رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوليو يعيد كتابة التاريخ


إنه شهر يوليو.. الشهر الذى عبّر فيه الشعب المصرى عن إرادته واستطاع أن يفرضها على الجميع. فى خمسينيات القرن الماضى كان العالم كله بعيدًا عن أن هناك شعبًا سيستطيع القيام بثورة بيضاء تغير نظام الحكم وتعلن ميلاد أول جمهورية عربية، لتنطلق بعد ذلك الثورات تباعًا من المنطقة العربية إلى إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، وكانت ثورة يوليو هى هاديهم ومرشدهم فى كل تحركاتهم وظل عبدالناصر ملهمًا لقادة كل الثورات من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
يوليو الذى هو ميلاد هذه الثورة العظيمة يبدو أن التاريخ خبأ له أيضًا أحداثًا أخرى هامة، ببعد نحو ستين عامًا من الثورة الأولى وفى ظروف قد تختلف، ومع جيل آخر من الشعب أكثره أحفاد الذين خرجوا مؤيدين للجيش فى ٢٣ يوليو مع اختلاف الظروف والأجيال ومعطيات كثيرة، استطاع الأحفاد أيضًا أن يؤرخوا يوليو جديدًا فى ٢٠١٣، وكما انتظر الشعب بيان ثورة ٥٢ انتظر الشعب أيضًا بيان ثورة يونيو الذى صدر فى يوليو ٢٠١٣ لينهى أسوأ فترة عاشتها مصر فى تاريخها الحديث.. وكان المصريون يدافعون عن حقهم فى حياة كريمة وديمقراطية، وكان الجيش معهم «قادة وضباطًا وجنودًا». تكرر الحدث فى يوليو ٢٠١٣ ليقف قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح السيسى بين ممثلى الأمة عن يمينه ويساره، شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقسية وممثلون للقوات المسلحة ونخب الشعب وممثلون لشعب مصر، ليعلن بيان ثورة يوليو ٢٠١٣.. وكما استطاعت ثورة ٥٢ أن تحول دولًا كثيرة بعد ذلك إلى دول محررة وأن تتحول إلى كابوس لأجهزة معادية ونظم تكره شعوبها، استطاعت أيضًا مصر فى ثورة يونيو وبيان يوليو ٢٠١٣ أن توقظ الشعوب التى داسها قطار الربيع العربى من سباتها، وأن تحول كابوسها إلى حلم فتبدأ تونس وليبيا وسوريا واليمن فى التخلص تباعًا من جماعة الإخوان، وتفطن إلى أن الحرية والكرامة والديمقراطية لن تتحقق إلا مع نظم ديمقراطية حقيقية، ومع جيوش قوية، ومع دول متحدة تحافظ على حدودها، وجيوش للشعب لا للنظم والحكام.
ومرت أعوام ليأتى يوليو ٢٠١٨ وتبدأ مصر أيضًا مرحلة جديدة من التاريخ بعد أن استقرت الأمور واختفى صوت أمريكا والإرهاب وبدأ البناء.. بدأ يوليو جديد وعصر جديد لا شك أنه سيكون أيضًا نقطة تحول فى تاريخ مصر الحديث.. تدخل يوليو الجديد بقائد عسكرى مصرى اختاره الشعب وفوّضه ليبدأ المعركة مع الإرهاب ثم اختاره وفوّضه ليبدأ معركة التعمير والبناء.. وعبر سنوات أربع سابقة خاض السيسى المعركة بكل تفاصيلها وأعاد ترتيب البيت من الداخل وتواصل مع الخارج. ولنقارن بين مصر فى ٢٠١٣ ومصر فى ٢٠١٨ من علاقات خارجية ومكانة دولية. نقارن بين جيش يحاولون دفعه إلى حرب فى سوريا أشبه بمؤامرة اليمن السابقة، وبين جيش أصبح العاشر عالميًا يملك قوة بحرية تمثل المركز الخامس فى العالم، ويمتلك سلاحًا جويًا قادرًا على روع العدو أينما كان، ويملك أفرادًا مؤهلين للدفاع عن أمن مصر القوى فى أى مكان ومهما بعد عن حدود مصر.. ويستطيع أن يساند ويحافظ على أمن العرب.. أن يقارن بين احتياطى دولارى ١٧ مليارًا وآخر وصل إلى ٤٤ مليارًا.. بين نسبة بطالة ونمو وتنمية وبين ما يحدث الآن.. بين شرطة اختفت وبلطجية يحكمون الشارع وبين شرطة عادت وأعادت الأمان.. بين فساد بدأ يؤسس له وبين هيئة للرقابة الإدارية لا تفرق بين محافظ وعامل ولا وزير وخفير، قطار محاربة الفساد فى كل مكان بفكر أفضل وحرص على الوطن قبل كل شىء.
المقارنات صعبة بين رئيس أتى بجماعته إلى الحكم وظل منصتًا لرأى مرشده الذى لم يخجل من توجيهه على العلن وأن ينبهه فى أذنه لما اتفقا على أن يتحدث عنه.. وبين قائد ينصت لرأى شعبه ويهتم بما يقوله.. المقارنة صعبة بين تاريخ وتاريخ ولكن اليوم بدأ تاريخ جديد ارتفع البناء وكاد أن يكتمل على الأرض من طرق ومدن ومصانع وجامعات.. الحلم كبير ويجب ألا يكون الصبر عليه أكبر.. ملامحه وضحت ونكاد نلمسها ولكن لكى تكتمل يبدأ الرئيس فى حقبة حكمه الثانية البناء الأهم وهو الإنسان، فبعد أن أعاد ترتيب البيت يدخل مرحلته الجديدة مع رئيس وزراء معروف عنه النشاط والجدية وله تجربة ناجحة فى وزارته وأيضًا تجربة ناجحة فى قيادته العمل الوزارى أثناء غياب رئيس الوزراء السابق.. يبدأ ترتيب البيت، جهاز المخابرات العامة، الجهاز الأهم الذى استطاع صقوره أن يتلاعبوا بالمتآمرين وأن يعلموا الأجهزة الأجنبية درسًا مهمًا ورائعًا وحافظوا على الوطن فى أصعب المراحل.. تولاه ابن جهاز المخابرات الذى استطاع بعد سنوات ست أن يظل بجوار الرئيس، مقدمًا نموذجًا مهمًا للقيادة السلسة، وليتولى ملفات أهم يقدم فيها نجاحًا تلو نجاح.. ويأتى إلى مكتب الرئيس قائد عسكرى استطاع فى تجربته السابقة أن يكون قريبًا من نبض الشعب وقدم تجربة هامة فى ربط القوات المسلحة مع الشعب وترك بصمة مهمة وواضحة فى أدائه.. يأتى إلى الحكومة وزراء جدد ليواصلوا العمل.. وفى الطريق محافظون جدد وقادة فى كل الأماكن.. يدخل الرئيس حقبة حكمه الثانية وقد جدد جيشه الذى يعمل معه فى كل الميادين وليبدأ معركة استكمال البناء ببناء الإنسان.