رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة «المجلس الملّى».. الكنيسة تترقب انتخابات جديدة

جريدة الدستور

-سليمان: ننتطر اعتماد المجمع المقدس للائحة المجلس الملّى
-كمال زاخر: مدته انتهت بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير

«هل لا يزال المجلس الملى قائما؟».. سؤال تردد فى الأوساط الكنسية مؤخرا، عقب البيان الذى أصدره المجلس ليعلن فيه مساندته للبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، فى كل مواقفه الوطنية والكنسية وإسهاماته المجتمعية، سواء فى مصر أو فى أرجاء الكرازة، ورفضه بشدة الحملات غير المبررة التى ظهرت فى الآونة الأخيرة، ضد الكنيسة، فى مخالفة لجميع القوانين الكنسية والوضعية.
السؤال عن وجود المجلس الملى له ما يبرره إذا ما علمنا أن المجلس الأخير انتهت ولايته منذ ٢٠١١، ولم تحدث انتخابات لتشكيل مجلس جديد، ولا يظهر إلا إعلاميًا عن طريق البيانات الصادرة عن الكنيسة الأرثوذكسية.

يعد المجلس الملى العام، هو الجهة المختصة بالنواحى الإدارية وغير الدينية فى حياة الكنيسة، ويشرف على ممتلكات الكاتدرائية والكنائس، ويراقب أموالها، ويتولى ملف الأحوال الشخصية، وتستمر دورته ٥ سنوات، ويتشكل المجلس من أربعة وعشرين عضوًا ينتخبهم الأقباط فى مصر، ويرأس المجلس بابا الكنيسة القبطية.
منذ تولى البابا تواضروس الثانى، السدة المرقسية، حرص على إعداد لائحة تنظم العمل داخل المجلس الملى، ويرغب فى تغيير اسمه، حيث أكد فى أكثر من حديث صحفى له أنه كلف مستشار الكنيسة القبطية، منصف سليمان، بإعداد لائحة تنظم العمل داخل المجلس الملى، وعند تقديمها والموافقة عليها من قبيل المجمع المقدس يتم بناءً عليها انتخابات للمجلس، وهو ما أكده «سليمان» لـ«الدستور»، حيث كشف عن انتهائه من إعداد لائحة المجلس الملى».
وقال «سليمان» إنه تم تسليم اللائحة الجديدة للمجلس للبابا تواضروس، وفى انتظار اعتماد المجمع المقدس لها، لافتًا إلى أنه سيتم عرضها على الحكومة قبل إقرارها بالكنيسة الأرثوذكسية.
من جهته، قال المفكر القبطى سليمان شفيق، إن المجلس الملى تأسس فى ١٨٧٢، وانتخب أعضاؤه فى ١٦ يناير ١٨٧٤، واختير بطرس غالى باشا وكيلًا للمجلس، حيث كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديوى إسماعيل أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه فى فبراير ١٨٧٤، وهو الذى اختار البابا كيرلس الخامس بطريركًا خلفًا للبابا ديمتروس فى عام ١٨٧٥، ورأى البابا كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحله فى ١٨٧٥، وسعى بطرس غالى لدى الدولة فى هذا الشأن حتى صدر الأمر العالى فى ١٣ مارس ١٨٨٣ بتشكيل المجلس الملى مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالى وكيلًا له فى ١٤ مايو ١٨٨٣.
وقال «شفيق» إن المجلس كان بمثابة محكمة للأحوال الشخصية للأقباط، تنظر منازعات الزواج والطلاق وغيرهما، وكان تشكيله يضم ١٢ عضوا، و١٢ نائبا يكونون الجمعية العمومية له، وينتخب الأعضاء والنواب ١٥٠ ناخبًا، ويكون البطريرك هو رئيس الاجتماع الانتخابى، كما تكون له رئاسة المجلس الملى ذاته، على أن ينتخب وكيل المجلس من أعضائه يقوم مقام الرئيس عند غيابه.
وأضاف: «فى العام ١٨٩١ أعلن البابا كيرلس الخامس رفضه اللائحة، وعندما أراد المجلس تجديد انتخاب أعضائه، طلب البطريرك من محافظ القاهرة منع الاجتماع، فقاوم المجلس وعقد الاجتماع، فخاطب البابا كيرلس الخامس الحكومة فى ٢٠ يوليو ١٨٩١ بأن المجلس مخالف للحكومة، فعقد بطرس غالى اجتماعًا وطالب بتدخل الحكومة لرفع يد البطريرك عن المجلس الملى، فهدأ البطريرك وتوصل الطرفان إلى اتفاق وسط ينص على (أن تبقى أوقاف الأديرة تحت إشراف البطريرك، وأن تحتفظ الأديرة بفائض إيراد أطيانها، وألا تكون للمجلس علاقة بديوان البطريركية، وأن تكون رئاسة المجلس فى حال غياب البطريرك لمن ينيبه من رجال الدين، وأن تكون للبطريرك حق تعيين ثلث المجلس بغير انتخاب».
