رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب يهاجم ميركل.. يساند ماي.. ويلعب مع بوتين!


هجومه على «حلفائه»، أعضاء حلف شمال الأطلسي الـ٢٩، لم يكن مفاجئًا. وتوبيخه الشديد لهم على عدم التزامهم بزيادة الإنفاق العسكري، كان متوقعًا. لكن المفاجئ وغير المتوقع كان اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لألمانيا بأنها واقعة تحت سيطرة روسيا. وغير أنك ستجد، بعد سطور، ما يجعلك تندهش من هذا الاتهام، فإن دهشتك قد تزداد، وقد تمتزج بقدر من السخرية، حين تعرف أن الرئيس الأمريكي أعلن، وهو يغادر بروكسل، أن قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هلسنكي، ستكون «أسهل» من قمة حلف شمال الأطلسي!.

ترامب، الذي يعتقد أن أمريكا تتعرض للسرقة، لم يكن يخفي هذا الاعتقاد، في سنة رئاسته الأولى، لكنه لم يعلنه بهذا الشكل الفج، إلا بعد رحيل ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، وإتش. آر. ماكماستر، مستشاره للأمن القومي، وجاري كُون مستشاره الاقتصادي. الثلاثة رحلوا وصاروا سابقين، ورحل الغطاء الذي كان يخفي به ترامب ما يدور في ذهنه. وغير هجومه على ألمانيا، فقد سيطر التوتر على الاجتماعات التي شارك فيها ترامب، الثنائية والجماعية، والتي انتهت باقتراحه على الدول الأعضاء زيادة الإنفاق العسكري إلى ٤٪ من إجمالي الناتج المحلي، أي ضعف النسبة التي كانت محددة وهي ٢٪. وفي تغريدة نشرها على «تويتر»، كتب ترامب: «تنفق دول حلف شمال الأطلسي مليارات الدولارات الإضافية منذ زيارتي العام الماضي، بناء على طلبي، لكن هذا لا يكفي. الولايات المتحدة تنفق مبالغ طائلة».

سبق أن نجحت الولايات المتحدة في انتزاع تعهد من أعضاء الحلف، في سبتمبر ٢٠١٦، بتخصيص ٢٪ من إجمالي ناتجها المحلي للإنفاق العسكري. لكن ست دول فقط هي التي التزمت بذلك التعهد من بين دول الحلف التي صار عددها ٢٩، بعد انضمام جمهورية الجبل الأسود، يونيو قبل الماضي. وغير الدول التسع التي قدمت خططًا تؤكد نيتها الالتزام بذلك التعهد مستقبلًا، فإن الأعضاء الـ١٣ الأخرى، وبينها ألمانيا، لم تفعل هذا ولا ذاك. وربما لأنها العضو الأوروبي الأكبر والأكثر ثراء، ترك ترامب الدول كلها واختص ألمانيا وحدها بانتقادات علنية متكررة، وصلت في بعض الأحيان حد الابتزاز الواضح. ونشير هنا، بالمرة، إلى أن الرئيس الأمريكي، سبق أن هدّد، بصراحة أو بوقاحة، بعض دول منطقة الشرق الأوسط بأنها «لن تصمد ‏أسبوعًا دون الحماية الأمريكية»، قبل أن يبتزها ويطالبها بدفع مزيد من الأموال!.‏

الرئيس الأمريكي أمضى اليوم الأول من قمة «الناتو»، في تأنيب الحلفاء لعدم إنفاقهم النسبة المستهدفة على الدفاع، وفي جلسة العمل الأولى للقمة، اتهم برلين بـ«إثراء» روسيا وبأنها جعلت نفسها أسيرة لإمدادات الطاقة الروسية، موضحًا أن ألمانيا «تدفع مليارات الدولارات لروسيا لتأمين إمداداتها بالطاقة». وأكمل في تغريدة على تويتر: «ما فائدة الناتو إذا كانت ألمانيا تدفع مليارات الدولارات لروسيا مقابل الغاز والطاقة؟». ومع ذلك، وبعد أن اجتمع ترامب وميركل على انفراد، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الرئيس الأمريكي أنه يرتبط بـ«علاقات جيدة جدًا» مع المستشارة الألمانية، وأنه بحث معها مشروع خط أنابيب الغاز «نورث ستريم». كما نقلت الوكالة عن «ميركل» قولها إنها «سعيدة لهذه الفرصة لتبادل الآراء مع ترامب.. نحن شركاء جيدون ونأمل أن يستمر تعاوننا في المستقبل»!.

دول الاتحاد الأوروبي تستورد ثلثي استهلاكها من الغاز (حوالي ٦٦٪)، نصفها تقريبًا من روسيا، وبينما يسعى الأوروبيون إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي، جاء مشروع أنبوب الغاز «نورث ستريم» الذي سيربط مباشرة روسيا بألمانيا، ليكون مثار جدل وانقسام في صفوف الأوروبيين، خاصة بعد أن رأت بولندا أنه يهدد أمنها. وبالمثل، كان المشروع محل انتقادات متكررة من الرئيس الأمريكي وطالب، مرارًا، بالتخلي عنه. إلا أن ذلك كله، لا يبرر اتهام «ترامب» لألمانيا بأنها صارت تحت سيطرة روسيا أو بأنها جعلت نفسها أسيرة لإمدادات الطاقة الروسية. ولن أوجع دماغك بتكرار الكلام الكثير، الذي لا يزال يتردد عن اتهام روسيا بالتأثير في انتخابات الرئاسة الأمريكية لصالح «ترامب». فقط، سأشير إلى أن أحد أبرز الأهداف التي سيسعى بوتين إلى تحقيقها خلال القمة المرتقبة، هو التوصل إلى اتفاق، يمنع أي توسع مستقبلي لـ«الناتو»، خاصة في أوروبا ومنطقة القوقاز!.

