رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. زغاريد معالى زايد


بعد مرور عامين ونصف على صدور جريدة الأسبوع من مقرها الأول بممر جراند أوتيل في شارع 26 يوليو في بداية عام 1997، جاء قرار رئيس مجلس إدارة وتحرير الأسبوع الأستاذ مصطفى بكرى فى مطلع عام 2000 بالانتقال إلى المقر الجديد والحالي عند مدخل شارع شامبليون المجاور لدار القضاء العالي.

شهد المقر الصغير أحداثا تفوق قدرة صحيفة وليدة، فمنها نظمت مؤتمرات جماهيرية كبيرة لنصرة الانتفاضة الفلسطينية، وفيه شارك نجوم الفن والغناء هانى شاكر وعمرو دياب وعفاف راضي ولبنى عبدالعزيز وغيرهم في ندوات تناقش قضايا الفن فى تلك الفترة التي تراجع فيها دور الفن المصرى مقابل الخليجي والشامي.

المقر الجديد يقع داخل ممر خاص بين عدد من العقارات التي يحيطها الظلام. ورغم وقوعها في وسط القاهرة، إلا أن حالة الشارع كانت محزنة لدرجة كبيرة.

افتتاح المقر الجديد كان سيحضره شخصيات عامة كثيرة وكبيرة، و"الأسبوع" فى ذلك الوقت كانت تضم النخبة من كبار الكتاب والشخصيات العامة حتى أنه أطلق عليها وقتها "بيت الأمة الصحفية"، فكتابها هم: عبد الرحمن الأبنودى، وأسامة أنور عكاشة، والدكتور يحيى الجمل، والأديب خيري شلبي، وسناء السعيد، وفوزية مهران، ومحمد مستجاب، إلى جانب الراحل جمال الغيطاني ويوسف القعيد، وغيرهم من نجوم الكتابة والفكر.

وكان ضيوف شرف الافتتاح هم صفوت الشريف وزير الإعلام، والدكتور عبدالرحيم شحاتة محافظ القاهرة، وهو ما أبلغنى به الأستاذ "بكري" حتى أحاول لفت نظر مسؤولي المحافظة لرفع كفاءة شارع شمبليون وقت افتتاح المقر الجديد، وقد كان.

بادرت أولا بالاتصال برئيس الحى بصفتي محرر شئون العاصمة، وأبلغته أننا سنفتح مقرنا الجديد ونرجو الاهتمام بنظافة الشارع وقت الافتتاح، لحضور عدد كبير من الشخصيات العامة. ورحب رئيس الحى وقتها، لكنه قال إن "الممر الذي يقع به مقر الجريدة خاص، ولا سلطان للحى عليه". وقرر إرسال بعض عمال النظافة والتجميل لكنس الشارع ظاهريا فقط.

ولأن حالة المنطقة بأكملها كانت سيئة لدرجة تصيب بالكآبة فعلا، توجهت لمكتب مدير مديرية الطرق بالقاهرة، وقلت له مباشرة أننا سنفتح مقر جريدة الأسبوع بعد يومين، ورئيس الحى اكتفى بكنس الشارع فقط. وأضفت: "لكن ما لا تعرفه أن كلا من السيد صفوت الشريف والدكتور عبدالرحيم شحاتة هم من يفتتحان المقر".

انتفض الرجل وقال: "أنا تحت أمرك، ماذا تريد أن نفعل؟". فقلت له: "وضع الشارع ورغم أهميته ومجاورته مكتب النائب العام مزرٍ جدا، فكل شيء غير لائق، من حالة الأرصفة، للكهرباء، للأشجار، لفوضى المرور، ولم يتبق على الافتتاح سوى يومين فقط". فقال الرجل: "لا تقلق سيتغير الوضع فورا".

وبعد ساعات؛ كانت معدات ثقيلة تتحرك للمنطقة، ومعدات رصف الطرق كاملة وهى تحمل الأسفلت والمازوت، وسيارات نقل تحمل البلدورات وأخرى للبلاط، وبدأ العمل فورا على طريقة فيلم زواج بقرار جمهوري، وفي أقل من 24 ساعة تبدلت أحوال شارع شمبليون، بلدورات جديدة، ورصف ودهانات وتخطيط، الأشجار تم تهذيبها، بوكس الكهرباء الذى كانت نصف أسلاكه خارجه تم تغييره وجيء بآخر جديد خرج من كرتونته خصيصا، أضيئت كشافات الانارة لأول مرة.

وفي يوم الافتتاح، فوجئ الراحل الدكتور عبدالرحيم شحاتة بحالة الشارع، وعند ترحيبى به قال: "استنى يا صديقي دى الناس بتاعتنا مهتمة بيكم أوى". وعندما أمسك بيده الكاتب الكبير محمد مستجاب ليدخله داخل المقر، قال له "استنى يا عم مستجاب خلينى أشوف شغلى"، وقد زاغت عينه في المنطقة، والاندهاش واضح على عينيه.

في ذلك الوقت كانت الفنانة الراحلة معالى زايد جارتنا فى الدور الخامس وقد وقفت في بلكونتها وهى تطلق الزغاريد وتنادي بصوت عالى وتقول "يارب تفتتح مقر جديد كل يوم يا أستاذ مصطفي"

قصة افتتاح مقر جريدة الاسبوع ليست للتسلية أو لإعادة حكاوى التاريخ، لكنها تعكس حالة مازلنا نعاني منها من عدم فهم مسئولي الأحياء والمديريات الخدمية لمهامهم، فقد نسوا أن مهمتهم خدمة المواطنين وليس المسؤولين، وتناسوا أن الله شاهد عليهم وعلى أعمالهم وأن وظيفتهم أمانة يحاسبهم الله عليها.

حالة أخرى من حالات الإهمال تجدها عند النظر إلى منزل كوبرى المشاه من ناحية مترو الانفاق عند الباب الخلفي لجامعة القاهرة، فنجد أنه تم تكسير بلاط الرصيف به منذ قرابة الثلاثة أعوام، ولم يتم تصليحه حتى الآن، لمسافة حوالى 40 مترا فقط، مع العلم أن تكلفة إصلاح هذه المسافة لن تزيد عن ألف جنيه، ومع ذلك تحولت إلى بركة من التراب تغوص فيها أقدام المارة من طلبة وطالبات الجامعة والموظفين، والأطفال، دون أن يهتم مسؤول بإصلاحها، فحظ الطلبة أن لا وجود لمقرات مهمة هناك يمكن أن يفتتحها مسؤولين كبار.