رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناقوس الخطر يدق


لم تكد دماء أطفال ميت سلسيل أو المريوطية تجف، حتى سالت دماء أخرى لأطفال فى الشروق. تعدد الجناة لكنهم ما زالوا يحملون لقب الأقرب لهؤلاء الأطفال. فالجانى فى ميت سلسيل والشروق هو الأب، والجانية فى المريوطية أو المنيا هى الأم، وما بين شك الأب فى نسب أطفاله وتبرير جريمة القتل بالخوف عليهم من مشاكل الحياة فى قضية أخرى تنوعت التبريرات.
لكننا نجد أنفسنا أمام قضية مهمة سبق أن تعرضنا لها فى مقال سابق وهى العنف الأسرى، والذى تنامى بشكل غير مسبوق، ناهيك عن تكرار حوادث الانتحار واختيار محطات المترو كمكان للانتحار، ربما رغبة فى سرعة إنهاء الحياة، والتأكد من أنها وسيلة مضمونة بين حوادث القتل والعنف الأسرى وحوادث الانتحار، والتى أصبحت مادة أساسية فى برامج المساء أو خبرًا أساسيًا فى صحف الصباح يجب أن نتوقف ونبحث فيها.
كنت أتوقع من مراكز بحثية صدعت رءوسنا بحقوق الإنسان والمشاركة السياسية، أن تفرغ باحثيها لدراسة هذه الجرائم.. كنت أتوقع من وزارة الأوقاف ووزيرها النشط أن تتصدى لهذه الحوادث بالتوعية اللازمة، وأن يترك خطباؤها موضوعات النار والجنة والثعبان الأقرع، ويتوجهوا إلى المناطق التى شهدت هذه الجرائم، وأن يتواصلوا مع المواطنين فى أماكن تجمعاتهم بالإضافة إلى المساجد. كنت أتوقع كثيرًا من جهات مسئولة أن تتحرك. كنت أتوقع تحديدًا من مراكز البحوث الجنائية والاجتماعية أن تحلل وتدرس وتقول لنا ما الأسباب التى تدفع أبًا لذبح أطفاله بدم بارد ليس طفلًا واحدًا ولكنهم أربعة أطفال تم ذبحهم بهدوء، ولم يكن ذلك نتاج انفعال مؤقت، بل كانت جريمة مخططًا لها وتم تنفيذها بهدوء. نعم نجحت الشرطة فى القبض على الأب القاتل وينتظره حكم عادل فى الدنيا وحساب أكثر عدلًا فى الآخرة. هذا القاتل كشف عن ثغرة أخرى كيف استخرج بطاقة شخصية باسم آخر، وكيف عاش وهو هارب من حكم الإعدام منذ يناير ٢٠١١؟ وما مصير هاربين آخرين منذ يناير؟ ولماذا لا يتم الإعلان عنهم ومتابعتهم؟.
هذا الهارب من حكم بالإعدام عاش بيننا ثمانية أعوام حرًا طليقًا، تستر عليه مجرم آخر وعمل عنده وسهل له الحياة ببطاقة مزورة، وكم من الهاربين من أحكام يعيشون بيننا، وحملات التنفيذ تهتم بأحكام غرامات أو أحكام بسيطة سقطت، وفى المقابل هناك جرائم أهم. تغيير أسلوب الأكمنة والمتابعة أصبح ضرورة، وتعديل أنظمة البحث إلكترونيًا أصبح ضرورة، وعلى رأس جهاز الداخلية اليوم ضابط مشهود له بالكفاءة والجدية، وقضى معظم سنوات عمره فى الجهاز الأهم. وإذا كان جهاز الأمن العام بفروعه قد استطاع متابعة القاتل فى جرائم المريوطية وبولاق الدكرور والرحاب والشروق وميت سلسيل، وهو إنجاز يجب الاعتراف به وتقديره، ولكن هناك فرصة لإنشاء جهاز بحث اجتماعى ما دامت جهات أخرى لم تقم بدورها، يقوم بدراسة الحالات والجرائم الشاذة، ولديه فرصة أكبر. فقد عاين مسرح الجريمة والمتهم لديه لمدة لن تقل عن العام يدرس تصرفاته ويعرف دوافعه ويحللها ويقدمها لعلماء اجتماع وعلم نفس وعلماء دين لوضع خطة لمواجهتها.
فى حال وقوع جريمة نطالب الداخلية بالتصدى لها، وقد قامت بدورها وقبضت على المتهمين وليس لها دور استباقى، فالقتل لم يتم عن طريق عصابات أو مشاجرات، ولكن قتل أسرى يتم فى أمان وبعيدًا عن أعين الداخلية، ودورها هنا هو القبض على الجانى، وقد نجحت وانتهى دورها بتسليمه إلى العدالة.. وعندما ينتشر وباء صحى نطالب وزارة الصحة بالتصدى له، وهكذا كل ما يحدث.. له جهاز مسئول عنه. أما هذه الجرائم فكلنا مسئولون عنها، وعلينا أن ندرس كل الدوافع.. ودور الإعلام فى التحقيق الاستقصائى للجرائم وليس فقط مجرد الإعلان عنها وعن كيفية وقوعها. دور الأمن فى ملاحقة الهاربين والمشتبه فيهم، والأهم مواجهة المخدرات والتى تفشت وسط المجتمع بشكل وبائى يسأل عنه الجميع، وأغلب الجرائم تقع تحت تأثيرها أو بسببها، وأن نعلن حربًا ضدها فى كل مكان حتى يأتى اليوم الذى نعلن فيه مصر خالية من وباء المخدرات كما اقتربنا أن نعلنها خالية من فيروس «سى».
جريمة تلو الأخرى تكشف لنا أن الأسرة المصرية فى خطر. ضغوط الحياة وإغراءاتها فككت الأسرة إلى أفراد كل يعيش عالمه الافتراضى مع موبايله أو أصدقاء له. لو سألنا: كم أبًا يجلس مع أسرته على الغداء أو العشاء أو الإفطار؟ ستصدمنا الإجابات.. لو سألنا أمهات عن صديقات بناتهن سنصدم أيضًا.. لو سألنا أحفادًا عن أجدادهم سترعبنا الإجابات.. الأسرة المصرية فى خطر.. وننبه وقتها لن تجدى معنا المدن الذكية، ولا أى تطور.. تفكيك الأسرة المصرية كان وما زال هدف الأعداء فلا تحققوه لهم.