رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرسى إنسان «أنوى» نادر


لا شك أن كل مصرى تعجب من خطاب محمد مرسى هذا ـ وأظنه خطابه الأخير فلن تتاح له فرصة لكى يتحدث مرة أخرى أمام الشعب - ولا شك أن كل عربى فغر فاه من الدهشة والذهول عندما استمع لمرسى، ومن المؤكد أن من وصل إليه خبر هذا الخطاب العجيب من بلاد العالم ظن أن مصر دولة تعيش خارج سياق التاريخ، خطاب بلغ حداً من التخلف لم يصل إليه خطاب من قبل.

عندما استمعت لخطاب مرسى الغبى - الغباء هنا عائد على الخطاب لا على مرسى - قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت بعدها : إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا زمن قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيأتى على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة، قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : «الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة» لذلك فإن أدق توصيف لخطاب مرسى ورئاسته هو هذا الحديث، الرجل التافه يتحدث فى أمر العامة.

ويقيناً فإن الكل وقع على الأرض من الضحك أو الدهشة من هذا الرئيس الذى يخطب وكأنه «خالتى بامبة» أو « الرغاية» التى كان الفنان أحمد الحداد يقوم بدورها، هذا هو رئيس اللت والعجن، ومن أعجب ما قابلته فى حياتى أن أجد أناساً من الإخوان معجبين بهذا الرجل «الأنوى النادر»، وكأن الله قد سلب منهم عقولهم وطمس على أفئدتهم، فأصبحوا مغيبين «فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا» وآسفاه على هذه الجماعة وعلى هؤلاء الناس، وآسفاه عليهم وهم يعادون كل مصر، ويجعلون رئيسهم الأنوى النادر يتحدث أمام الشعب فيفرق الناس ويجعلهم شيعاً، ثم ينهى خطابه بالدعاء على القوم الكافرين وكأنه يستحضر فى ذهن أصحاب القلوب المريضة من جماعته أن خلافهم مع الشعب ليس خلافاً سياسياً ولكنه خلاف بين الإيمان والكفر، بئس ما قال هذا الرجل الذى كرهته قلوب المصريين .

لا شك أن كل مصرى تعجب من خطاب محمد مرسى هذا ـ وأظنه خطابه الأخير فلن تتاح له فرصة لكى يتحدث مرة أخرى أمام الشعب - ولا شك أن كل عربى فغر فاه من الدهشة والذهول عندما استمع لمرسى، ومن المؤكد أن من وصل إليه خبر هذا الخطاب العجيب من بلاد العالم ظن أن مصر دولة تعيش خارج سياق التاريخ، خطاب بلغ حداً من التخلف لم يصل إليه خطاب من قبل .

تذكرت الفنان الراحل عبد الفتاح القصرى وهو يلقى خطبة عصماء أمام القاضى فى فيلم «الأستاذة فاطمة» ومن بعدها قال له القاضى ساخراً: «دا إيه الفصاحة دى» وخطاب مرسى لم يكن فصيحاً ولكن إن جاز لنا أن نلخصه فهو عبارة عن بلاهة وهرتلة وسفاهة وكذب، هذا فى الحقيقة ليس خطاباً ولكنه جنحة رئاسية، هل وصلت الأمور إلى هذا الحد، هل وصلت مصر إلى هذه الدرجة، ومن المؤسف أن يقوم الإخوان بعرض الخطاب على السفيرة الأمريكية قبل أن يتفوه به لسان مرسى، وكأنه يحصل منها على الموافقة النهائية، بئس ما يفكرون فيه وبئس ما كانوا يفعلون.

عن نفسى لم أستغرب هذا الخطاب ولا هذه الطريقة، فأنا أعرف هذا الأخ الذى يُدعى مرسى، وأعرف طريقة تفكيره، عفواً، أقصد بلادة تفكيره وفقر خياله ورعونة كلماته، الذى وصل إليه مرسى هو أمر أفقده شعوره فأصبح يعيش فى حالة من عدم الاتزان النفسى، هذا رجل وجد نفسه فجأة رئيساً لمصر وهو الذى كانت أعلى أمنياته أن يصبح مساعداً لخيرت الشاطر، مرسى هذا هو الذى كان «يشخط» فيه المرشد محمد بديع فى الأيام الخوالى ويطلب منه أن يسرع فى كتابة بيان ما على الكمبيوتر، فيشحذ مرسى همته وينكب على الكيبورد حتى ينهى البيان فى أسرع وقت إرضاء لمرشده بديع.

