رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا أبيفانوس تلميذ وفي لتعاليم متى المسكين

 الأنبا أبيفانيوس
الأنبا أبيفانيوس

يُعرف الأنبا أبيفانيوس بأنه التلميذ النجيب، وأبرز تلاميذ الأب متى المسكين، رئيس دير الأنبا مقار الأسبق، لذا كان كثيرًا ما يتحدث فى عظاته ومناقشاته عن تعاليم أستاذه، ويصر دائمًا على إحياء تذكار أستاذه الراحل، وخلال التذكار العاشر لنياحة الأب متى المسكين (توفى ٨ يونيو ٢٠٠٦)، خصص الأنبا أبيفانيوس عظة عن حياته وتعاليمه.

كلمة الأنبا أبيفانيوس تلك جاءت بعنوان: «الأب متى المسكين والانفتاح على الكنيسة الجامعة»، قال فيها: «أبانا متى المسكين هو المعلم الذى تتلمذنا على يديه وتعلمنا منه الكثير، وما زلنا كل يوم نتعلم من كتاباته وسيرته التى تركها لنا زخرًا للكنيسة الجامعة، فقد ترك ميراثًا روحيًا وإنسانيًا، لا ندعى أننا استطعنا أن نستوعبه كله أو حتى ندرك أبعاده».

وأضاف الأنبا أبيفانيوس: «أشعر أن لكتابات الأب متى المسكين أكبر الأثر فىّ، ومن الصعب على غير الدارسين لتاريخ الكنيسة القبطية فى العصر الحديث أن يدركوا مدى الأثر الذى تركه فى نظرة الأقباط للكنائس الأخرى، أو مدى تأثيره فى الحياة الرهبانية وفى حقل الدراسات الإنجيلية والآبائية فى مصر».

وأوضح: «فى النصف الأول من القرن العشرين بدأت فى مصر حركة مدارس الأحد التى كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثل فى كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أى دراسات آبائية معروفة أو تفاسير الكتاب المقدس فى يد القارئ القبطى باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كُتاب من الكنائس البروتستانتية، ومن هذه الكتابات وأكثرها شيوعًا تفاسير ماثيو هنرى، وعلى هذه الكتابات تتلمذ معظم قادة الكنيسة فى هذا الوقت».

وأضاف الأسقف الراحل فى ذكرى أستاذه العاشرة: «وفى حقل الدراسات اللاهوتية، لم تكن الكنيسة تعرف سوى كتاب علم اللاهوت، تأليف القمص ميخائيل مينا، الذى كتبه فى ١٩٣٨، وكان يتبع اللاهوت الغربى، لكن بين عامى ١٩٥١ و١٩٥٣، صدر للأب متى المسكين كتاب (حياة الصلاة الأرثوذكسية)، وهو أول كتاب يصدر له بعد تكريس حياته للرهبنة بثلاث سنوات».

وتابع: «وكان لهذا الكتاب صدى واسع عند الناطقين باللغة العربية داخل مصر وخارجها، حتى إن المطران جورج خضر، بجبل لبنان للروم الأرثوذكس، قال إنه أول كتاب فى العصر الحديث لكاتب قبطى يتتلمذ عليه رهبان الروم، إذ لم يكن هذا الكتاب مجرد بحث فى أصول الروحانية الأرثوذكسية، بل كان نافذة أطل منها الأقباط على ماضى حياتهم الروحية والرهبانية والآبائية، وكان له تأثير بالغ فى حياة الأقباط، الذين صار منهم قادة للكنيسة بعد ذلك، وتمت ترجمته للإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأوكرانية»، وفق الأسقف.

وأشار إلى أن هذا الكتاب «ذكر أقوالًا لقديسين من غير الأقباط، أى من الكنيسة الجامعة، مثل القديس جريجورس الكبير والقديس يوحنا الدمشقى، ما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى، والتى كنا ننظر إليها لسنوات طويلة على أنها كنائس معادية لنا، فإذا بنا نقرأ سير قديسيها وأقوالهم ونتمثل بحياتهم، وكان هذا إيذانًا بقبولنا الآخر، الذى لم تستطع المجامع المسكونية حتى الآن أن تحققه».

