رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيجيريا.. نسور خضراء.. وأوضاع سوداء!


لو سألتني لماذا يصفون منتخب نيجيريا لكرة القدم بـ«النسور الخضراء»، سأجيب بـ«مش عارف». أما الأوضاع السوداء فأعرف لها أسبابًا كثيرة، جعلتني لا أندهش من اتهام رئيس مجلس شيوخها بتمويل تشكيل عصابي، قتل ٣٣ شخصًا وارتكب سلسلة من جرائم السطو المسلح. والأسباب نفسها، جعلت صاحبة أكبر اقتصاد في إفريقيا تحصل على المرتبة ١٣٦ من ١٧٦ دولة في مؤشر الفساد الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية.

ستصلك هذه السطور بعد انتهاء مباراة نيجيريا وأيسلندا، ضمن منافسات الجولة الثانية بالمجموعة الرابعة التي تضم منتخبي الأرجنتين وكرواتيا. وكان منتخب نيجيريا قد خسر أمام كرواتيا بهدفين مقابل لا شيء ضمن منافسات الجولة الأولى، بينما حققت أيسلندا، التي تشارك في بطولة كأس العالم للمرة الأولى في التاريخ، مفاجأة من العيار الثقيل بتعادلها مع الأرجنتين بهدف لكل منهما. ولأننا أفارقة، فطبيعي أن ننتظر ونتمنى مع كل دول القارة أن يحقق منتخب نيجيريا الانتصار الثاني للقارة السمراء في النسخة الحالية من بطولة كأس العالم، بعد فوز منتخب السنغال على بولندا بهدفين مقابل هدف واحد ضمن منافسات الجولة الأولى بالمجموعة الثامنة.

شارك المنتخب النيجيري في كأس العالم خمس مرات، ونجح في الوصول إلى الدور الثاني (دور الـ١٦) في ثلاث منها. وخلال المرات الخمس أحرز ٢٠ هدفًا واستقبلت شباكه ٢٦ خلال ١٨ مباراة، فاز في ٥ وتعادل في ٣ وتجرع مرارة الهزيمة في ١٠ مباريات. وبهذا الشكل صار ثاني أفضل منتخب إفريقي تحقيقًا للنتائج بعد المنتخب الكاميروني الذي يغيب عن مونديال روسيا. أما مباراة الأمس، فدخلها منتخب نيجيريا تحت شعار «لا بديل عن الفوز» حفاظًا على آماله في التأهل لدور الـ١٦، في مواجهة منتخب أيسلندا الذي يسعى لصناعة تاريخ جديد بتحقيق فوزه الأول في تاريخ مشاركاته بالمونديال على حساب «النسور الخضر». غير أن جماهير نيجيريا يخشون أن تتأثر حظوظ منتخب بلادهم في تحقيق الفوز على أيسلندا، في مباراة الأمس، بنقص خبرة لاعبيها مثلما حدث في مباراة كرواتيا. بينما تأمل جماهير أيسلندا في ألا يتأثر أداء لاعبيها بالارتفاع المتوقع في درجة الحرارة، التي قيل إنها ستصل إلى ٣٢ درجة مئوية في «فولجوجراد» وقت إقامة المباراة.

معضلة أن يتسبب نقص خبرة اللاعبين في هزيمة منتخب أكبر البلاد الإفريقية المصّدرة للاعبي كرة القدم، والتي ينتشر لاعبوها المحترفون في أوروبا وآسيا وكثير من الدول العربية. بالضبط كما هي معضلة أن يعاني أكبر مصدّري النفط في إفريقيا (مليونا برميل يوميًا) من أوضاع اقتصادية سيئة ومزمنة، بسبب ما وصفها السياسي النيجيري «أبوبكر تافاوا بيلاوا»، سنة ١٩٥٠، بـ«اللعنة المزدوجة من الرشوة والفساد التي تتخلل كل مستوى وكل إدارة من الإدارات الحكومية في نيجيريا». وهي اللعنة التي استمرت مع كل الحكومات العسكرية والمدنية، ومع كل القادة الذين جاءوا من مختلف الخلفيات العرقية والدينية، لكن الفساد الرسمي، ارتفع إلى مستوى غير مسبوق في عهد الرئيس السابق جوناثان جودلاك. وبحسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، فإن ١٧٨ مليار دولار غير مشروعة خرجت من نيجيريا خلال عشر سنوات. وبهذا الشكل يمكننا أن نقول إن نيجيريا هي أكبر البلاد الإفريقية (وربما بلاد العالم) المصدّرة للأموال غير المشروعة، إلى جانب كونها الأكبر في تصدير النفط، وفي تصدير لاعبي كرة القدم!.

