رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبو المعارك.. كيف انتصر الحضري على الجميع؟

جريدة الدستور

«لكل بداية نهاية، هذه سُنة الحياة، والآن بعد تفكير طويل واستخارة الله (عز وجل)، قررت اعتزال اللعب الدولى.. اليوم، بعد ٢٢ سنة و٤ أشهر و١٢ يومًا على مباراتى الأولى بقميص المنتخب الوطنى المصرى، رأيت أنها اللحظة الأنسب لتعليق قفازاتى، بعدما وفقنى الله لتحقيق كل ما حلمت بتحقيقه مع منتخبنا الحبيب، لإسعاد شعبنا المصرى العظيم».
كانت هذه هى الكلمات التى حملها عصام الحضرى إلى جماهير الكرة المصرية فى بيان إعلانه نهاية مسيرة واحدة من أفضل الأساطير التى شهدتها الساحرة المستديرة بالملاعب المصرية.

كسب رهان 22 عامًا من صراع شوبير.. ونادر السيد نقطة تحول فى تاريخه
عندما انضم عصام الحضرى إلى النادى الأهلى عام ١٩٩٦ قادمًا من نادى دمياط، كان ذلك أمرًا مرفوضًا من قبل الحارس الأساسى آنذاك أحمد شوبير، الذى اعتبر هذا الأمر تهديدًا واضحًا لمستقبله وخطوة تمهد لتعطيل مسيرته مع المارد الأحمر.
فى تلك اللحظة بالتحديد، انطلقت قصة خلافات طويلة دامت منذ تلك اللحظة حتى يومنا هذا، فالحارس القديم خرج يصرح ضد إدارة ناديه رافضًا التعاقد مع هذا الحارس الشاب.
كان شوبير وقتها فى مراحله الأخيرة وتعرض لأكثر من إصابة، وكان يُكابر من أجل اللعب والاستمرارية فى الملاعب، تمامًا مثلما كان يفعل الحضرى فى سنواته الأخيرة.
منذ اللحظة الأولى له فى الأهلى وُلد الحضرى كبيرًا، وقبل بصراع الكبار، فواجه عقبات لا تُعد، لكنه نجح فى النهاية بعد كفاح طويل أن يكتب الانتصارات ويسجل أهم الأرقام لأى حارس فى تاريخ مصر.
اعتبر الحضرى فى بداية انضمامه إلى الأحمر تصريحات شوبير بمثابة إعلان صريح للحرب التى قبل بها، وبدأ تحدٍ صعب فسطر أول نجاحاته فيه عندما قدم أداءً رائعًا فى فترة إصابة شوبير أجبره على إعلان هزيمته والخروج من باب الاعتزال ليطوى صفحة صراع الملاعب، ويبدأ بعدها صراع آخر عبر الفضائيات استمر حتى خروج شوبير فى ٢٠١٥ يطلب بشكل فج من الحضرى الاعتزال، عندما قال: «كفاية يا حضرى، احترم تاريخك، واخرج من الباب الكبير، لازم يكون الموسم ده الأخير لك فى الملاعب، لا تهدم تاريخك، نصيحة لوجه الله اعتزل». لكن الحضرى يعرف أكثر منا جميعًا أن لغة شوبير لم تكن لوجه الله، كما زعم شوبير، بل كان هدفه أن يسلبه حلم المشاركة فى المونديال، فكان رده واضحًا وقاسيًا آنذاك بقوله: «مش هعتزل يا شوبير غير لما تموت وموت بغيظك، نفسى أعرف ليه شوبير حاطتنى فى دماغه أنا لعبت ٢٦ مباراة، وماتغلبتش غير فى اتنين فقط الأولى أمام المقاولون، وخرج بعدها شوبير يطالبنى بالاعتزال، والثانية أمس أمام إنبى، وخرج أيضًا بعدها يطالبنى بالاعتزال، وأنا كنت رافض الرد عليه احترامًا لتاريخى، لكن شوبير زودها أوى وأجبرنى على الرد».
ومجددًا عاد الحضرى بعد ثلاثة أعوام ليشارك فى المونديال كأكبر لاعب يشارك فى تاريخ البطولة، ليحرج شوبير ويحقق انتصارًا جديدًا لم يتوقعه أحد، ويعلن بعدها توديع قميص الفراعنة.
