رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وزير التعليم لا يملك عصا موسى


«مثلما حافظ الجيل السابق على مصرنا الغالية، فعليكم أن تحافظوا عليها، وكل المطلوب هو الفهم الصحيح لحقيقة الأمور والتحلى بالصبر، وأن نستمر فى أن نبنى ونعمر مهما كانت الصعوبات، وعلينا أن نقرأ ونتعلم كثيرًا ما تعنيه كلمة «دولة»، بمطالبها وتحدياتها، ولا نختزل الأمر فى مجرد مطالب شخصية، حتى لا يتعرض البلد لأى انهيار، بفعل شائعات كاذبة وتحليلات زائفة وفوضى فى التقديرات».
هذا بعض ما جاء بكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأخيرة، خلال الندوة التثقيفية الـ٢٩، التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، مع ما تضمنته الكلمة من دعوة الرئيس لضرورة اتجاه الشعب المصرى للعمل، مع التحلى بفضيلة الصبر على النتائج، لأن كثيرًا مما تستهدفه خطة التنمية فى مصر، يحتاج الدأب والوقت حتى ننعم بالثمار المرجوة، خاصة إذا تعلق الأمر بمجالات ترهلت على مدى سنوات طويلة، وتركت آثارًا «كَلَسية»، تحتاج جهدًا لمحوها وإظهار الطبقة اللامعة من تحتها، وأخص فى ذلك «التعليم فى مصر».
فكما هو معروف، أن كل فترة زمنية تنعم بظلال ما تم غرسه فى أزمان سابقة عليها، وقد جاء التعليم فى مصر، فترة النصف الثانى من الخمسينيات والستينيات، وبعض من سبعينيات القرن الماضى، مدفوعًا بقوة القصور الذاتى، الذى اكتسبه من عهود سبقت الفترة المشار إليها، فتربت أجيال كثيرة على أيدى معلمين، أساتذة عظام، فى ظل نظام تعليمى أفرز عقولًا، أسهمت فى نهضة مصر ما بعد يوليو ١٩٥٢، وملأت الدنيا ضجيجًا، بعباقرة منهم، كانوا سفراء لبلدهم حول العالم، حتى فقدت عربة التعليم قوة قصورها الذاتى، وتوقف دورانها، مع أن العلم نور يضىء طريق الأمم نحو التقدم والرقى، ولم تصل الدول المتقدمة فى العالم كله إلى ما وصلت إليه إلا عن طريق الاهتمام بالتعليم، وتوفير كافة الإمكانيات اللازمة له.. ولأننا فى مصر أهملنا التعليم طوال الثلاثين عامًا الماضية، واكتفينا بترديد عبارة «التعليم كالماء والهواء» دون العمل على تفعيلها حقًا، حتى أصبح لدينا تعليم هش، غير قادر على بناء مجتمع، فتطورت كل الأمم من حولنا، وبقيت مصر فى محلها، وكانت هناك دول عديدة وقفت معنا فى نفس هذه المكانة، إلا أنها استطاعت أن تعبر هذه المرحلة، وتتقدم بفضل الاهتمام بالتعليم، بينما وصلنا نحن إلى ما نحن عليه الآن.
وكان توقنا الدائم لمن يرفع راية «التعليم أولًا»، بمنظومة تعيد الروح إلى هذا الجسد الهامد، الذى خرجت منه أجيال، هى إلى الجهل أقرب.. فلما أعلنها وحمل مسئوليتها الرئيس السيسى، وجاء بمن وضع خطة النهوض بالتعليم، على علم ودراية، ظن الناس أن النتائج ستكون بمقدار إذابة بعض من السكر فى كوب ماء، متناسين أن التعليم مهارات عقلية، وسلوك اجتماعى، يحتاج تغييره زمنًا، قد يعادل زمن انهياره.. وانظروا إلى التجربة الماليزية فى التعليم، وكانت ماليزيا تمر بظروف مشابهة بما تمر به مصر، إلا أنها نجحت بفضل تجربتها الرائدة فى الاهتمام بالتعليم أن تتقدم وتصبح واحدة من الدول المتقدمة، ففى بداية الألفية الجديدة بدأ اسم ماليزيا يلمع كالذهب، وبدأ العالم كله يتحدث عن المارد الآسيوى الذى أصبح واحدًا من أقوى النمور الاقتصادية التى يشار إليها بالبنان، وكان السر وراء كل هذا هو التعليم، فالدولة، أى دولة، لن تنمو اقتصاديًا دون تعليم جيد، وهذه كانت الحقيقة التى وعاها جيدًا مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزى، وبدأ بها بناء دولته التى يباهى بها الأمم الآن.
