رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أثري: "كاتب الغيبة" ظهر بالمدارس في العصر المملوكي لحساب الغياب

الأثري سامح الزهار
الأثري سامح الزهار

أكد الأثري سامح الزهار، المتخصص فى الآثار الإسلامية والقبطية، أن حضارة المصريين في العصور كافة بنيت على أساس علمي رصين، حيث تعددت المدارس والعلوم وسبل تحصيلها والكتابة والنقل، مشيرا إلى اهتمام الخلفاء والسلاطين والحكام في مصر بإنشاء المدارس بشكل مكثف حتى أن الرحالة الشهير (ابن بطوطة) قال حين نزل مصر "وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها".

وقال إن سلاطين المماليك في العصر المملوكي اهتموا بالحركة العلمية وأدركوا أن التقدم الحقيقي لن يأتي سوى بالتعلم، وأتاحوا التعليم للجميع كحق مشروع للمصريين مع توفير سبل الراحة للطلاب والمعلمين.

وأضاف إن من أهم تلك الأهداف، هو الهدف الديني وخدمة الإسلام وما يخرج عنه من فروع للعلوم العقائدية والتشريعية، ولذلك حظت مصر بأعداد كبيرة من العلماء والفقهاء والقضاة فى ذلك العصر، موضحا أن "الخانقاوات" في زمن المماليك كانت في أفضل مراحلها من ناحية الارتقاء بالدرس والتنظيم والأسلوب واختيار المعلمين.

ولفت إلى الدور التعليمي الذي لعبته الزوايا في خدمة أغراض التصوف والانقطاع للعبادة وقد نبغ عدد كبير من العلماء في تلك الفترة من أشهرهم "شمس الدين السخاوي".

وأكد أن الهدف الديني لم يكن وحده هو المسيطر على المشهد العلمي والتعليمي، بل كانت هناك أهداف سياسية من الحركة العلمية لدى المماليك، حيث كانت لديهم رغبة كبيرة في التقرب إلى الشعب ومخالطتهم في المساجد والمدارس وحلقات العلم.

وأوضح أن القرن الثامن الهجري كان من أكثر الفترات التاريخية ازدهارا علميًا وثقافيا حيث تميزت تلك الفترة بكثرة العلماء والمفكرين التي أنتجهم الحراك الاجتماعي في الجانب التعليمي، بالإضافة إلى هدف سياسي آخر وهو محاربة المذهب الشيعي الذي بقى بعد انتهاء زمن الفاطميين ومحاولة نشر المذهب السني مرة أخرى.

وأشار إلى أن النظام التعليمي في زمن الممالك تميز بالتخصص فلم تكن الأمور عشوائية بل كانت منظمة إلى حد كبير، ومن أمثلة ذلك الدراسات الطبية في "البيمارستان المنصوري"، الذي كان أشبه بكلية طب كبيرة، كما أن المرأة حظيت بقدر مهم تعليميا وكان لها نصيب في مجالس العلماء، بالإضافة إلى الاهتمام بالطلاب من ناحية مجانية التعليم ومجانية المأكل والمسكن والكساء والعناية الطبية، موضحا أن الحياة العلمية في زمن المماليك لم تخلو من الترفيه والاحتفالات في المناسبات المختلفة.

وبالنسبة للمدارس فى العصر المملوكي، قال إن المدارس المملوكية امتلكت نظاما إداريا محكما ومنهجا واضحا للمعلمين ومصادر متنوعة للمعرفة فقد كان حضور الطلاب وانصرافهم وفقا لمواعيد صارمة ومراقبة ما يعرف بـ "كاتب الغيبة" وهو المشرف المسئول عن تنظيم حضور وانصراف الطلاب واحتساب فترات غيابهم التي كان لا يمكن أن تمر دون عذر أو سبب واضح، كما مولت المدارس من أموال السلاطين والأمراء وكبار التجار بالإضافة إلى بعض الأوقاف التي كانت معدة للإنفاق على المدارس والطلاب.

وعن التخطيط المعماري للمدارس المملوكية، أوضح أن المدارس كانت لها أشكال متعددة منها ثلاثة أشكال شهيرة، الأول وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات أكبرها وأعمقها إيوان القبلة، والثاني عبارة عن صحن أو قاعة يحيط بها أربعة أروقة وربما توسّط سقف الرواق منها قبة ترتفع عن بقية السقف وقد فتحت بأضلاعها عدة نوافذ للتهوية والإضاءة، أما الثالث وهي المدارس ذات الحجرة الواحدة أو عدد من الحجرات وهو الأسلوب الأقدم والأبسط.