كان شوبير بالنسبة للحضرى أول وآخر محطة صراع فى تاريخه الكروى، وبينهما عاش أسطورة حراسة المرمى المصرية الكثير من التحديات الكبيرة، كان أبرزها عقبة تعاقد الأهلى مع حارس مرمى المنتخب والزمالك نادر السيد، الذى مثل نقطة تحول فى مسيرة الحضرى وصنعت الجزء الأهم فى تاريخه.
عندما انضم نادر السيد الحارس الأفضل فى مصر آنذاك، كان الحضرى يعانى تراجعًا كبيرًا فى المستوى، وبدا كإحدى الثغرات فى الفريق التى أدت فقدان كثير من البطولات فى الفترة من ٢٠٠١ حتى ٢٠٠٤، ولما حضر السيد الذى كان بمثابة «البعبع» أو العفريت الذى أحضره مانويل جوزيه ليخلق منافسًا شرسًا للحضرى، تجددت حوافز السد العالى، وعمل بطاقة مضاعفة، واعتبر أن هذا التحدى هو الطريق للعودة مجددًا، قويًا. تسبب وجود نادر السيد على مقاعد البدلاء فى هذه المرحلة، فى ثورة تطور أداء الحضرى وانتقاله من مكانة حراس المرمى الجيدين إلى الحراس الأساطير، فقدم الحضرى فى ٢٠٠٥ أفضل مواسمه منذ انضمامه إلى الأحمر عام ١٩٩٦ وبدأ مع الفريق رحلة جديدة من الأمجاد والانتصارات، أسهم خلالها فى حصد أهم البطولات.
كانت تلك الطفرة التى شهدها مستوى الحضرى السبب الرئيسى فى العودة مجددًا لنيل موقعه فى حراسة مرمى المنتخب، وبينما كان الجميع يراهن على أن عرين المنتخب أصبح جاهزًا لحارس الزمالك المتألق مع بداية الألفية الجديدة عبدالواحد السيد، أعاد نادر السيد، عصام الحضرى إلى قمة مستواه، بل منحه مزيدًا من الصفات القيادية والشخصية والفنية التى لم يكن يعرفها من قبل، فكُتب له أن يكون الأمين على مرمى مصر فى ٣ بطولات إفريقية متتالية والمشاركة فى كأس القارات.

العزيمة هزمت «الإعلام الأحمر والأبيض» والطموح الشخصى انتصر على «الجبلاية»
كثيرة هى تلك العقبات التى اصطدم بها الحضرى فى مشوار حافل بالصعوبات كما الإنجازات، ولعل أصعب تلك المصاعب كانت عندما رحل عن النادى الأهلى فى ٢٠٠٨.
كانت الحرب الإعلامية التى شٌنت على حارس الفراعنة المتوج ببطولة الأمم الإفريقية آنذاك كفيلة بإجباره على الاعتزال والفشل بأى مكان داخل الملعب أو خارجه.
انطلق عدلى القيعى، وخلفه رموز إعلام الأهلى، فى حملة رفعت شعارًا واضحًا: «الخائن»، وظلوا يهاجمون الحارس ويصفون فعلته بأبشع المصطلحات، ويكيلون له اتهامات ضخمت عملية خروجه وتوديعه للأهلى.
نعم أخطا الحضرى، لكن ما سعى إليه إعلام الأهلى ونجح وقتها فى تأجيج مشاعر الجمهور العاطفى، كاد يدمر مشروع الحضرى الذى قدم فيما بعد ما برهن على أنه نموذج فريد، وسنحتاج سنوات طويلة لنكرره، بعدما أصبح العالم أجمع شاهدًا على عطائه وأسطوريته.
طلب الحضرى من الأهلى أكثر من مرة الاحتراف والخروج، ولم يجد ردًا من إدارة كانت أهم نجاحاتها الحفاظ على نجوم الفريق، وكان هذا أهم العوامل التى جعلت الأحمر يحقق البطولات، لكنه ومع تقدم عمره رأى أن السنوات الأخيرة يجب أن يحقق خلالها أكبر مكسب مادى، وهذا استدعى الخروج حتى لو استدعى ذلك صدامًا.
