رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إهانة القديس!


اللاعب محمد أبوتريكة ليس هو المقصود بوصف القديس، فإن كان البعض يتعبد لهذا الصنم ويعتبر الاقتراب منه خطيئة تستوجب الاستغفار، فإن عشرات القديسين ظهروا فى البر والبحر وجوف القبر، حيث آلاف الأنصار والمشايعين والمؤيدين بالروح والدم، وسأكون كاذبًا لو زعمت معرفتى بظهور كل هذه الأصنام من القديسين والأولياء الصالحين الذين انتشروا حولنا كالجراد، فالمصادفة وحدها يا صديقى أوقعتنى فى عدد منهم دون قصد، فلم يسبق لأحدهم أن كان نبيًا أو معصومًا، ومع ذلك خرجتْ الضباع والحيات تعوى وتنهش جسمى بمجرد الاقتراب، فقط الاقتراب، وإليك مختصر ما جرى:
- انتقدتُ قصائد لشاعر من جيل السبعينيات، فقاطعنى جمع غير غفير من أصدقائى الذين يحبون الشاعر حبًا جمًا!
- عثرتُ على أحد مؤلفات عباس الأسوانى وعاتبتُ ابنه، الكاتب علاء الأسوانى، لعدم نشر إنتاج والده، فهاج أولتراس علاء الأسوانى هيجانًا غير مسبوق واتهمونى بالعمالة وخيانة الوطن!
- عرضتُ مقالًا لمحمود السعدنى حمل تجريحًا فى الكاتب عباس الأسوانى بلغ حد التعريض بالرجل ومعايرته بأصله، فهجم آل السعدنى علىّ هجوم أفيال بزلومة ضخمة!، جاءوا من كل صوب بألفاظ وشتائم تصلح لكتابة قاموس جديد فى فن البذاءة!
شىء مرعب، أقول لنفسى الآن وأنا أضرب كفًا بكف غير مصدق أن تقديس الأشخاص وصل بالبعض إلى هذا المستوى من فقدان العقل والبصيرة!، كل ذلك فى أقل من شهر، وكأن هناك اتفاقًا بين عبدة الأصنام وتقديس الأشخاص للخروج من كل حارة وشارع لبقر بطن أى واحد يتكلم كلمة واحدة عن الإله بتاعهم!
هذا ليس قدرى بمفردى، وليس قدر عشرات من الزملاء فى المهنة يتعرضون لحملات مشابهة دفاعًا وقتالًا عن «قديسين وأصنام»، لكنه أيضًا قدر صحيفة الدستور التى أزعجت الكثيرين وأقلقت مضاجعهم، فقرروا شن حرب شاملة تستهدف كتّابها وصحفييها، فقبل كل هذه الوقائع بأيام كانت كتائب إلكترونية ممولة تشن حملة هجوم ضد محمد الباز بعد الاقتراب من ملفات الفساد فى مستشفى سبعة وخمسين لمديرها شريف أبوالنجا.
وحولى وحولك عدد لا بأس به من مثقفين وموظفين وصحفيين وصنايعية وقهوجية يتشدقون ليل نهار بالديمقراطية وحرية التعبير وفتح المنابر والهجص ده، فإن اقتربتْ من أصنامهم تركوا الديمقراطية على الكنبة وهبوا هبة رجل واحد لتعليمك الأدب!، فليس معنى الديمقراطية أن تقترب من الصنم المقدس!، ولا أخفيك سرًا فقد تعرضت كثيرًا لنقد وتجريح، لكننى لأول مرة أشعر بالحزن والغم والنكد بسبب هجوم «آل السعدنى» على شخصى وعائلتى وأصدقائى أيضًا، فما حدث من «السعادنة»- كما اطلقوا على أنفسهم- أثار الرعب فى قلبى على الكتابة ومستقبلها!، فمن يصدق أن محمود السعدنى الذى صنع كل هذا الحضور فى عصره، وحصل على لقب «العم» يكون هؤلاء هم حماة عرشه والمدافعين عن مجده؟!
كنتُ أندهش من بعض أصدقائى الناصريين الذين يحرصون على وضع صور أو تماثيل لعبدالناصر فى بيوتهم وفى أدراج مكاتبهم ومحافظ النقود وميداليات المفاتيح، كنتُ أرى ذلك نوعًا من التقديس الذى «يعمى ويصم» كما قال النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حب يتحول إلى مرض يجعل صاحبه متحفزًا دائمًا، شارعًا أسلحته دفاعًا وقتالًا عمن يحب ويهوى ويتصوره إلهًا أو صنمًا، أقول إن دهشتى تلك زالت تمامًا، واستغرابى تحول إلى إعجاب، فهؤلاء يقدسون زعيمًا كانت له شنة ورنة وتحمله الجماهير على أعناقهم فى العواصم العربية، فماذا عن محمود السعدنى وعلاء الأسوانى وعبدالمنعم رمضان؟
تعددت الأصنام ولكل منها «أولتراس» يحرسها ويعوى ويزأر ويصفر لونه إن ورد اسم الصنم الخاص به فى عبارة أو جملة مفيدة!، فلو صادفك هذا المقال فوصيتى لك أن تستأجر لنفسك «أولتراس» خاصًا بك، تمامًا كما يفعل المشاهير الذين تشاهدهم محاطين برجال غلاظ أشداء يمسكون بأجهزة اللاسلكى، فالعيال فى الشارع بتاعك دلوقتى تقدر تعمل لك فضيحة على السوشيال ميديا، يقدروا يهجموا عليك وعلى اللى خلفوك إن اعترضت على كسر زجاج النافذة بطوبة قذفها أحدهم للمرة العاشرة على بيتك!