مرسى هذا الذى وفد من وادى المجاهيل ذات يوم بعيد على مدينة الإخوان المسلمين، إذ لم تكن له بها أى علاقة من قبل، ولم يسبق له فى أى وقت من الأوقات أن كان من طلاب الحركة الإسلامية، رغم أن النشاط الإسلامى فى الجامعات فى السبعينيات كان على أعلى ما يكون، ولم يحدث بعد أن تخرج مرسى من الجامعة أى اقتراب له من الإخوان المسلمين، بل كان يتحسس الطريق ويضع يده على قلبه لو تصادف وقابل أحد الإخوان .

وتخرج الطالب مرسى، وانكفأ على ذاته ليحصل على الماجستير دون أن يعرف حتى أن هناك جماعة اسمها جماعة الإخوان المسلمين، ثم كانت الأنوار والأفراح والليالى الملاح حينما حصل على بعثة للولايات المتحدة الأمريكية للحصول على الدكتوراه، وفى جامعة جنوب كاليفورنيا مكث محمد مرسى بضع سنوات وبضعة أشهر، مرت بمصر خلالها أيام حاسمة قُتل فيها رئيس وحل عليها رئيس، حُبس فيها من حُبس، وأُعدم فيها من أُعدم، ثم خرجت قيادات الإخوان من السجن.

وكما يقولون فى الأمثال «رب صدفة خير من ألف ميعاد» ففى كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وفى منزل أحد الإخوان الكبار الذين كانوا يرتادون المركز الإسلامى التقى مرسى بالحاج مصطفى مشهور، وكان الفلسطينى موسى أبو مرزوق هو واسطة اللقاء، وكانت هذه أول مرة يلتقى فيها مرسى بأحد القيادات التاريخية للجماعة، ولأن الدم يَحِن فقد استملح مشهور محمد مرسى فهما من محافظة واحدة، والحاج مصطفى كان نسَّابا يعرف معظم عائلات الشرقية والمحافظات المجاورة لها وله بالعديد من رموز هذه العائلات صلات نسب ومصاهرة، وتطورت العلاقة بين الاثنين فالحاج مصطفى يُعرف فى الإخوان بالصياد الماهر وقد وضع شبكته الإخوانية على هذا الشاب قليل الخبرة والذى ليست له أى خلفية حركية من قبل، وفى غضون أيام قليلة كانت العلاقة قد توثقت بين الشيخ والشاب، فاستضاف مرسى «عمه» الحاج مصطفى ــ كما كان يحب أن يناديه ــ فأقام عميد آل مشهور فى بيت ابن عائلة العياط عدة أيام إلا أنها كانت كفيلة بتعلق الشاب مرسى خالى الوفاض بعمه الحاج، وانقضت الأيام والشهور، وعاد مرسى إلى مصر ظافراً مظفراً فقد حصل على الدكتوراه التى كان يبتغيها، وعاد الحاج مصطفى مشهور ناجياً من الحبس الذى كان ينتظره أيام السادات، ولكن الناس دول والأيام حبلى بالمفاجآت .

أخذ الحاج مصطفى يرتب أوراقه الجديدة خاصة بعد أن فاضت روح الأستاذ عمر التلمسانى، وبموته انتهت جماعة الإخوان المدنية وبدأت جماعة أخرى تحكم سيطرتها على هذا التنظيم بأفراده وأفكاره، وكان أن تعهد ابنه الروحى محمد مرسى بالرعاية فأرسله إلى جامعة الزقازيق مدخراً إياه ليوم لا ينفع فيه الإخوان إلا الأخفياء الذين لا يعرفهم أحد، ثم ترقى الأخ محمد مرسى فى مدارج التنظيم حتى أصبح قيادة كبرى وبعد ثورتنا زادت نجوميته حين أصبح رئيساً لحزب الإخوان ثم مرشحاً للإخوان فى انتخابات الرئاسة، وتفجرت المفاجأة فقد فاز مرسى وأصبح رئيساً للبلاد، ومر عام ووصلت مصر إلى أسوأ حالاتها، فقد اتضح أن مرسى هو الرئيس المرؤوس، الذى يتلقى الأوامر من مرشده ونائب مرشده، ومصر اليوم تخرج عن بكرة أبيها ليس فقط لتنهى رئاسة هذا الرئيس، ولكن لتنهى وجود جماعة الإخوان، خوارج العصر، وعلى باب الجماعة سيكتب التاريخ «أنشأها البنا وأغلقها بديع».

■ قيادى سابق بجماعة الإخوان المسلمين