رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. عندما بكى أحمد مظهر


لكل مكان حكاية، ولكل شارع وحارة أو مبنى قصة، ولحوارى مصر تحديدا قصص وحكايات عظيمة، ومن عظمتها تحول بعضها لقصص درامية حملت أسماء تلك الحوارى، أو المناطق، وشاهدنا أفلاما ومسلسلات كثيرة تحكى قصص وحكايات، ليس شرطا ان تكون قصص واقعية دارت أحداثها داخل هذه الشوارع أو الحواري، لكنها حكت ووثقت جزء من تاريخ مصر من خلال حدوتة أو قصة.

أنا هحكى النهارده جزء من هذا التاريخ، لكنه خاص بحدث قريب كنت أحد معاصريه، وهو محور 26 يوليو الذى تم انشاءه فى مطلع الألفية الجديدة وأشرف على إنشائه الوزير المتهم بالفساد محمد إبراهيم سليمان، وصاحب القرار هو الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.

فبعد نجاح تجربة مدينتى 6 أكتوبر والشيخ زايد، وزيادة زحف المواطنين للسكن بهما، وكذلك نجاح المدينة الصناعية بـ6 أكتوبر، لم يكن هناك طريقا يصل لهذين المدينتين - اكتوبر وزايد - سوى شارعى الهرم وفيصل واللذان لم يتحملا الضغط المرورى المتزايد مع زيادة عدد السكان والمترددين فكان القرار بإنشاء محور 26 يوليو ليختصر المسافة بين وسط العاصمة والطريق الصحراوى ومنه الى الشيخ زايد ثم اكتوبر.

وقبل أن تشرع شركات المقاولات التابعة للدولة في الإنشاء وبعد الإعلان عن خط سير المحور الجديد فوجئ وزير الإسكان إبراهيم سليمان بطلب إحاطة ضدة قدمه أمام البرلمان النائب الشهير ياسين سراج الدين الشقيق الأصغر للباشا فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد وآخر وزير داخلية قبل ثورة يوليو، وقد ارتبك ابراهيم سليمان فعلا، وكانت الاتهامات الموجهة إليه، هى أن تمييزا حدث للكبار في تحديد خط سير المحور، كنوع من المجاملة لضامن عدم المساس بأراضيهم التي سيقطعها المحور ويقسم بعضها نصفين.

وزاد من ورطة الوزير ظهور الفنان الكبير أحمد مظهر في أحد البرامج وهو يشكو من تعنت الوزير ضده باعتبار أنه هو المقصود باختيار خط السير من أمام منزله بمنطقة المنصورية، وزاد من غضب الناس دموع الفنان الكبير أمام المشاهدين خاصة حين قال انه خدم هذا البلد وقدم له الكثير وذكر الناس بأنه كان أحد الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة يوليو 52 وانقلبت الدنيا هجوما على وزير الاسكان، وكتبت عشرات المقالات دفاعا عن أحمد مظهر، واستضافت بعض القنوات فنان الأوبرا حسن كامي الذي اشتكى هو ايضا من تعنت الوزارة ضده لأنه يمتلك هو ايضا فيلا في المكان ذاته.

لا أنكر ان جميعنا تأثر بدموع مظهر ونداءات كامى، وتوجه الرأى العام كله ضد وزير الإسكان ووصل الأمر أننا فى زيارتنا المشروع أثناء تنفيذه بصحبة الوزير ومكتب اعلام الوزارة تم حدفنا بالطوب والحجارة أكثر من مرة، ولم يكن تغير مسار المحور هو المطلب الوحيد لطلب الاحاطة، بل ان طلبا اخر اقسم وزير الإسكان على عدم تلبيته وهو إنشاء مطالع ومنازل للسيارات بطول الطريق، وكان سبب رفض الوزير أن هذه المنازل والمطالع سوف تقضي على الرقعة الزراعية بتحويل الأراضي مبان عشوائية على جانبي المحور المرتفع عن سطح الأرض بثمانية أمتار.

وقبل عرض طلب الاحاطة أمام الجلسة العامة للبرلمان عقدت لجنة الادارة المحلية والإسكان في مجلس الشعب جلسة مهمة دعى فيها المهندس الاستشارى للمشروع وهو الدكتور احمد محرم صاحب اشهر مكتب استشاري هندسي ( محرم – باخوم ) وهو المهندس الاستشارى للمشروع وهو ايضا مصمم مصنع الحديد والصلب بحلوان بالإضافة لعشرات المصانع الكبرى في الستينات. منها كوبري 6 أكتوبر ومحور 15 مايو وشبكة مترو أنفاق القاهرة ودبي ووزير اسكان في عهد الزعيم جمال عبد الناصر.

وفوجئنا بعصبية الدكتور محرم وغضبة من الاتهامات التي طالت المشروع وقد حضر بالخرائط المساحية والتصوير الجوى للمنطقة وشرح الرجل بكل دقة تفاصيل المشروع وكشف عن تصدير انطباع للناس عكس ما حدث على أرض الواقع، حيث أن بداية المحور من ميدان لبنان بشكله الحالى يتجه يمينا ثم يستقيم فى اتجاه الطريق الصحراوى، والاتجاه يمينا عند بدايته هو الذى أغضب الفنان احمد مظهر والذي قاد حملة تسويق غضبة للرأى العام شقيقة شهاب مظهر أحد كبار ملاك الأراضي في المنطقة، بينما كان غضب الفنان حسن كامى هو أن أحد أعمدة كوبرى المحور يقع في حديقة فيلته.

بينما كشف الدكتور أحمد محرم أن اختيار خط سير المحور باتجاه ترعة غير مستغلة وفر إزالة 400 منزل إذا ما اتجه المحور في خط مستقيم من بدايتة عند ميدان لبنان، ليس هذا فحسب بل انفعل الدكتور محرم أمام لجنة مجلس الشعب، وأكد أن اختياره للطريق جاء على حساب اقتطاع جزء من معسكر الأمن المركزى ولم يعترض أحد، كما أن الطريق اقتطع جزءا كبير من أراضي يمتلكها رجل الاعمال محمد أبو العينين، ولم يعترض أيضا.

وانتهت لجنة البرلمان بإسقاط طلب الاحاطة وبراءة الوزير، وسارع الوزير في تنفيذ المحور وقام بتعطيل المشروعات الأقل أهمية على مستوى المحافظات لتنفيذ رغبة الرئيس في افتتاح المحور قبل الصيف فبدلا من تنفيذه في 16 شهرا، تم اختصار المدة إلى 4 أشهر فقط، وعند الافتتاح ألغى مبارك فكرة ربط مترو الإنفاق بمدينة 6 أكتوبر حين قال: مش عاوز مترو أنا عاوز أفضي القاهرة واللى يروح أكتوبر يشتغل ما يرجعش آخر اليوم، فتم الغاء مشروع المترو الذي كان مخصصا له الحارة الوسطى من الطريق.

ومن أسرار إنشاء المحور أيضا، خدعة وقعت فيها أنا من أحد وكلاء وزارة الإسكان، الذي أعطاني تصريح خاص بأنه "في حالة عدم سداد رجال أعمال المدينة الصناعية بـ 6 أكتوبر لحصتهم في إنشاء المحور؛ سوف تضطر الوزارة إلى إنشاء بوابات عبور برسوم، وبعد نشر التصريح سارع رجال الأعمال في دفع ما عليهم، وعاد وكيل الوزارة لنفي الخبر لي أيضا، وقال: "كنت عاوز اخوفهم عشان يدفعوا".

وإلى حكاية أخرى.