رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قالت إن مكاوي سعيد نصحها بقراءة إيزابيل الليندي

نهلة كرم: الكتابة تجعل روحي مفتوحة نحو العالم (حوار)

جريدة الدستور

طرحت الكاتبة نهلة كرم صوتها الروائي والقصصي بجرأة شديدة إذ تناولت في أعمالها جانبا حسيًّا في التفاصيل المجتمعية والسلوكية، ولمست برهافة قضايا تتعلق بالثالوث المحرم الدين والجنس والسياسة لتضيف أبعاد جديدة في تجليات مفهوم الانسنة في مجتمعات شرقية تكبح البوح وتطارد الكتابة وتسجن المبدع بعد تكفيره.

"نهلة" التي تحمس لمتونها الروائي صنع الله إبراهيم فقدمها في روايتها الاولى "على فراش فرويد" استقبلت منذ أسابيع عملها الثاني الموت يريد أن أقبل اعتذاره، لتؤكد على طرق عتبات جديدة في حكايات شهرزاد، «الدستور» التقتها في هذا الحوار:

◘ ماذا عن استدعاءك لمتون كتابية فيما يخص التطهر وفي سيرة الراحل علاء الديب تحديدًا كيف بلورت ثنائية المقدس والمدنس؟
○ قرأت علاء الديب لأول مرة منذ 8 سنوات ومن بين أكثر الجمل التي أستوقفتني في كتابته من يقدر الآن على الطهارة التي تتطلبها الكتابة، طهارة تحتاج إلى وضوء وصلاة وجلباب أبيض نظيف، وجسد مغسول وروح حرة"، كنت صغيرة وقتها وتأثرت بجملته جدًا، رغم أني لم أكن فهمت بعد كثيرًا ما يمكن أن يُدنس الروح ويجعلها بعيدة تمامًا عن الكتابة، وحتى وإن كتبت تصبح كتابة مزيفة لا تصل لأحد.

ببساطة وبعيدًا عن تعقيدات المصطلحات الكتابة تُسعدني وتجعل روحي مفتوحة للعالم، تساعدني على الحد نوعًا ما من الانجذاب لماديات الحياة في كل مكان من حولي، التطهر الذي أفهمه يحمل في جزء كبير منه تخلي عن هذه الماديات واقتراب أكثر من الروحانية التي تتطلبها حالة الكتابة الصادقة، وليس فقط الكتابة للكتابة.

وفيما يخص المقدس والمدنس فليس في قاموسي تصنيفات لما أكتب، أنا أكتب وحسب، وأترك التصنيفات والحكم لمن يقرأ.

◘ عن رجرجرة الديني والاجتماعي والموروث في الإبداع.. هل يكون ذلك لدواع الانتشار؟
○ أعتقد أن هذا الأمر يتوقف على حظ الكاتب، فهناك كتابات بها قدر كبير من التعبير بحرية دون قيود لكنها لم تحقق انتشار يجعل أحد يلتفت إلى ما بها، وهناك كتابات قد تحمل قدرًا أقل مما قد يضايق (حراس الفضيلة) لكن القدر يجعلها تقع في يد أحد أولئك الحراس، الأمر نسبي ويتوقف على الحظ والقدر، وفي كل الأحوال لا أعتقد أن هذا الأمر قد يغير شيئًا في كتابة من لديهم مشروع حقيقي يعيشون لأجله.

◘ كيف تنظرين للمشهد الإبداعي مصريًا وعربيًا في هذا الإطار؟
○ لا أعرف حقًا كيف يمكنني وصف المشهد الإبداعي على المستويين العربي والمصري، لكن دعني أخصص كلامي عن مصر لأن الأمر مربك بها جدًا بالنسبة لي، أحيانًا أشعر أننا صرنا أكثر انفتاحًا، وكل شخص يمكنه كتابة ما يريد حتى وإن كنت لا أتفق مع بعض النصوص من الناحية الجمالية، وأحيانًا أخرى أشعر أنها حرية زائفة وأن في لحظة ما يمكن لأي قارىء أن يتحكم في مصير الكاتب ويتقدم ببلاغ ضده بتهمة خدش الحياء مثلما حدث مع الروائي أحمد ناجي.

