رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منوفية يا دولة.. يوميات اللواء سعيد عباس فى «محافظة الرؤساء»

جريدة الدستور

بعد ٤٥ سنة خدمة فى القوات المسلحة المصرية، أُسندت إليه مهمة جديدة، «مدنية» هذه المرة، إذ اُختير محافظًا للمنوفية يوم ٣٠ أغسطس الماضى، لكن المهمة لا تبدو صعبة على رجل تربى فى المؤسسة العسكرية. إنه اللواء أركان حرب سعيد عباس، محافظ المنوفية الجديد، الذى كسب حب الناس فى أقل من شهرين لأنه اعتبر نفسه واحدًا منهم، ومن ثم فهو يستقبل كل يوم المئات فى مكتبه بمبنى المحافظة. ربما يكون الأبرز والأكثر انتشارًا على المستوى الإعلامى بين أقرانه فى حركة المحافظين الأخيرة، وليس ذلك برغبة منه بل إن تحركاته الكثيفة وصوره الإنسانية مع عدد من المواطنين دفعت الجميع للاهتمام بهذا الرجل. فى السطور التالية، ترصد «الدستور» تفاصيل يوم عمل محافظ المنوفية الجديد، وكيف فرضت تربيته العسكرية النظام فى المحافظة؟ مع حفاظه على إنسانيته فى التعامل مع الأهالى.

ابن الوراق يتيم الأب.. يعمل من 6 صباحًا لـ12 ليلًا.. ولا يتعامل مع «السوشيال ميديا»

اللواء سعيد عباس ابن محافظة الجيزة، وتحديدًا منطقة الوراق، كان رضيعًا عندما توفى والده، فنشأ فى كنف والدته التى يتحدث عنها بكثير من الإجلال والامتنان.
يقول، لـ«الدستور»، عن السيدة العظيمة صاحبة الدور الأبرز فى حياته: «كان عليها تربيتى أنا وأشقائى الصغار، ونجحت فى أن توصلنا إلى بر الأمان، ويصبح كل منا مواطنًا صالحًا متميزًا فى عمله وحياته الخاصة. ورثنا عنها الجلد والصبر والتحدى، وكلما مررت بموقف صعب أتذكر والدتى وهى متماسكة رغم أى ظرف».
اللواء «عباس» هادئ وبشوش وصدره رحب يسع كل الناس واجتماعى جدًا، يميل إلى دراسة الأمور بتمعن. كما أنه بطبيعته رجل عسكرى يحب الالتزام والانضباط فى المواعيد، لذلك يبدو مفهومًا منعه التدخين فى الطرقات حفاظًا على المظهر العام لمبنى المحافظة، ومنع الصلاة فى الممرات على «الحصائر» وتخصيص مكان لذلك، ومنع دخول أى أحد من الباب الرئيسى سوى المحافظ، وتخصيص الباب الفرعى لدخول الموظفين والأهالى.
قبل توليه منصب المحافظ، تقلد «عباس» عددًا من المناصب داخل القوات المسلحة، فكان مساعد قائد المنطقة المركزية العسكرية، قبل أن يتولى رئاسة أركانها.
وفى ٢٠١٣ شغل منصب قائد المنطقة الشمالية العسكرية، وأصبح عضوًا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ٢٠١٤، كما عُين مديرًا لسلاح المشاة، وبعدها بسنتين شغل منصب مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلحة. يبدأ المحافظ يومه من الساعة الرابعة والنصف صباحًا، يروى: «فى البداية أتريض لأستعد للنزول إلى الشارع فى تمام السادسة، لأتفقد أحوال المواطنين قبل ذهابى إلى مبنى المحافظة وهناك أعمل حتى الثانية عشرة ليلًا». ومنذ حلف اليمين كرَّس «عباس» حياته للعمل داخل المحافظة دون كلل أو ملل، يقول: «لم أسترح، حتى إننا ننزل فى يوم الجمعة، وأحد أحفادى فى المستشفى منذ ١٠ أيام ولم أزره إلى الآن».
ليس لدى «عباس» حساب على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، ولا أى من مواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، لأنه لا يجيد استخدامها، لكن مساعديه يأتون له بكل شىء يخصه هو والمحافظة من على «السوشيال ميديا».
وإنسانيًا، يبدو المحافظ متفهمًا لضعف البعض ومحاولاتهم الحصول على تبرعات أو غيرها، وكان هنا يتحدث عن «الغلابة» الموجودين أمام باب المحافظة قائلًا: إنه من الصعب أن يستيقظ إنسان ولا يجد ثمن علاجه أو طعامًا له أو لأولاده، مضيفًا: «أنا بعمل الخير ونيتى لله وماليش دعوة بنية اللى قدامى إيه».

