رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقرأ هى البداية


عام ١٩٦٩ ومن القاهرة بدأ أول معرض للكتاب شاركت فيه عدة دول عربية وأجنبية وضم آلاف الكتب، ولمدة خمسين عامًا لم يتوقف المعرض سوى لأحداث صعبة مرت بها مصر وكان آخرها معرض يناير ٢٠١١، الذى كان مقررًا أن يفتتح فى السادس والعشرين من يناير، وأُجّل إلى السبت ٢٩ يناير ولم يقدر له الافتتاح، وهرب الناشرون يومها إلى المطار تاركين كتبهم وأجنحتهم.. وقدر الله أن أعمل أو أنضم إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب منذ عام ٨٩ وحتى عام ٢٠٠٤، حيث كانت آخر فعاليات للمعرض شاركت فيها.

على مسيرة ٤٩ عامًا شهد هذا الحدث الثقافى المهم تطورات مهمة، حيث تحول من سوق للكتاب إلى أكبر مهرجان ثقافى عربى وربما دولى يحرص رؤساء وحكام دول على حضوره وينتظر كبار الكتاب والشعراء لياليه ويتابعه سياسيون من كل الطوائف حرصًا على المشاركة فى ندواته، وأذكر أنه فى آخر أعوام عملى به كان البرنامج الثقافى يضم ٣٣ ندوة يوميا فى أحد عشر موقعا للنشاط.. معرض الكتاب يمكن استعراض مسيرته فى كتب ويمكن إعادة نشر ندواته وبث أمسياته، وجميعها تراث مهم أهملناه ولم نمد يد الحفاظ عليه.. أكتب هذا ليس بمناسبة أننا سنشهد بدايات العام القادم الدورة الستين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، ولكن أيضا لنبحث معا جانبا مهما من جوانب إعادة بناء الإنسان المصرى.
المبادرة التى أطلقها الرئيس تضم ثلاثة محاور تتم من خلالها إعادة بناء الإنسان، الثقافة والصحة والتعليم. أطلق الرئيس مشروعا مهما لتطوير التعليم وأيضا أطلق مشروعا مهما للعلاج والتأمين الصحى، ويتبقى هنا المشروع القومى للثقافة.. فى المؤتمر الأخير للشباب تحدث مشاركون عن إعادة هيكلة وزارة الثقافة.. ويبدو أن مصطلح إعادة الهيكلة يظن البعض أنه مفتاح النجاة، ولكن يجب أن ننظر إلى الدور الحقيقى الذى تقوم به وزارة الثقافة، وعلى رأسها اليوم فنانة، وقد شهدت الوزارة أهم فترات نجاحها وقت أن كان فاروق حسنى الفنان يتولى منصب الوزير.. وزارة الثقافة مهمتها إعداد المثقف الذى يتولى رسالة التثقيف أمام مهمة التثقيف ذاتها، فيجب أن تشارك فيها جهات حكومية كثيرة، ولنتبع المنهج السماوى عندما أراد الله سبحانه وتعالى تكليف المصطفى بالرسالة كان أول أمر إلهى له «اقرأ»، بها بدأ التكليف الإلهى، و«اقرأ» هى التى يجب أن نبدأ من عندها.. كيف نقرأ وماذا نقرأ وأين نقرأ ومن أين نشترى ما نقرأ؟.. أسئلة متعددة دفعتنى لأن أقدم لكم مقترحًا حول أولى خطوات التثقيف.. تعلمت أجيال المبدعين الكبار القراءة فى الكتاب وظلت عصا الشيخ تهددهم حتى أصبحوا كبار مبدعينا.. لم يكتف زويل ولا علماؤنا الكبار فى مجالات عديدة بعيدة عن الأدب بكتب العلم المتخصصة فقط، بل كانت لديهم مكتبات قيّمة تضم مئات العناوين للكتب الإبداعية.
