد أن يعرف ما الذى دار فيها، اللهم إلا من الخارجية الأمريكية التى أصدرت بيانًا قالت فيه: حصلت على تطمينات من الإخوان فى حال وصولهم للحكم.

وجاءت لحظات التمكين، وهى لحظات لو تعلمون مقدسة، ولحظات التمكين يسبقها فى العرف الإنسانى حالة غرور إنسانى، والغرور يعمى البصر ويطمس على البصائر، بدأت الاتصالات والاتفاقات، والوعود والتعهدات، ثم أخذ الفصل الثانى من حلقة الضغوط يعلن عن نفسه، فأمريكا التى قتلت وأبادت وارتكبت أكبر وأفظع جرائم إبادة فى تاريخ البشرية، أمريكا التى لا تبحث إلا على حرية إسرائيل، وديمقراطية نفسها، إذا بها تصبح راعية للديمقراطية والحرية فى مصر، وتريد أن يعود الرئيس وتعود الشرعية، وليس لى إلا أن أقول « إذا لم تستح فافعل ماشئت».. رحم الله الإخوان فالميت لا تجوز عليه إلا الرحمة