يجلس مع المواطنين على سلالم الأرض.. ويستقبل 700 مشكلة يوميًا

اللحظة الأولى لدخول اللواء سعيد عباس إلى مبنى محافظة المنوفية، ما زالت محفورة فى ذاكرته إلى الآن، إذ إنه بعد أدائه اليمين أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، توجّه إلى المحافظة لمباشرة مهام عمله الجديد، فوجد عددًا كبيرًا من المواطنين على سلالم المبنى وفوجئ بهم يستوقفونه ويتحدثون معه عن مشكلاتهم، فلم يتردد لحظة عن الاستماع إليهم وجلس وسطهم على السلالم.
بعد صعوده إلى مكتبه فى يومه الأول، تم إبلاغه بأن مواطنًا مسنًا ينتظره فى الخارج فتوجه إليه فورًا وعندما وجده لا يستطيع الحركة أو الكلام جلس بجواره على الأرض ليستمع له وأعطاه شوكولاتة. رواد مواقع التواصل الاجتماعى تداولوا مقطع الفيديو الذى يجمع المحافظ والمواطن المسن، واتهموه بأنه «عاشق الشو»، يعلق على هذا الموقف: «أنا مبحبش الشو، بس الناس هى اللى مش بيعجبها حاجة، لو مصورتش الإنجازات ووريت الناس إن إحنا بنشتغل فى نشاط وهمة هيقولوا فين المحافظ؟.. ولو صورنا بيقولوا شو».
يتابع: «أنا بعمل كده عشان ربنا مش عشان حاجة، وربنا يعلم بنية كل واحد.. وأحيانًا كتير بتفاجئ إن الناس بتصور دون ترتيب، والطبيعى يكون فى أعداء للنجاح، واللى هيلتفت لكلام الناس هيفشل، أهم حاجة رضا ربنا». فى المحافظة يستقبل «عباس» من ٦٠٠ إلى ٧٠٠ مشكلة على مكتبه يوميًا، ويحاول قدر المستطاع حل عدد كبير منها، إيمانًا منه بأن «تراكم المشكلات يولِّد كوارث أكبر».
يستعين المحافظ فى عمله بمستشارين ومساعدين من الشباب، يكلفهم بمتابعة هذه المشكلات، ويسند إليهم ملفات المحافظة كل منهم فى تخصصه، وهؤلاء ملمون بالتطورات التكنولوجية ويأتون إليه بكل كبيرة وصغيرة، حتى التعليقات السلبية عنه. يقول: «أحبذ عرض السلبيات على مكتبى ولا ألتفت للشكر، فطبيعة العمل العام تتمثل فى حل السلبيات والإبقاء على الإيجابيات وتطويرها»، مشيرًا إلى أنه لا يتبع «نظرية التسكين» فالاعتراف بوجود المشكلة جزء من حلها.
ويضيف: «أفتح مكتبى لكل مواطن فى المحافظة، لأن هذا حقه وجزء من مهام الحكومة فى المشاركة المجتمعية، وأنا أؤمن بذلك وأطبقه، وفى بعض الأحيان أفاجأ بأن عددًا قليلًا جدًا من المواطنين يستغل هذا للحصول على ميزات ليست من حقهم، ولكن نظرًا لخبرة العاملين بالمحافظة ولإخلاص نيتى لله يتم كشف هذه الحالات». وعن أصعب مشكلة واجهته حتى الآن يحكى: «كان هناك رجل مسن يجلس فى منزل على وشك السقوط، وجاءت إلىّ بناته وأبلغننى بأن هناك قرار ترميم معطلًا من الحى، فوعدتهن بزيارتهن، وبالفعل ذهبت إلى المنزل ليلًا، وعندما تحققت من الأمر بنفسى أصدرت قرارًا بترميم المنزل فى وقته». وللواء سعيد عباس طريقة خاصة فى العمل فهو عندما يذهب إلى أى مؤسسة بشكل مفاجئ، ويجد أحدًا مقصرًا لا يتخذ إجراءً فى وقتها ولكنه يمنحه فرصة واحدة وفى المرة الثانية يتخذ قرارًا.