والوضع كذلك، لم يدهشني ما ذكرته وكالات الأنباء في ٣ يونيو الجاري، عن قيام الشرطة النيجيرية، باستدعاء السيناتور بوكولا ساراكي، رئيس مجلس الشيوخ، لاستجوابه بشأن مزاعم تمويله عصابة إجرامية قامت بسلسلة من جرائم السطو المسلح وقتلت ٣٣ شخصًا من بينهم نساء حوامل. ويومها، أصدرت شرطة نيجيريا بيانًا ذكرت فيه أن التحقيق في ست جرائم سطو مسلح على بنوك في مدينة أوفا في ولاية كوارا بوسط نيجيريا في أبريل الماضي. وشمل التحقيق هجومًا على مقر الشرطة بالمدينة خلال موجة الهجمات. وقالت الشرطة إنها تحتجز ٢٢ مشتبهًا بهم، اتهم خمسة منهم «ساراكي» بالمشاركة الفعّالة في جرائم السطو والقتل، وأدلى آخرون باعترافات قالوا فيها إن «رئيس مجلس الشيوخ كان يقدم لهم الأسلحة النارية والمال والسيارات التي كانوا يستخدمونها في العمليات».

ساراكي، فاز برئاسة مجلس الشيوخ بالتزكية في ٢٠١٥.وفي ٣ فبراير الماضي، وجهت السلطات القضائية النيجيرية عدة اتهامات بالفساد للقاضي دانلادي عمر، بينها حصوله على رشوة قدرها ١٠ ملايين نيرة نيجيرية (٢٧ ألفًا و٨٠٠ دولار) لكي يتلاعب في ملف قضائي. وكان هذا القاضي، الذي يتولى التحقيق في قضايا فساد، هو نفسه الذي أمر العام الماضي بوقف الملاحقات ضد رئيس مجلس الشيوخ، بوكولا ساراكي، الذي كان متهمًا بالفساد وقت توليه منصب محافظ كوارا، بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠١١. وأثناء نظر تلك القضية تصاعدت الشكوك حول نزاهة القاضي المذكور، ثم تعزّزت تلك الشكوك بعد صدور الحكم بالبراءة، إذ كانت قضيّة «ساراكي» هي إحدى أبرز القضايا، التي قامت عليها حملة مكافحة الفساد، التي أطلقها الرئيس محمد بخاري.

منذ تولى بخاري السلطة في مايو ٢٠١٥، قامت مفوضية الجرائم الاقتصادية والمالية، وهيئة مكافحة الفساد، بإلقاء القبض على مئات المسئولين، تورطوا في اختلاس مليارات الدولارات، كان أبرزهم سامبو دسوقي، مستشار الأمن القومي السابق، المتهم باختلاس ٢ مليار دولار، عبر تعاقدات وهمية لشراء طائرات وأسلحة وذخيرة، في الوقت الذي كانت فيه القوات النيجيرية لا تجد أسلحة تخوض بها حربها الشرسة ضد جماعة «بوكو حرام» الإرهابية. وفي إطار حملتها المستمرة ضد الفساد، سبق أن أعلنت مفوضية الجرائم الاقتصادية والمالية أن ياكوبو دوجارا، رئيس مجلس النواب، يخضع للتحقيق بشأن مزاعم تورطه في إضافة أرقام بشكل غير قانوني لميزانية البلاد، العام الماضي، بعد موافقة البرلمان عليها.

ثلاث سنوات مرت من فترته الرئاسية، دون أن تحقق حملة الرئيس النيجيري محمد بخاري ضد الفساد نتائجها المرجوة، وليس متوقعًا أن تتحقق خلال السنة الباقية. وبالتالي ستظل الأوضاع السوداء على ما هي عليه، وسيظل أكثر من ثلثي السكان البالغ عددهم قرابة ١٨٠ مليون نسمة، يعيشون على أقل من دولار يوميًا، مع أن بلدهم صاحب أكبر اقتصاد في القارة السمراء، وهو الأكثر تصديرًا للأموال غير المشروعة، وهو أكبر الدول الإفريقية في تصدير البترول وفي تصدير لاعبي كرة القدم!.