رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شوارع بلا قمامة


قد يبدو عنوان المقال حلمًا بعيدًا لكثرة ما شاهدناه من قمامة فى شوارعنا، وأحيانًا فى السنوات الأخيرة، حتى وصل الأمر إلى حد تهديد صحة المواطنين بأمراض خطيرة، ناهيك عن مشهدها القبيح وغير المقبول لدولة تبنى لنفسها مستقبلًا أفضل، وتخطو بسرعة لتحسين الأحوال، وإنجاز مشروعات قومية كبرى لا يمكن إنكارها.
مَنْ منّا لا يشعر بالاستياء والأسى لمشهد شوارعنا المليئة بتلال من القمامة، وكأنها لم تمتد إليها يد النظافة.
من منّا لا يشعر بأننا فى حاجة إلى شوارع أنظف، وإن ألف باء الصحة العامة للمصريين تقتضى خطة عاجلة لتنظيف شوارعنا ووضع عدد كافٍ من صناديق القمامة فى كل شارع فى مصر، وفى كل محافظة فى بلدنا.
إن المواطن المصرى قد تم فرض مبلغ من المال عليه فى فاتورة الكهرباء من أجل نظافة الشارع، لكن للأسف لم يلمس المواطن هذا، ومؤخرًا ظهر هناك اتجاه من وزيرة البيئة بإضافة مبلغ على فاتورة الكهرباء من أجل نظافة الشوارع، وهذا للأسف معناه إضافة عبء جديد على المواطن بدلًا من إيجاد حلول عملية لحل المشكلة من قِبل وزيرة البيئة نفسها كجزء من مسئوليتها عن بيئة سليمة ونظيفة.
إن مشكلة انتشار القمامة فى شوارعنا أصبحت تزكم الأنوف، وهى تهدد الصحة العامة للمواطن بشكل عام.. ولقد وجّه الرئيس السيسى بالاهتمام بالصحة والتعليم كأولوية فى الفترة الرئاسية الثانية له، مما يعنى أن تتجه جهود وزيرة البيئة «ياسمين فؤاد» إلى حل هذه المأساة التى تنشر الأمراض والقبح والإهمال فى شوارعنا.
لقد أرسلت لى إحدى السيدات صورة فى غاية القبح، على صفحتى بـ«فيسبوك»، لأحد شوارع مدينة نصر، حيث أكوام من القمامة ملقاة فى الشارع الذى أزيلت صناديق القمامة الضخمة منه، والتى كانت تتجمع فيها قمامة الشارع، وبقيت القمامة دون أن تمتد إليها، لعدة أيام، يد واحدة من الحى لإزالتها رغم شكاوى الأهالى.
أتذكر أننا عندما كنا صغارًا كانت من المشاهد اليومية أن نرى سيارات الرش تُنظف الشوارع ليلًا وتغسلها بالماء والصابون لتبدو فى أبهى صورة من النظافة صباحًا، كان من المشاهد المألوفة أيضًا أن نرى «الكناسين» منذ الصباح الباكر ينظفون شوارعنا بكل همة وحماس، بل كان من الأخبار التى نعتز ونفتخر بها هو اختيار القاهرة كأجمل مدينة فى العالم، فى العشرينيات من القرن الماضى، وأرقاها، فما الذى جرى لبلدنا؟، ولماذا كل هذا الإهمال فى شوارعنا وأحيائنا؟، ولماذا انتشر كل هذا القبح فى أحيائنا؟.
لقد تمت عدة محاولات متفرقة فى الآونة الأخيرة من الشباب لتنظيف بعض الشوارع، لكنها كانت محاولات فردية لا ترقى إلى كونها عملًا منظمًا أو جماعيًا مؤثرًا، ولا بد أن نعترف أيضًا بأن سلوكيات المواطن المصرى لا ترقى إلى المستوى المرجو منه فى المحافظة على النظافة أمام العمارات السكنية أو المحلات التجارية، ومن المشاهد اليومية أن تجد مواطنًا يُلقى من زجاج نافذة سيارته بقية مأكولات، أو يُلقى فى الشارع زجاجة مياه غازية أو أوراقًا قديمة مستعملة، أو بقايا أشياء كان يستخدمها، ومن المشاهد العادية والقبيحة، فى الوقت نفسه، التى نراها أيضًا، أن تجد المحلات والمستشفيات تلقى مخلفاتها فى الشوارع المحيطة بها، رغم أن هذا ضد أبسط قواعد الصحة العامة والنظافة، ومن المشاهد التى نراها جميعًا أيضًا عامل القمامة المسكين يقوم بتنظيف جزء من شارع ما ثم يلتفت إلى أقرب سيارة ليمد يده بالتسول، مما يدل على الفقر المدقع لهذا العامل وغيره ممَن نراهم فى شوارعنا أحيانًا، ونشعر بأنهم فى أسوأ حالة مادية.
إننى هنا أتوجه أيضًا إلى المحافظين وإلى رؤساء الأحياء بأن يتركوا مكاتبهم وينزلوا إلى الشوارع للتصدى لآفة القمامة المنتشرة فى معظم شوارعنا.. إننى هنا أستعيد ما وجّه به الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أبدى استعداده للمشاركة فى حل أزمة القمامة، فى المؤتمر الوطنى السادس للشباب، حيث قال: «أنا مستعد أنزل مع شباب مصر فى الشوارع أشيل وأنضف، لأننا مش هانقبل بالوضع ده واستمراره».
وقال فى مواجهة هذه الأزمة المستفحلة أيضًا: «أنا عبدالفتاح ما كُلش خالص.. لكن البلد تبقى نظيفة»، وأنا هنا أتساءل: «هل مشكلة نظافة شوارعنا قد أصبحت معضلة إلى حد أن الحل لدى وزيرة البيئة قد أصبح هو إضافة مزيد من الأعباء على المواطن المصرى؟»، وأتساءل أيضًا: «إلى متى سنتركها تتفاقم إلى حد انتشار الأمراض الخطيرة فى شوارعنا بسببها؟، وإلى متى سيظل السائح يرى أكوام القمامة فى شوارع مصر، ناهيك عن الزحام الشديد؟».

إن أزمة القمامة لا بد أن تتكاتف فيها الجهود من جانب الدولة والوزراء المسئولين مثل «البيئة، والصحة، والشباب»، والمحافظين فى محافظاتهم، ورؤساء الأحياء، وعمال منوط بهم القيام بأعمالهم، وتوفير صناديق تكفى فى كل شارع وفى كل حى، وفرض غرامة على الذين يلقون مخلفاتهم فى شوارعنا، سواء كانوا أفرادًا أو شركات أو مؤسسات، وتوفير شباب لديهم رغبة فى العمل بمكافآت رمزية للمساعدة فى حل هذه الأزمة المستمرة والخطيرة، وفى ذلك حل جزئى لمشكلة البطالة، ويمكن أن يشارك المجتمع المدنى مع الدولة فى نظافة شوارعنا، ولا بد أيضًا أن نلتفت إلى تفعيل ما وجّه به الرئيس السيسى من ضرورة العمل لنظافة بلدنا.
إن الحلول ليست مستعصية لكنها ممكنة، ومن الضرورى أن تبدأ، وأن توضع خطة للتصدى لظاهرة القمامة فى شوارع مصر المحروسة، التى تستحق أن تكون واجهتها أفضل من الحالية.