يعمل بـ«رؤية مصر 2030».. يهتم بذوى الاحتياجات الخاصة.. وأصدر حركة محليات لمواجهة الفساد

تحديات عديدة واجهها اللواء سعيد عباس منذ اليوم الأول محافظًا للمنوفية، لا سيما أنه جاء بعد واقعة الفساد الشهيرة التى اتُهم فيها سلفه منذ عدة أشهر، لذلك فإنه يعمل بحماس وطموح، ليضع المنوفية على طريق التطوير والتغيير، وتحويلها إلى محافظة متميزة وفعالة، استنادًا إلى رؤية مصر ٢٠٣٠، لكنه يؤمن بأن هذا لن يتحقق إلا إذا تعاون المواطن مع المسئول لحل المشكلات التى تواجهها المحافظة.
وفى هذه المساحة عقد المؤتمر الأول للمجلس الإقليمى للصحة، لمناقشة مشكلة القطاع الصحى فى المحافظة بأكملها. ولم ينس المحافظ الجديد حق ذوى الاحتياجات الخاصة عليه، فخصص وقتًا من يومه ليستمع لمشاكلهم ومحاولة حلها.
كان «عباس» سريعًا فى التعامل مع مشكلات المحافظة، فبعد توليه المنصب، شهدت مدينة بركة السبع أزمة بسبب إغلاق طريقها الرئيسى بعد انفجار ماسورة مياه الشرب الرئيسية، فوجّه فرق الإنقاذ بسرعة لحل الأزمة.
كما أصدر القرار رقم ٦٢١ لسنة ٢٠١٨ بترقية ٣٠ ألفًا و٢٤٠ من أعضاء هيئة التعليم، شاغلى وظائف المعلمين، وما يقابلها من وظائف الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وإخصائيى التكنولوجيا والصحافة والإعلام وأمناء المكتبات بمديرية التربية والتعليم بالمحافظة.
وفى السياق ذاته، ألغى قرارًا أصدره وكيل وزارة التعليم مختار شاهين، يقضى بمنع الصحفيين من دخول المدارس أو التصوير بها إلا بإذن وأمر مباشر منه، بل إنه أنذر وكيل الوزارة ومديرى الإدارات التعليمية والمدارس بتعرضهم للمساءلة القانونية حال مخالفة تنفيذ تعليماته الجديدة.
والتقى «عباس» رؤساء المدن الجدد بمكتبه بالديوان العام، وطالبهم بتنفيذ القانون وبناء الدولة، وبذل المزيد من الجهد لرفع كفاءة الأداء، ووجههم بالنزول للشارع والتواصل مع المواطنين والاستماع إلى مطالبهم لمواجهة المشكلات، مؤكدًا لهم أنهم بمثابة حجر الأساس فى التواصل بين الحكومة والمواطن.
وقبل يومين أصدر حركة محليات موسعة بدائرة المحافظة، وذلك لتطوير كفاءة الجهاز الإدارى والدفع بالكوادر والقيادات المؤهلة للقضاء على الروتين ومكافحة الفساد وتطوير آلية التواصل الفعال مع المواطنين وحل مشكلاتهم وسرعة الفصل بها.