مر الحضرى بظروف نفسية صعبة بعدما فشل فى تحقيق ما أراده من الرحيل إلى دورى أوروبى كبير عقب الفترة القصيرة التى قضاها مع سيون، وكادت حملات أبناء الأهلى تقتله لولا رغبته وإصراره ومحاربته الجميع وحيدًا، بجهده وعطائه، والغريب أن الحضرى الذى يخرج اليوم من أكبر الأبواب مكرمًا من قبل كل المنصات العالمية والمحلية، على رأسها الاتحاد الدولى «فيفا» يشاهد الآن من نعتوه بالخائن وكتبوا عن فعلته أسوأ الكتابات يتخلون عن الأهلى وينضمون لمنظومات إعلامية معادية للأحمر من أجل الهدف ذاته الذى خرج بسببه الحضرى.
بعد أزمة الأهلى التى تمكن الحضرى من تخطيها بفضل إيمانه وطموحه، وجد صعوبات كثيرة فى الزمالك عندما تعاطفت الجماهير والإعلام الأبيض مع عبدالواحد السيد، وطالب الجميع بمشاركة الأخير بدلًا من الحضرى الذين وصفوه بالمنتهى، فلم يجد أى مانع من خوض مقامرة جديدة والرحيل إلى أكثر من نادٍ، مثل الإسماعيلى والمريخ السودانى ليُحقق مجددًا انتصارًا عظيمًا ينحنى أمامه الجميع.
بعد كل هذه المطبات، ظل الحضرى حالمًا رغم تخطيه عامه الأربعين بأن يمثل الفراعنة بالمونديال، فقبل اللعب لأندية متوسطة مثل وادى دجلة، وتمسك بالانضمام للمنتخب رغم كل الحملات التى طالبته بالاعتزال، وحتى رجال الجبلاية الذين لم يرغبوا فى مشاركته وانضمامه لم يجدوا وسيلة لمنع الأرجنتينى هيكتور كوبر من ضمه خلال مشوار التصفيات، خاصة أن تلك الفترة شهدت سقوطًا مخزيًا للحارسين الأساسيين أحمد الشناوى وشريف إكرامى، وعاد مجددًا للتألق وصناعة الأمجاد.
الفصل الأخير من الصراعات فى مشوار الحضرى كان فى مونديال موسكو، ومثل هذا المشهد المحطة الفاصلة التى قرر عندها الحضرى التوقف، وإعلان تسليم الراية بعد تاريخ كبير من الكفاح.
فى روسيا كان أعضاء الجبلاية رافضين تمامًا فكرة مشاركة الحضرى على حساب محمد الشناوى، ورأوا أو زعموا أنه ما يجب أن تشهد تشكيلة الفراعنة مجاملة من أجل تجنب الخسارة أمام السعودية.
قبل مباراة السعودية بيوم واحد جلست زوجة عصام الحضرى داخل الفندق وسط زوجات بعض اللاعبين وأعضاء اتحاد الكرة، ولما تحدثت وطلبت مشاركة زوجها من أجل الرقم التاريخى، اعترضت زوجة أحد أعضاء الجبلاية- سنتحفظ على ذكر اسمه- وقالت لها نصًا: «إنتى مالك إنتى، مين يلعب ومين مايلعبش»، الأمر تطور واشتعلت المعركة وقتها، وتحركت زوجة الحضرى ناحيتها ولما بدأت تمد يدها تدخل الحاضرون وأنقذوا الموقف قبل أن تشتد المعركة بشكل يسىء للبعثة.
كان هذا المشهد ضمن مشاهد كثيرة من حرب الحضرى وصراعاته لتحقيق حلمه، فلم يتوقف عن الإلحاح على الجميع فى الجهاز الفنى وأعضاء اتحاد الكرة، ولما استسلموا أمامه كانوا مجبرين- كما قالوا- فى فندق الإقامة وقتها، حيث رأوا أن هذا الرقم سيكون فى صالح مصر، وربما يكون نقطة بيضاء وسط النتائج الصفرية.
شارك الحضرى أمام السعودية رغمًا عن الجميع فى موسكو، وكسب آخر المعارك التى دخلها بإرادته أو رغمًا عنه، ولما شعر مؤخرًا أن خصومته الكبيرة مع أعضاء الجبلاية لن تمنحه أى فرصة لتمثيل المنتخب مرة أخرى، قرر أن يتوقف عند هذه المحطة رغم إيمانه التام بأن الحضرى لا ينتهى أبدًا.