ومثلما يحب الرئيس السيسى مصر، ويرجو أن يضعها حيث تستحق من مكانة، كان رئيس الوزراء الماليزى يحب بلاده فعلًا، وكانت له رؤية حقيقية لتطويرها ونهضتها، والتعليم من أهم وسائله لتحقيق هذه الرؤية.. فحينما تولى مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا عام ١٩٨١ وجدها دولة فقيرة، يعيش أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر، فقرر إحداث نقلة فى بلاده، اعتمدت على ثلاث ركائز أساسية هى: وحدة البلاد، الاهتمام بالتعليم، والتصنيع.. وبالرغم من أن مدة تنفيذ خطته لتغيير منظومة التعليم، التى استعان بخبراء من العالم على وضعها، كان بينهم اثنان من مصر، هما الراحل د. أحمد زويل، والعالم الرائع د. فاروق الباز، كانت ثمانى سنوات، إلا أنها امتدت لنحو اثنى عشر عامًا، خرجت بعدها ماليزيا كيانًا قويًا وعملاقًا مؤثرًا فى اقتصادات العالم.. وما أشبه اليوم بالبارحة، لكن الفرق بيننا وبين ماليزيا أنهم عملوا من أجل إنجاح تجربتهم، وصبروا على نتائجها، أما نحن، فإننا بدأنا محاربة التجربة المصرية فى مهدها، وبدأنا فى محاسبة المسئولين عنها، مع أنهم لم يخطوا بعد الخطوة الأولى فى مسيرتها!.
الأمر الذى لا يمكن نكرانه أن الذين يريدون للعجلة أن تعود إلى الوراء كثيرون، منهم من ستكون المنظومة الجديدة للتعليم فى مصر، فى غير صالحهم، ومنهم من يعتبرها خطوة مصرية تشد البلاد إلى الأمام، وهم لا يريدون ذلك للبلد، ومنهم أصحاب المصالح الشخصية، والذين يريدون لفت الانتباه إلى شخوصهم، وعلينا ألا ننكر تلك الآراء الوضاءة التى يدلو بها البعض، وتصب فى خانة النصيحة الطيبة لأولى الأمر، كما جاء من د. جابر نصار، فى حواره مع د. محمد الباز، على قناة المحور، فمثل هذا الرجل نرفع له القبعة، أما أولئك المغرضون، الذين كتب أحدهم يقول: «طارق شوقى، بعيدًا عن أنه «بتاع كلام»، ومشروعه حتى الآن سراب، والمتحدث الرسمى لوزارته، أستاذ كبير فى «فن الهمبكة».. يبقى السؤال: هل نصب علينا الوزير؟.. هل باع لنا التروماى؟.. هل تتصورون أنه يمكن، فى القرن الحادى والعشرين، أن يسوّق لنا العتبة الخضراء مجددًا؟.. مشروعه التعليمى لم يقدم جديدًا.. الكثافة فى المدارس فوق مستوى الاحتمال، الدروس الخصوصية لم يقترب منها أحد، لدينا خمسة أنواع تعليم، وليس تعليما قوميا موحدا، نحتاج إلى بناء ٢٢ ألف مدرسة جديدة، أو ضعف عدد المدارس الحالية، وفقًا لبعض الدراسات.. ماذا فعل الوزير أمام كل هذا؟.. هل أنهى مشكلة واحدة منها؟.. الإجابة الأكيدة لا». وهنا لا بد أن ألفت الانتباه إلى أن الاقتباس السابق من كلمة الصحفى الذى كتب نصه على فيسبوك، تم تدخلى فيه جاء لتصحيح أخطائه اللغوية وتصويب صياغته، واختصار بعض التطاول فيه، بما ينم فى النهاية عن تصفية حسابات مع زميل له، وهو المتحدث الرسمى للوزارة، فحمّل تجربة إصلاح التعليم، وهى فى مهدها، كل آثام السنين، وطلب من الوزير المحترم أن يحمل عصا موسى، يشق بها بحر الظلمات الذى عاشه التعليم فى مصر عبر سنوات طوال.
يا سادة.. نحتاج الوقت للعمل على نجاح التجربة، وأن يتنازل كل فرد عن أنانيته ومصالحه الضيقة، وأن نتحلى بالصبر، حتى تؤتى ثمرة التعليم فى مصر أُكلها.. فهل نفعل؟.. عسى!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.