رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحذيرات ألمانية من تناسي الجرائم الإخوانية!


بينما يريد منك بعض الطيبين، زيادة عن اللازم، أن تتناسى جرائم «الإخوان»، وأن تطوي صفحتهم، أرادت محاسن الصدف، أو مشيئة السميع العليم، أن يتزامن احتفالنا بالذكرى الخامسة لثورة ٣٠ يونيو مع قيام الرئيس الألماني، فرانك- فالتر شتاينماير، بإطلاق اتهامات، انتقادات، تحذيرات، أو تهديدات، ضد من يحاولون إزاحة جرائم النازية من ذاكرة الألمان.

الرئيس الألماني كان يشارك في مراسم افتتاح نصب تذكاري بإحدى مناطق بيلاروسيا، قيل إنها كانت مقر أحد أكبر معسكرات الاعتقال النازية. وانتهز تلك الفرصة أو المناسبة ليقول: «الآن، نعلن أن مسئولياتنا تتضمن الإبقاء على ما حدث هنا ماثلًا في الأذهان.. وأؤكد لكم أننا سنتمسك بهذه المسئولية ضد الذين يقولون إنها انقضت بمرور الوقت». ونقلت جريدة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج» الألمانية عن «شتاينماير» أنه اتهم سياسيين في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، بالإضرار بسمعة البلاد، وأنه حذّر من أن الاستهزاء الذي تنطوي عليه مثل هذه التصريحات لا يمكن احتماله.

الأزمة كلها سببها جملة قالها ألكسندر جاولاند، رئيس حزب «البديل من أجل ألمانيا»، منذ شهر، وصف فيها «هتلر» والنازيين بأنهم كانوا مجرد «براز طير في التاريخ الألماني المُشرِّف الممتد لأكثر من ألف عام». ومع أن «جاولاند» أكد أن هذه التصريحات «أسيء تفسيرها، وغير موفقة سياسيًا»، إلا أن الجدل بشأنها استمر، ووصل الأمر حد أن قال عنها الرئيس الألماني: «أنا شخصيًا أشعر بالخجل من هذا النوع من التصريحات. أشعر أيضًا بالخجل من المصطلحات التهوينية التي استخدمها سياسيون ألمان مؤخرًا وهم يتحدثون عن الحقبة النازية». وزاد «شتاينماير» على ذلك فأكد أنه مقتنع تمامًا بأن «الغالبية العظمى من الشعب الألماني لا يؤيدون محاولة محو حقبة النازية من تاريخنا، أو التقليل من شأنها».

هنا، نشير بالمرة إلى أن رئيس حزب «البديل من أجل ألمانيا»، كان قد تعرض لهجوم كبير أيضًا بداية سنة ٢٠١٧ حين طالب بـ«إجراء تغيير شامل لسياسة استعادة الذكريات الألمانية». ونشير أيضًا إلى أن السلطات الألمانية، قامت في ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦، بالتحقيق مع رودولف مولر، العضو البارز في الحزب نفسه، لأنه باع ميداليات وعملات قديمة في جاليري يمتلكه، عليها شعارات أو رموز نازية. وطبقًا لما ذكرته وكالة «أسوشيتد برس»، فإن ممثلي الادعاء في مدينة «ساربروكن» اتهموا «مولر» بخرق القانون وانتهاك الدستور لوجود الصليب المعقوف على ميداليات وعملات قام ببيعها، تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية!.

قبلها، قامت سلطات ولاية بافاريا الألمانية، في ٢٣ يوليو ٢٠١٤، بحظر جماعة «فري نيتوورك ساوث» بزعم أنها تضم عناصر من «النازيين الجدد». ووقتها قامت الشرطة الألمانية بمداهمة وتفتيش شقة في بلدة ريجنيتزلوساو، شمال بافاريا، لمجرد أن مالكها، صاحب محل ملابس يُسمَّى «فينال ريزستانس ميل أوردر»، جرى اتهامه بدعم أنشطة تلك الجماعة. وقبل أن تلتقط أنفاسك، أضيف أنه منذ عامين تقريبًا، تحديدًا يوم الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦، أعلنت الشرطة الألمانية، أنها قامت بعمليات مداهمة لمنازل أشخاص كتبوا تعليقات تمجّد النازية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا فيسبوك. وأوضحت الشرطة أنها داهمت منازل نحو ٦٠ شخصًا في ١٤ مقاطعة من مقاطعات البلاد الـ١٦، وتمت مصادرة أجهزة كمبيوتر وكاميرات تصوير وهواتف ذكية.

تلك هي الصيغة التي تتعامل بها ألمانيا، مع بقايا النازيين أو المتعاطفين معهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولا أعتقد أن بإمكاننا القضاء على «الإخوان» إلا إذا استفدنا من «التجربة الألمانية»، وهي بلا شك تجربة ناجحة، نسبة الخطأ فيها تكاد تقترب من الصفر، وتتلخص في استئصال بقايا الحزب الوطني العمالي الاشتراكي، الذي كان معروفًا باسم «الحزب النازي»، وتجريد كل من عملوا معه من وظائفهم، وإبعادهم عن أي مركز من مراكز التأثير. كما قام الألمان بعملية تطهير فكري استغرقت وقتًا طويلًا، لا يزال مفعولها ساريًا إلى اليوم، لم تتهاون فيها حتى مع أبسط الأشياء مثل منع إطلاق اسم «هتلر» على المواليد، وتجريم تحية الحزب النازي، مع تفاصيل أخرى كثيرة، ما زال القانون الألماني الحالي يعتبرها جريمة تستوجب العقاب.

