رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حبيبي دائمًا


«الموضوع لا يحتمل التهريج».. هكذا قلت وأنا أضرب جبهتى بيدى، ولا بد من وقفة حاسمة مع النفس، فلم يعد هناك متسع من الوقت، فقد قطف الزمن عامًا من عمرى وسلمنى تسليمًا إلى عام آخر، وبما إن الخمسين على الأبواب فلا بد من وقفة صريحة وواضحة وعنيفة مع النفس كى أراجعها وأنظمها وأعيد ترتيب أولوياتها، لا بد من تجديد الحياة بأشخاص آخرين يصونون العشرة ويحافظون على الأسرار.
ربما لا أتورط من جديد فى علاقات مع بشر مثل أولئك الذين خدعونى وهبشوا يدى التى مددتها إليهم، ربما أنجح فى اختيار صديق أو صديقة، قواعد الاستيقاظ من النوم والخلود إلى السرير تحتاج تغييرًا، طقوسى المعتادة فى الأكل والشرب والكتابة والقراءة ليست على ما يرام، وتدفقت الأفكار الجديدة، وهيأت نفسى كى أواجه «نفسى» وأعنفها وأصحح أخطاءها، وأسلمتُ جسدى للكنبة منتظرًا النفس أن تأتى، وعندما تأخرتْ كانت أفكارى قد صعدت إلى السقف تحملق فيه! فضغطت على زرار الريموت وفتحت الشاشة على مشهد من فيلم «حبيبى دائما» والأستاذ نور الشريف فى شبابه يحتضن الجميلة بوسى بعد أن عرف بخطورة مرضها، وراح يعدها بأيام حلوة جاية وأحلام وردية قادمة وليال هانئة فى شاليه على البحر، وبينما يختنق بالدموع قالت له بوسى: الموت مش هياخدنى منك يا إبراهيم.
يا دى العذاب ياربى!، هى ناقصة بؤس، وضغطت على نفس الزر، وتركت الكنبة إلى المكتب والحوار بين نور وبوسى يزن فى رأسى، من صاحب هذا الحوار الرومانتيكى يا رب العالمين؟، ما أعرفه أن السيناريو للراحل وفيق الصبان، ولأننى لا أثق فى معلومات «جوجول» فقد غرقتُ فى المكتبة حتى عثرت على كنز كان مدفونًا وسط الكتب رغم ضخامته، إنه كتاب «مبدعات تليفزيونيات» للناقدة ماجدة موريس الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة، واكتشفت مفاجأة لم تخطر على بالى، فصاحبة الحوار هى الأستاذة «كوثر هيكل» التى كتبت السيناريو والحوار البديع لفيلم «إمبراطورية ميم»، وصاحبة مجموعات سيناريوهات غاية فى الأهمية «العذراء والشعر الأبيض، دمى ودموعى وابتسامتى» عن أعمال لإحسان عبدالقدوس، وفيلم «على ورق سوليفان» عن قصة ليوسف إدريس، بالإضافة إلى عشرات الأعمال الدرامية التليفزيونية ثم العودة عام ٢٠١٠ مجددًا إلى السينما بفيلم «العاشقان» فى أول تجربة إخراجية للراحل نور الشريف الذى شارك بوسى البطولة فى عودة أو حنين إلى عام ١٩٧٩ حين اشترك الثلاثة فى تقديم «حبيبى دائمًا».
ولم تتوقف مفاجآت ماجدة موريس فى كتابها، الذى خصصته للحديث عن جيل الستينيات من مبدعات مصر فى مجال الكتابة والإخراج الدرامى والتسجيلى والرسومات المتحركة، وتحكى ماجدة فى مقدمة الكتاب عن العصر الذهبى للتليفزيون المصرى وكيف كان قلعة ومنارة عظيمة لها قواعدها، وتتوقف طويلًا أمام مبدعات الكتابة التليفزيونية «كوثر هيكل، وفية خيرى، فتحية العسال»، وفى مجال الإخراج ترصد تجربة مجيدة نجم، وعلية ياسين، وشويكار زكريا، وعلوية زكى التى قدمت مسلسل «عبدالله النديم» عن رواية أبوالمعاطى أبوالنجا «العودة للمنفى»، و«اللسان المُر» عن قصة عبدالوهاب الأسوانى، و«نهاية العالم ليست غدًا» عن قصة وسيناريو يسرى الجندى، إلى جانب إخراج عدد من الأفلام التليفزيونية منها «القانون لا يعرف عائشة» عن قصة نادية رشاد.
وتأخذنا ماجدة موريس إلى مخرجات الأفلام التسجيلية سعدية غنيم، شويكار خليفة، سميحة الغنيمى، وفريدة عرمان التى قدمت ثروة عظيمة من الأفلام الوثائقية عن النيل والمحميات الطبيعية والثروات السمكية والفنية فى مصر، ولا أحد يعرف مصيرها حاليًا، أما شويكار خليفة التى اختارت إخراج أفلام ومسلسلات الرسومات المتحركة، ونجحت قبل سيطرة التكنولوجيا فى إخراج فوازير رمضان مع فهمى عبدالحميد من (١٩٧٧- ١٩٩٠)، ومسلسل «ألف ليلة وليلة» مع نفس المخرج (١٩٨٤- ١٩٩٠) فتحتاج إلى وقفة طويلة بعد أن فتحت ماجدة موريس صفحات رائعة من كفاحها وجهودها حتى تدخل عالم الرسومات المتحركة، وتحقق فيه كل هذا النجاح رغم فقر الإمكانيات، والكتاب فى مجمله وترتيب فصوله وتوفير المعلومات عن كل هؤلاء المبدعات يحتاج وقفة، ربما تغنى تمامًا عن الوقفة مع النفس واستدعاء الذكريات المؤلمة، فهذا البلد العظيم قدم مبدعات يحق لنا الفخر بهن وبجهودهن فى الفن والحياة، وما زال قادرًا على ذلك لو تحررت العقول وتخلصت الفتيات المصريات من أوصياء الدين والعفة والشرف الذين أضاعونا على مدى ثلاثين عامًا أو يزيد.. وعدت يا يوم مولدى وفى يدى أول كتاب غير موجود بمكتبة الصديق محمد الباز، الذى كان يسألنى الأسبوع الماضى عن غياب الكاتبات عن الدراما التليفزيونية.