◘ تناولت كتابتكِ "التابو" في "على فراش فرويد" و"الموت يريد أن أقبل اعتذاره" حدثينا عن ذلك؟
○ لا أستسيغ أبدًا كلمة التابو أو الثالوث المقدس، ولا أعرف لماذا حتى الآن بعد كل التطور الذي وصل إليه الإنسان، لايزال هناك مصطلح اسمه التابو، ولاتزال هناك مناطق نتعرض للسب أو السجن إذا ما تحدثنا بها.

بالنسبة لكتابتي أنا أكتب حكاية دون أن أوجها عمدًا لتحمل إحدى أوجه الثالوث المقدس أو المحرم "الدين والجنس والسياسة"، لأن العمدية تُفسد العمل الروائي وتجعله يخرج من إطاره ويصبح مثل مقالة في أحد الجرائد، وهذا يجعلني أجيب عن الجزء المحجوب سياسيًا، منذ أن بدأت كتابة ولدي اتجاه نحو اعتبار السياسة في العمل مثل لوحة أحد الرؤساء التي تُعلق في خلفية المشهد فتعرف منها العصر الذي وقعت فيه هذه الأحداث.

حين أتحدث عن عمل فني تصبح السياسة بالنسبة لي لوحة في الخلفية موجودة لكنها لا تتصدر المشهد بشكل مزعج حتى لا يتحول المشهد إلى شبه فيلم وثائقي أو جريدة تحوي مقالات سياسية.

أنا أفضل دائمًا أن تظل اللوحة في الخلفية أو أن تتقدم قليلًا وفقًا لحاجة النص، فالنص هو المتحكم الأول في موقعها، لكن بشرط ألا يفقد جماليته، ومن لديهم قدرة على فعل ذلك موهوبون ومحظوظون جدًا.

◘ تنطلقين من أنقاض أو هوات اجتماعية ومعيشية وسلوكية، ألم يكن هناك خشية وخوف من تلك الفزاعات السياسية التي تلاحق الكتاب في هذا الإطار؟

○ كما قلت لك أرى السياسة دائمًا لوحة في خلفية المشهد، وقد تكون السياسة بالنسبة لآخرين أساس المشهد، كل شخص من حقه أن يختار اتجاه الكتابة الخاص به، ويكتب في المناطق التي يمتلك قدرات ومعرفة بها، لدي اتجاه نحو الكتابة في الموضوعات الاجتماعية التي أعيشها يوميًا وتشكل هاجس بالنسبة لي، أكتب عن جيلي ومخاوفنا وتساؤلتنا المشتركة، اكتب في كل هذا بشغف حقيقي لأنه جزء من مخاوفي وتساؤلاتي الشخصية، وليس لأن هناك فزاعات سياسية تمنعني من الكتابة في هذا الاتجاه.

◘ في "الموت يريد أن أقبل اعتذاره".. ماذا عن ذاتك ووجودك ووطأة الموت؟
○ منذ 3 سنوات فقدت والدي وكانت هذه صدمة كبيرة بالنسبة لي، شعرت للمرة الأولى في حياتي أني صرت بلا سند أو ظهر، وأصبح لزامًا عليً أن أعتمد على نفسي، ولم يعد الأمر رفاهية، في ذلك الحين تغير شيء كبير بداخلي لم أفهمه إلا بعد سنوات، صرت أنضج وأقوى، كبرت ببساطة، خرج حزني في مجموعة"الموت يريد أن أقبل اعتذاره" التي بكيت كثيرًا وأنا أكتب معظم نصوصها.

ومنذ شهور فقدت والدي الثاني الكاتب والروائي الكبير مكاوي سعيد، وكانت هذه صدمة بشعة، لأنه دون أن يدري عوض مكان الأب، لم يعد فقط أبًا روحيًا يتبناني ويمدني بنصائحه حول الكتابة، لكنه صار أبًا لي على المستوى الشخصي، وهناك مواقف كثيرة كان يحل محل والدي بها.

لكن ما يجعلني الآن أقوى رغم هول الصدمة أني صرت أفهم جيدًا أن القوة لا تأتي سوى من الألم، هذا شيء أشبه بإعداد الطعام، لا يمكن طهي أي وجبة دون أن نتركها تسوى على النار، أعتبر الألم مثل النار، يجب أن اتعرض لقدر منه على مدار حياتي حتى أنضج وأصبح أكثر قوة، وهذا ما كان يرغب به مكاوي أصلًا، وأعتقد أنني وصلت لجزء كبير منه.