لنبدأ إطلاق مبادرة عام للقراءة والكتابة، وليكن العام القادم بمناسبة مرور خمسين عاما على بداية مسيرة معرض القاهرة الدولى للكتاب.. ولتكن شرارة إطلاق العام هى لقاء الرئيس المثقفين فى المعرض القادم.. وقد بدأنا مجموعة من الأصدقاء إنشاء جمعية أصدقاء الكتاب لنضع برنامجا تفصيليا للاحتفال بهذا العام وبرعاية من مثقفين ورجال أعمال.. لنبدأ حملة اقرأ فى كل مكان.. المنزل.. المدرسة.. المستشفى.. المقهى.. يجب أن تلزم كل مدرسة بإعادة إحياء مكتبة الفصل، وأن يضم كل فصل دراسى مكتبة مستقلة به يشارك فيها الطلاب كل بكتاب.. لو أن كل طالب تبرع بكتاب، إذا استطاع، لأصبح لدينا على الأقل عشرة ملايين كتاب فى مكتبات المدارس، ولو تبرع كل مدرس بكتاب لأصبحت لدينا ملايين أخرى، ولو وجهت وزارة التعليم بعض تكاليف مؤتمرات الفنادق الفخمة والرحلات إلى إعادة الهيبة مرة أخرى إلى حجرة المكتبة فى كل مدرسة لأقبل عليها الطلاب، وكان لدينا فى الستينيات فى أفقر القرى فصل مخصص للقراءة والمكتبة، وكانت لدينا مكتبة صغيرة فى كل فصل.
البداية من المدرسة الابتدائية.. لو قرأ كل طالب كتابين فقط فى العام لخرج إلى الإعدادية ولديه حصيلة عشر روايات أو مسرحيات أو كتب قيمة.
المدرسة هى البداية بجهد مشترك من أولياء الأمور الحريصين على تعليم أولادهم السباحة والرياضة والرحلات، ولم يفكروا فى إضافة مهمة تنمى العقول وهى تدريبهم على القراءة.. لدينا أربعة آلاف مركز شباب لو تم تزويد كل مركز بمائة عنوان سنويا فهذا أفضل من ماراثون الجرى حول الهرم، وأعتقد أن الصديق الوزير د. أشرف صبحى لن يتأخر فى ذلك، لو تم ذلك سيكون لدينا ٤٠ مليون كتاب فى مكتبات وزارة الشباب ومثلها فى التعليم، وتعالوا إلى انتشار عدوى القراءة بعد ذلك، لماذا لا يكون من شروط ترخيص المقاهى الكبرى وجود جناح صغير للكتب والصحف، وكما يحرص على الحصول على ترخيص لتدخين الشيشة، فالأولى الكتاب.. ضعوا الكتاب فى كل مكان فى محطات المترو والمستشفيات والمقاهى.. ادفعوا الناس للقراءة لنحصل على شعب واع.. وقتها لن نحتاج إلى محاربة الشائعات الفيسبوكية، لأننا سنحول العقول الفارغة إلى عقول تمتلئ ثقافة ومعرفة.
أدعو رجال الأعمال إلى التبرع لإقامة مكتبات عامة وأدعو المؤسسات الكبرى أن تحذو نحو ذلك، وأدعو الأزهر الشريف والكنيسة إلى تنمية وتطوير مكتبات المساجد والكنائس.. أعيدوا المكتبات المتنقلة التى كانت تصل إلى الأماكن العشوائية والقرى والنجوع.. أعيدوا مشروع مكتبة الأسرة التى قدمت أهم مصادر الإبداع والتراث بجنيهات قليلة جعلتنا جميعا نمتلك مكتبات صغيرة فى بيوتنا.
لن تسقط أمة تقرأ فتعرف حقوقها وواجباتها وتشغل وقت فراغها.
أمامنا فرصة لنبدأ.. رئيس يحرص على إعادة بناء الإنسان، واحتفالية بخمسين عاما على أهم حدث ثقافى فى العالم العربى.. ولدينا مئات المبدعين من الشباب يمتلكون آلافا من مشروعات الكتب.. تخيلوا لو تبنى رجال الأعمال هؤلاء المبدعين ماذا ستمتلك المكتبة العربية والمصرية من إبداعات؟.. «اقرأ» هى البداية لإعادة امتلاك مصر قوتها الناعمة فى القصة والرواية والدراما والمسرح والأغنية.