من هو الأب متي المسكين؟
الأب متى المسكين، هو الراهب الذى أحبه الجميع بالرغم من اختلافه فكريًا مع أكبر قيادات الكنسية، والذى كان له فكره المنفرد فى الكتابة والحياة، وشخصيته القوية التى جعلته يقف بقراراته بصرامة ويحارب عنها بعزيمة أمام كبار قيادات الكنيسة، ومنهم البابا الراحل كيرلس السادس والبابا الراحل شنودة الثالث، وبالرغم من ذلك قيل عنه إنه أحد رموز وكنوز الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

ويعد الأب متى المسكين من أكثر رهبان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية جدلًا في الشارع القبطي بسبب حرصه على خلق منهج خاص برهبان دير الأنبا مقار، وأسلوب كتابته الذى اعترض معها قيادات الكنيسة فكريًا، بالإضافة إلى تمسكه ببعض الأفكار وتنفيذها بالرغم من الاعتراض، مما أدى إلى حرمانه من الرهبنة لمدة 9 سنوات بقرار المجمع المقدس.

ولد الأب متى المسكين "يوسف إسكندر يوسف" يوم 20 سبتمبر عام 1919 في أسرة كبيرة عددًا، فقيرة معيشةً، التحق بمدرس شبين الكوم الثانوية 1935، ثم تخرج في كلية الصيدلة عام 1944، وبعد تخرجه تعيَّن بالتكليف العسكري في المستشفيات الحكومية، ثم بعدها انخرط في العمل الحر، فقام بإدارة أجزخانة في الإسكندرية، ثم فتح أجزخانة في دمنهور، ونجح في عمله حتى 1948.

وانطلق إلى دير الأنبا صموئيل بصحراء القلمون في مايو 1948، واختاره لكونه الأفقر والأبعد عن العُمران، وقضى في الدير ثلاث سنوات، حيث ترهّب فيه على يد القمص مينا الصموئيلي رئيس الدير.

ولكن رفض البعض أسلوبه وقراراته، فحاول ترك الخدمة مرتين، ثم تمت إقالته وإعفاcه من الوكالة بواسطة البابا يوساب الثاني عام 1955، فعاد إلى المغارة بوادي النطرون وتكاثر حوله بعض الرهبان، ثم بعد ذلك عاد معهم إلى دير الأنبا صموئيل وظلوا هناك ثلاث سنوات.

وفي عام 1957 رشح للبطريركية ضمن مجموعة من الرهبان، ولم يتم ذلك بسبب لائحة 1957، وفي عام 1958 أنشأ القمص متى بيتًا للمكرسين من الشباب المتبتل الذين يرغبون في الخدمة- دون الرهبنة- وكان مقره المؤقت في حدائق القبة، ثم انتقل في أوائل عام 1959 إلى حلوان، ،توجه أبونا متى من دير الأنبا صموئيل في 27 يناير 1960 مع 12 راهبًا إلى بيت التكريس في حلوان، وأقاموا فيه بصورة مؤقتة لحين صدور توجيهات البابا كيرلس السادس لاختيار الدير الذي يناسبهم.

ولكن صدر قرار بطردهم من القاهرة "حيث عزله البابا كيرلس السادس من الرهبنة والكهنوت لمدة 9 سنوات"، فتوجهوا إلى صحراء وادي الريان وحفروا مغائر عاشوا بها لمدة تسع سنوات، وكان بعض المعارف يرسلون لهم طعامًا كل شهرين على قوافل جِمال، وفي تلك الفترة أعلن الأنبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان في جريدة الأهرام تجريد هؤلاء الرهبان من رتبهم وأسمائهم الرهبانية.

وبعد ستة سنوات، أرسل البابا كيرلس السادس خطابًا له يطلب منه إرسال ثلاثة رهبان لدير الأنبا صموئيل، فتم ذلك، وبعد ثلاث سنوات أخرى طلب البابا كيرلس لقاء مع القمص متى عام 1969 لإجراء المصالحة وإعادته للرهبنة، يوم 9 مايو 1969، وتم إلحاقهم بدير القديس أنبا مقار، وذلك في حضور الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس الدير.

وبدأ الراهب متى في مسئولية إعادة إعمار الدير وإعادة تخطيطه، وإدارة شئون الدير والرهبان والعمال والزراعة والإنتاج الحيواني في سنة 1971، ورشح مرة أخرى للبطريركية ضمن 9 من الآباء، ولكن ذلك لم يتم.

ورحل الأب متى المسكين عن العالم يوم الخميس الموافق 8 يونيو 2006 عن عمر يناهز 87 عامًا، ودفن في مغارة في صخرة ضمن الأسوار المحيطة بأرض الدير، اختار مكانها قبل نياحته بثلاث سنوات، حيث نشر رهبان الدير في بعض الجرائد أنه ترك وصية بأن لا تصلي عليه أية قيادات كنسية، إنما يصلي عليه رهبان الدير فقط.