◘ ما هو الدافع لهذا المنحى في هذه المجموعة؟
أرى أن الكتابة منحة كبيرة من الله، فلو أنني لم أستخدمها في مواقف مثل تلك لأخرج عجزي أمام حقيقة بحجم الموت فمتى سأستخدمها! حرصت في هذه المجموعة ان أتعامل مع كل غضبي ومخاوفي وحزني من الموت، وأشارك مشاعري مع الجمادات التي تتعرض للموت وتشاركنا به دون أن نلحظ ذلك، حاولت أن أقدم الموت بصور متعددة لأخرج من حالة حزن على موت وفقدان شخصي.

◘ حدثينا عن ثمة مثال أو رمز ما كان له سطوة التأثير المباشر على كتابتك؟
أعتقد أن الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي من أكثر من تأثرت بهم، لايزال صوت مكاوي سعيد يرن في أذني منذ سنوات "اقري لإيزابيل الليندي، اقري لإيزابيل الليندي"، كنت صغيرة وقرائتي محصورة في النصوص العربية، ولم أكن أحب الروايات المترجمة على الإطلاق، لأن تجربتي معها كانت سيئة دائمًا، لكنه نصحني بترجمة صالح علماني بقوله "مش هتندمي"، وحينها اكتشفت سحرًا آخر للأدب المترجم وبعدًا مختلفًا للترجمة.

أول رواية قرأتها لها كانت "بيت الأرواح"، سحرتني طريقتها ولغتها البسيطة في سرد الأحداث والشيء الهام أن هناك أحداث وقصة، فبالنسبة لي كلمة رواية تعني قصة وأحداث تروى بطريقة ممتعة، لا أتحمل رواية لا تتوافر فيها هذه العناصر.

ومن ناحية اللغة تعلمت من إيزابيل أنه ليست هناك حاجة للفذلكة كثيرًا في اللغة لأنها وسيلة، لا أقصد بذلك الهبوط بمستوى اللغة ولكن أقصد استخدام اللغة السهلة البسيطة ببراعة تجعل المتلقي يحس وكأنه يقرأ شعرًا، فقد تعلمت من إيزابيل ومن رائعة أغوتا كريستوف "الدفتر الكبير" أن جمال اللغة لا يكمن في استخدام كلمات معقدة بجوار بعضها، ولكن في استخدام كلمات سهلة يصعب على المتلقي فهم من أين يأتي السحر منها بالتحديد.

◘ حدثينا عن علاقتك بالجوائز وخاصة أن رواية "على فراش فرويد" ترشحت مرتين لجائزة ساويرس؟
إذا كنت أرى أنني أصنع قدري في الكتابة بالعمل والاجتهاد والإلتزام، فأنا أرى أن قدري في الجوائز متوقف على الحظ، لأن الجائزة تعتمد في النهاية على ذائقة لجنة تحكيم مكونة من عدد من الأشخاص ليسوا مجبرين بأي شكل من الأشكال أن تكون ذائقتهم متفقة ومحبة لأعمالي.

◘ في الحقيقة بعد 4 سنوات من نشر أول عمل لي أقول بثقة إن القراء هم الجائزة الحقيقية بصراحة هناك بعض الجوائز التي توسع دائرة قرائك، لكن إذا كان العمل الفائز سيئًا لن تفيده الجائزة في شيء، وعلى العكس هناك أعمال لا تفوز لكنها تكتسب شعبية كبيرة، وأعتقد أنني محظوظة إلى حد كبير في هذا الجانب، يكفي أن قراء كثيرين من مصر ومن دول عربية يرسلون لي إعجابهم بالرواية، ويطلبون مني أن أخبرهم عن أعمالي الأخرى ليقتنوها، هذه الرسائل هي التي تدعمني معنويًا لأكمل طريقي، وسيظل صوت مكاوي يتردد في ذهني دائمًا "القراء ثم القراء ثم القراء".

◘هل هناك مشروعات لترجمة النصوص؟
○ هناك مشروع لترجمة قصص لكتاب من القاهرة، وقد اختار المترجم إحدى قصص مجموعتي الأخيرة لتكون ضمن كتابه، وفي انتظار أن يكتمل المشروع.