الاتهام الأمريكي لألمانيا، قد يكون مثيرًا للدهشة بدرجة أكبر، في وجود تأكيدات بأن مخاوف المستشارة الألمانية من صفقة وشيكة قد يعقدها «ترامب» مع «بوتين»، على حساب الاتحاد الأوروبي، هي التي جعلتها تنصح الأوروبيين مؤخرًا بالاعتماد على أنفسهم. وقد يثير دهشتك أن بيتر باير منسق العلاقات مع حلف شمال الأطلسي، في الائتلاف الألماني الحاكم الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، قال في تصريحات، السبت، إن نوابًا وخبراء أمن ألمانيين «يشعرون بقلق متزايد بشأن الاتفاقيات التي يمكن أن يتوصل إليها بوتين وترامب». محذرًا من أن نتائج قمة الرئيس الأمريكي مع الزعيم الكوري الشمالي، في سنغافورة، تثير المخاوف من أن «ترامب» سيعطي «بوتين» الفرصة لكي «يخدعه» في هلسنكي!.

روسيا، التي كانت حاضرة بقوة في هجوم «ترامب» على «ميركل»، والتي كانت أيضًا حاضرة بقوم في هجوم «باير» على «ترامب»، ستكون حاضرة أيضًا في محادثات الأخير مع تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية خلال زيارته، التي بدأت الخميس، للعاصمة البريطانية لندن، وإن كان من المفترض أن تتركز على تداعيات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، بعد ذلك الأسبوع العاصف الذي عاشته «ماي»، إثر استقالة اثنين من وزرائها احتجاجًا على رؤيتها للانسحاب أو الانفصال الناعم، أو خططها للعلاقات التجارية مع الاتحاد، وبعد أن بات احتمال سقوطها، كما أوضحنا، أمس، أقرب من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب رؤيتها لـ«بريكست»، ولكن أيضًا لأن المحافظين ‏يريدون مواجهة خطر وصول جيريمي كوربين، رئيس حزب العمال، إلى رئاسة الحكومة في الانتخابات العامة المقبلة، وهو خطر قائم بالفعل.

كل رؤساء الولايات المتحدة، كانوا يدعمون الاتحاد الأوروبي، ويرون أن لهم مصلحة مباشرة في «أوروبا قوية وموحدة»، لأنها على الأقل تمثل سدًا في وجه القوة الروسية. ووحده الرئيس الأمريكي الحالي، هو الذي زعم أن الاتحاد الأوروبي تم إنشاؤه «من أجل استغلال الولايات المتحدة». وعليه، أيد ترامب انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وأعلن اعتزامه عقد اتفاق شامل للتجارة مع بريطانيا بعد انسحابها، وهو ما اعتبره أنصار الانسحاب واحدًا من أهم مميزات الانسحاب. وربما لهذا السبب استبقت «ماي» زيارة الرئيس الأمريكي ببيان أكدت فيه على قوة العلاقات البريطانية الأمريكية في مجالي التجارة والاستثمار، قالت فيه: «نحن أكبر مستثمر في الاقتصاد الأمريكي وكذلك الولايات المتحدة أكبر مستثمر لدينا»، قبل أن تضيف: «هذا الأسبوع لدينا الفرصة لتعميق هذه العلاقات التجارية الفريدة من نوعها وبدء المناقشات بشأن بناء شراكة تجارية قوية وطموحة وقابلة للبقاء»..

بعد محادثاته مع «ماي»، في «تشاكرز»، مقر الإقامة الريفي الرسمي لرئيسة الوزراء البريطانية، سيتوجه «ترامب» إلى قلعة وندسور، لتناول الشاي مع الملكة إليزابيث (٩٢ سنة). وبعد أن يزور أسكتلندا حيث يملك منتجعين للجولف، سيتوجه، يوم الأحد، إلى العاصمة الفنلندية، هلسنكي، التي ستنعقد فيها قمته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: القمة رقم ٢٢ بين الدولتين، والأولى بين الرئيسين، اللذين سبق أن اجتمعا وجهًا لوجه على هوامش «قمة الدول العشرين» ومؤتمرات دول آسيا وحوض المحيط الهادي.

فنلندا، التي خرجت من حربها مع الجيش الأحمر متعادلة سنة١٩٤٠، ثم عقدت «اتفاقية صداقة» مع الاتحاد السوفيتي، لا يخلو انعقاد القمة المرتقبة في عاصمتها، هلسنكي، من دلالات. إذ شهدت العاصمة الفنلندية سنة ١٩٧٥ التوقيع على «اتفاقية هلسنكي»، التي وافق بموجبها قادة ٣٥ دولة، بينها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، على إنهاء «الحرب الباردة» وتهدئة الأوضاع في أوروبا. وعليه، يمكنك استنتاج أن القمة المقبلة قد تضيف فصلًا جديدًا إلى تلك الاتفاقية، أو أن تلغي كل فصولها السابقة!.