وتابع المفكر القبطى: «ورغم أن ذلك الاتفاق يسلب المجلس الملى اختصاصات كبيرة، إلا أن البطريرك رفض تنفيذه، فطلب المجلس من الحكومة نفى البطريرك، فنفى إلى دير البراموس بوادى النطرون، ونفى مساعده ووكيله الأنبا يؤانس (البطريرك الذى خلف كيرلس الخامس فيما بعد رحيله) إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية، ودام نفيهما قرابة العام حتى أعادتهما وزارة رياض باشا فى ٤ فبراير ١٨٩٣، والتفت حوله الجماهير بمن فيهم أغلب خصومه، ولم يعد البطريرك مهزوما بل أكثر تشددا، فقبل العمل بلائحة ١٨٨٣ بشرط أن تؤلف لجنة مالية تعمل بجواره بدلا من المجلس المنتخب، وبذلك نسف البطريرك جوهر اللائحة، واستمرت الأوضاع على هذا المنوال ما يقرب من ١٢ عامًا.
ولفت «شفيق» إلى أن الصراع بين العلمانيين والإكليروس حول لائحة المجلس الملى استمر حتى ثورة ١٩٥٢، وما تلاها من صراع ما بين البابا كيرلس السادس عام ١٩٥٩ حتى عام ١٩٧٠، وإغلاقه المجلس الملى وحله، ثم البابا شنودة الثالث منذ عام ١٩٧٠ وحتى ٢٠١٢، ورسم أعضاء المجلس شمامسة فحولهم من علمانيين إلى درجة إكليروسية أدنى.
وأشار المفكر القبطى إلى أنه عقب ثورة ١٩١٩، اختلف الأمر، فقد استوعبت الحركة الوطنية جانب التنوير الفكرى والإصلاح الدستورى، وفى أولى دوريات البرلمان الائتلافى الوفدى الدستورى، تقدم سوريـال جرجس، عضو مجلس الشيوخ، بمشروع قانون لتعديل لائحة المجلس الملى، ونص اقتراحه على إلغاء التعديلين اللذين أدخلهما البابا كيرلس الخامس فى ١٩٠٨ حتى ١٩١٢، والعودة إلى لائحة ١٨٨٣، واعترض الأنبا لوكاس، مطران قنا وعضو مجلس الشيوخ، وبعد مناقشة له من ٣٠ مايو ١٩٢٧، وحتى ٢٥- ٢٦ يونيو ١٩٢٧، صدر القانون فى ٢٢ يوليو برقم ١٩ لسنة ١٩٢٧، وبعد أن أدخل عليه تعديلًا بناء على رغبة البطريرك تخص شروط أصحاب الأوقاف.
وأضاف: «أجريت الانتخابات للمجلس الملى وفق القانون فى ٣٠ ديسمبر ١٩٢٧، وانتخب النواب الـ١٢، إضافة إلى الأعضاء الـ١٢ وكان أغلبهم من الوفديين أنصار الإصلاح، إلا أن رجال الدين عطلوا تطبيق القانون، وانتهى الأمر باجتماع مشترك للمجلس فى ١٩ نوفمبر ١٩٢٨ بناء على قرار أصدره محمد محمود باشا رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، ببقاء الحق للبطريرك فى تعيين رؤساء الأديرة أو أن تؤلف لجنة أوقاف الأديرة من البطريرك أو نائبه رئيسًا، وستة أعضاء، أربعة من المجلس الملى واثنان من المطارنة يختارهم البطريرك سنويًا، واستقال احتجاجا على ذلك خمسة من أعضاء المجلس الملى المنتخب، إلا أن القرار صدر، وبرغم ذلك لم ينفذه رجال الدين، إلى أن حدثت حوادث بدير المحرق مخزية».
وذكر أن صراع المجلس الملى مع الإكليروس استمر حول لائحة المجلس، وبجانب ذلك ارتبطت معارك المجلس الملى من أجل تحديث الكنيسة بصراع حول لائحة أخرى هى لائحة انتخاب البطريرك، وأثيرت هذه اللائحة فى الفترة من وفاة الأنبا كيرلس الخامس ٧ أغسطس ١٩٢٧، وحتى وفاة الأنبا يوساب ١٩٥٦ ثلاث مرات، منوها بأن الصراع بين دعاة الإصلاح ورجال الدين كان حول الشروط الآتية: «شرط الرهبنة أو البتولية الذى كان يصر عليه رجال الدين، فى حين كان دعاة الإصلاح يرون ضرورة إلغائه».
أما المفكر القبطى كمال زاخر، بسؤاله عن إصدار المجلس الملى البيانات برغم توقفه لمدة ٧ سنوات، أوضح أن المجلس يمارس مهامه باعتباره مجلس تسيير أحوال لحين الدعوة لانتخاب مجلس جديد، خاصة أن نهاية ولايته جاءت وسط أحداث جسام، بعد اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ ثم رحيل قداسة البابا شنودة الثالث وقدوم قداسة البابا تواضروس الثانى.
وأضاف «زاخر»، لـ«الدستور»، أن بيان المجلس الملى الأخير يأتى ليؤكد وقوف الجناح المدنى فى الكنيسة داعما لقداسة البابا تواضروس، والانتباه لدقة اللحظة التى تعبر بها الكنيسة، خاصة بعد مصرع الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبومقار، وما تلاه من أحداث جسام.