ليس بعيدًا عن ذلك، تلك الضجة التي أحدثها الإعلان عن أن ابنة هاينريش هيلمر، الرجل الثاني في النظام النازي، عملت لدى وكالة المخابرات الخارجية الألمانية (بي إن دي) في ستينيات القرن الماضي. وطبقًا لما نقلته صحيفة «بيلد» الألمانية، الجمعة، عن كبير مؤرخي الوكالة، بودو هيشلهامر، فإن ابنة «هاينريش هيملر» كانت تعمل أمينة سر الوكالة في مدينة بولاخ، تحت اسم جودرون بورفيتس، خلال الفترة من نهاية سنة ١٩٦١ حتى خريف ١٩٦٣. وبعدها ظلت نشطة في الأوساط اليمينية المتطرفة حتى شيخوختها، وشاركت في مسيرات للنازيين الجدد. وطبقًا لما جاء في التقرير، فإن جودرون لم تستنكر مطلقًا جرائم والدها النازية.

هيملر، كان قائد قوات النخبة العسكرية (إس إس)، أو الحرس الأسود، وكان ذراع أدولف هتلر اليُمنى، ورفيق رحلته في كل الحروب، التي خاضها الجيش النازي ضد قوات الحلفاء. وعندما قام قادة الجيش الألماني بالتآمر على «هتلر» ونشروا شائعة إصابته بالجنون، قام «هيملر» بإحباط تلك المؤامرة، وأشرف على إعدام هؤلاء القادة. وبعدها زاد نفوذ «هيملر» في كل ما يتعلق بشئون التجنيد والسلاح والمخابرات، وأصبح الرجل الثاني في ألمانيا، بعد أدولف هتلر. لكن قيل أيضًا إن «هيملر» تحالف مع قوات التحالف وعقد معهم اتفاقية استسلام، دون علم «هتلر»، تقضي بانسحاب القوات الألمانية من العمليات العسكرية، وعندما علم هتلر بهذه الاتفاقية اعتبرها خيانة كبرى، وأمر بإلقاء القبض على «هيملر» وقال له حينها: «لقد خذلتني وخذلت ألمانيا والعنصر الألماني، ولا تستحق غير القتل»، وبالفعل أخرج «هتلر» مسدسه لكي يقتله، إلا أنه تراجع بعد أن قام «هيملر» باستعطافه.

أعد قراءة الفقرات السابقة، وافتح لخيالك العنان، وحاول أن تستنتج، الأسباب التي جعلت السلطات في ألمانيا الجديدة تمنح ابنة «هيملر» اسمًا جديدًا وتقوم بمنحها وظيفة مهمة في وكالة المخابرات الألمانية. وربما ينشط خيالك بعد مشاهدة برنامج وثائقي عنوانه «عائلتي النازية وأنا» عرضته قناة MDR كان عبارة عن لقاءات مع أبناء وأحفاد وأقارب قادة الرايخ الثالث، الناجين من الموت أو من ظل منهم حيًا، الذين وصفهم البرنامج الذي استغرق تنفيذه ثلاث سنوات، بأنهم «شرفاء العائلة النازية، وقال إنهم قرروا التخلص من العار الذي لحق بهم ومن «الدماء الفاسدة» التي ورثوها رغمًا عنهم!.

هؤلاء «الشرفاء» تحدثوا في البرنامج عن معاناتهم من السمعة السيئة التي تركها لهم أقاربهم. والطريف أن يكون بين هؤلاء كاترين هيملر، حفيدة أحد أشقاء هاينريش هيملر، التي قالت إنها تزوجت من يهودي إسرائيلي، وإن ما يشغل بالها دائمًا هو كيف ستحكي لابنها ذات يوم «حكاية هاينريش عمّه الكبير». وأوضحت أنها حين كانت في الحادية عشرة من عمرها شاهدت مسلسلًا تليفزيونيًا ألمانيًا عن المحرقة، وبعد أن تكرر اسم «هيملر» عدة مرات، جلست على مكتبها وشرعت في البكاء. وأضافت: أعرف أنه كان أسوأ قاتل جماعي في العصر الحديث، لكنني لست مسئولة عن ذلك». وأكملت «ورثت اسمه لكنني لم أرث شره».

لو شاهدت البرنامج، ستستوقفك بكل تأكيد، حالة بيتينا جورينج، حفيدة أحد أشقاء هيرمان جورينج، مؤسس شرطة الجستابو السرية النازية، إذ قالت إنها قامت بإجراء عملية «تعقيم»، وهي وسيلة دائمة لمنع الحمل، خوفًا من أن تنجب وحشًا آخر!.