رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا حدث فى ليلة غزة الدامية: عملية اغتيال.. أم مهمة استخباراتية فاشلة؟

جريدة الدستور



تباينت الروايات بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى بشأن تفاصيل الاشتباكات التى شهدها قطاع غزة، مساء الأحد، وأسفرت عن استشهاد ٧ فلسطينيين، ومقتل ضابط إسرائيلى وإصابة جندى، إذ تحدثت وسائل الإعلام العبرية عن أن قوة خاصة من الجيش الإسرائيلى توغلت فى القطاع بهدف جمع معلومات استخباراتية، ولكن العملية سارت بشكل خاطئ وتطورت الأمور عندما اشتبكت مع قوة من كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس.
أما الجانب الفلسطينى، فتحدث أولًا عن أن الحادث هو عملية مُخططة، وأن الغرض منها اغتيال أحد قادة حركة حماس، نور الدين بركة، أو خطفه على أقل تقدير، ثم تم تعديل الخطاب الفلسطينى، بأنها كانت عملية أمنية كبيرة، وأن كتائب القسام أفشلتها.
من جانبها، أكدت وسائل الإعلام العالمية أنها عملية «اغتيال» إسرائيلية مدبرة ومُخطط لها مسبقًا تجاه «قادة حماس».
ووقعت الاشتباكات فى حوالى الساعة العاشرة مساء أمس الأول الأحد، ووصف الطرفان الأمر بأنه «حادث أمنى»، بعد أن توغلت مركبة مدنية تقل قوة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلى إلى عمق ٣ كيلومترات شرقى خان يونس، ويبدو أن المركبة أثارت ريبة قوات كتائب القسام التى بدأت فى مطاردتها، ما أسفر عن تبادل لإطلاق النار.
وعقب الحادث أعلن الجانب الفلسطينى عن مقتل ٧ فلسطينيين بينهم قياديان فى كتائب «القسام»، هما: نورالدين محمد سلامة بركة، البالغ من العمر ٣٧ عامًا، ومحمد ماجد موسى القرا، البالغ من العمر ٢٣ عامًا، فيما قتل ضابط إسرائيلى من القوات الخاصة، وأصيب آخر بجروح متوسطة، ورفضت تل أبيب الإعلان عن أى معلومات عنهما.
وأثناء المطادرات شن الطيران الإٍسرائيلى هجومًا جويًا للتغطية على عملية الانسحاب، وإنقاذ القوة الإسرائيلية، من خلال إلهاء قوات حماس بالهجوم الجوى.
وتلت هذا جولتان من تبادل إطلاق النار، وطلبت سلطات الاحتلال من سكان جنوب إسرائيل البقاء قريبًا من الملاجئ، فيما أعلن الجيش المنطقة المحيطة فى غزة «منطقة عسكرية مغلقة»، وألغى رحلات القطارات جنوب أشكلون.
وقالت مصادر فى حماس إن مسئولين أمنيين مصريين أجروا اتصالًا مع قيادة الحركة وقيادة حركة الجهاد، من جهة، ومع السلطات الإسرائيلية من جهة أخرى، لمنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية أكبر.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا هنا، هو: هل كان الحادث عملية اغتيال مدبرة، أم عملية استخباراتية فشلت فى تحقيق أهدافها؟
إن نظرة عامة سريعة على روايتى الجانبين تشير إلى وجود تناقض ظاهر، فمن جهة، حاربت إسرائيل خلال الأشهر الماضية لوقف جولة عسكرية جديدة فى غزة، بل سعت للتفاوض مع حماس فى محاولة للتهدئة بعد أحداث مسيرات العودة، فيما تعلم إسرائيل جيدًا أن مقتل قيادى فى كتائب القسام هو مبرر لجولة عسكرية جديدة.
ولكن من جهة أخرى، يبدو أن «نور بركة» كان ضمن قائمة الاغتيالات، التى ألمح إليها قادة إسرائيل، منذ أشهر، عندما قالوا فى تصريحات إن كل من يعمل ويخطط للأنفاق هو فى مرمى النيران، وكما ورد فى الأنباء، فإن «نور بركة» هو أحد قادة حماس المسئولين عن برنامج الأنفاق، وأنه كان قائدًا لكتيبة إقليمية عسكرية فى خان يونس.
ويبدو أن الحديث عن أن القوة الإسرائيلية التى توغلت فى خان يونس، ومكثت بالقرب من منزل «بركة» فى انتظار خروجه، رواية يصعب تصديقها، إذا كان الهدف المعلن هو جمع المعلومات الاستخباراتية، لكن من المرجح أن الهدف الأولى هو خطفه على أقل تقدير، وإن كانت السياسة الإسرائيلية تجاه قادة حماس الذين تعتبرهم خطرًا عليها هى التخلص منهم وليس خطفهم والتفاوض بشأنهم، وهو ما أثبتته إسرائيل من خلال حوادث اغتيال سابقة.
أما الرواية الفلسطينية، فيبدو أنها تريد تصوير الحادث على أنه عملية أمنية كبيرة، نجحت قواتها فى التصدى لها، وهى تهدف من هذا إلى التغطية على خسارتها لـ«بركة» أحد قادتها الميدانيين، واستغلال الحادث للتسويق السياسى لها من جهة، ومن جهة أخرى، حتى لا يطالبها أتباعها بالثأر لاغتيال «بركة» وهو الأمر الذى سيكلف الحركة التورط فى مواجهة عسكرية موسعة مع إسرائيل، وهو ما لا تطيقه الحركة الآن، فى ظل ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة يشهدها القطاع المحاصر.
فى شأن متصل، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، زيارته إلى فرنسا، وكان قد كتب على «تويتر»: «على خلفية الأحداث الأمنية التى وقعت فى جنوب البلاد قررت اختصار زيارتى إلى باريس والعودة إلى إسرائيل هذه الليلة».