رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استعباد الأتراك فى تل أبيب


بموافقة ومباركة وتحت رعاية حكومة رجب طيب أردوغان، تم استدراج مواطنين أتراك إلى «تل أبيب»، ليعملوا بالسخرة واضطروا للجوء إلى محاكم إسرائيلية، مختصمين الشركة التي استدرجتهم واستعبدتهم: شركة إنشاءات تركية تعمل في إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن، وتم تجديد ترخيص عملها، بموجب اتفاق بين السلطات التركية ونظيرتها الإسرائيلية، تسلمت بموجبه أنقرة معدات عسكرية من تل أبيب.

قبل الدخول برجلك اليمنى أو اليسرى إلى الفضيحة الجديدة، نرى ضرورة الإشارة إلى أن قاعدة البيانات الرسمية للإنفاق الفيدرالي الأمريكي، «USAspending»، لا تزال تقول بوضوح إن مناقصة تصميم وتشييد مبنى السفارة الأمريكية في مدينة القدس المحتلة، فازت بها شركة «ديسبلد ليماك»، أي الشركة الناتجة عن تحالف شركتي «ديسبلد إنكوربوريتد» الأمريكية، و«ليماك هولدنج» التركية، المملوكة لرجل الأعمال نهاد أوزدمير، وثيق الصلة بالرئيس التركي، وبحزب العدالة والتنمية الحاكم.

الفضيحة القديمة كشفتها صحف ومواقع إلكترونية وشبكات تليفزيونية دولية في مايو الماضي. ومع ذلك، حين قيل للمحتال «احلف»، فعل ما فعله «الحرامي» في المثل القديم، وقال «جالك الفرج»، وحاول أن ينفي مشاركته في تلك الجريمة. وكان أبرز المشاركين في محاولة النفي ياسين أقطاي، نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية»، الحزب التركي الحاكم، في حسابه على «تويتر»، ليثبت ويؤكد قوة علاقة الرئيس التركي وحزبه بنهاد أوزدمير. وغير سذاجة وتهافت ذلك النفي، فقد جاء متناقضًا مع حقائق كثيرة سابقة، أثبتت وأكدت أن الأتراك والإسرائيليين أربع أرجل في بنطال (بنطلون) واحد.

في مقالين عنوانهما «المحتال التركي يحلف من جديد»، تناولنا تلك الفضيحة. ولعلك تتذكر، أو لو عدت إليهما ستعرف، أن شركة رجل الأعمال التركي، وثيق الصلة بـ«أردوغان» وحزبه، ليست هي شركة الإنشاءات الوحيدة التي تعمل في الأراضي العربية المحتلة. وتوقفنا على سبيل المثال عند شركة «يلمازلار» للإنشاءات، التي يتركز نشاطها في المنطقة الحيوية المحيطة بمركز Gindi TLV التجاري في تل أبيب، والمملوكة للأخوين أحمد وعدنان يلماز. وأوضحنا أن تلك الشركة بدأت عملها داخل إسرائيل في بداية التسعينيات، وشاركت في خطة الحكومة الإسرائيلية من أجل توفير مساكن لعدد المهاجرين الضخم القادم من الاتحاد السوفيتي السابق، واعتادت تقليل المدة المحددة للانتهاء من المشروعات، بمعدل ستة أشهر.

هذه الشركة، شركة «يلمازلار» للإنشاءات، اتهمتها خمس دعاوى قضائية بارتكاب انتهاكات لحقوق العمال، والتلاعب بعقود التوظيف، والتستر على إصابات عمل جسيمة. وطبقًا لتقرير نشرته جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، فقد اتهمت الدعاوى الشركة بأنها تغري العمال الأتراك بوعود «وردية»، لا تفي بها، وتزج بهم في مساكن أشبه بمقار الاحتجاز، غير مسموح لهم بالخروج منها، كما يقوم رجل أمن الشركة بمنع المصابين من الخروج للعلاج، حتى لا يحصلوا على تعويضات عن إصابات العمل. وذكر أحد مقيمي الدعاوى الخمس، أنه يعمل ١٢ ساعة يوميًا، طوال أيام الأسبوع، دون إجازات. وفي بعض الأحيان يمتد العمل لساعات أطول، بل إنه اضطر في ٤ مناسبات للعمل ٢٤ ساعة متواصلة، دون أن يتلقى أي مقابل مالي عن ساعات أو أيام العمل الإضافية.

في ٦ أبريل ٢٠١٦ وتحت عنوان «الأتراك عائدون.. ويقومون ببناء نصف أبراج تل أبيب»، ذكرت جريدة «هآرتس»، أيضًا، أن ما يقرب من نصف المباني شاهقة الارتفاع في تل أبيب، شيدتها شركات تركية. وأوضحت الجريدة الإسرائيلية أن ما حققته شركة «يلمازلار» التركية، من إنجازات مبهرة في تل أبيب، بطاقم عمالها وموظفيها الأتراك، شجع وزارتي المالية والإسكان الإسرائيليتين على الاستعانة بست شركات أخرى، من أجل تقديم تكنولوجيا بناء أفضل وأسرع، وهو ما فعلته شركة «يلمازلار» طوال ٢٠ سنة، قامت خلالها بتشييد الأبراج العالية، باستخدام تقنيات صناعية عالية، وقوالب بنائية مصنوعة مسبقًا في ألمانيا.

شركات الإنشاءات التركية التي يعمل بعضها في إسرائيل منذ ٢٠ سنة، مثل «يلماز»، وكذا شركة «ليماك هولدنج» التي ستبدأ عملها هذا العام ببناء السفارة الأمريكية، لا تستخدم مهندسين وعمالًا أتراكًا فحسب، بل تستخدم أيضًا مواد خام تركية. إذ كشف التقرير السنوي لدائرة الإحصاء التركي عن سنة ٢٠١٧، أن تركيا حلت في المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدِّرة للأسمنت والحديد إلى إسرائيل. إذ ذكر التقرير أن ٥٩٪ من إجمالي ما استوردته إسرائيل من الأسمنت يأتي من تركيا، وأن ٤٥٪ من إجمالي ما استوردته من الحديد جاء أيضًا من تركيا. والأهم هو أن التقرير الرسمي أوضح أن أنقرة حافظت، منذ سنة ٢٠٠٢ حتى ٢٠١٧، على بقائها في صدارة قائمة الدول التي تزود إسرائيل بالأسمنت والحديد.

حدث ذلك، ويحدث، بينما لا يتوقف هجوم الرئيس التركي «الشفهي» على ذلك الكيان، الذي ثبت، مرارًا، أنه ليس أكثر من استعراض، أو مجرد كلام، للاستهلاك المحلي فقط، والتلاعب بعقول أو ذيول البهاليل: بهاليل بهلول إسطنبول!.