رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى نصب تمثال الحرية.. مصر رفضت تمويله فأهدته فرنسا لأمريكا

تمثال الحرية
تمثال الحرية

يعد تمثال الحرية أحد أبرز الآثار العالمية الخالدة، وهو مثار فخر للولايات المتحدة الأمريكية، واسمه بالكامل "الحرية تنير العالم"، بالإنجليزية Liberty Enlightening the World وهو عمل فني منحوت قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1886م، كتذكار يهدف إلى توثيق عرى الصداقة بين البلدين، بمناسبة مرور مائة سنة على قيام الثورة الأمريكية عام 1783م.

ومنذ حوالي 132 سنة استقر التمثال بموقعه المطل على خليج نيويورك، ليكون في استقبال كل زائري الولايات المتحدة مهاجرين كانوا أو سياح، وصمم هيكله الإنشائي المهندس الفرنسي الأشهر جوستاف إيفل، بينما قام بنحته الفنان فريدريك بارتولدي.

التمثال الواقع في جزيرة الحرية التابعة لمدينة نيويورك، يبعد مسافة 600 متر عن مدينة جيرسي الأمريكية، وحوالي 2 كيلو ونصف جنوب غرب مانهاتن ومساحته الإجمالية تقدر بـ 49 متر مربع، وهو رمز لفكر الليبرالية الحر من خلال سيدة تخلصت من الأغلال التي ألقيت عند إحدى قدميها وتمسك في يمناها مشعلًا يرمز إلى الحرية، وفي يدها اليسرى كتاب نقشت عليه بالأحرف اللاتينية عبارة "4 يوليو 1776" وهو اليوم الذي أعلنت فيه أمريكا استقالالها وعلى رأس السيدة تاج عليه شعاع له سبعة أسنة بعدد بحار العالم أو قاراته.

ويرتكز التمثال على قاعدة من الجرانيت والأسمنت يبلغ عرضها 47 متر ويبلغ طول التمثال من قدم المرأة حتى أعلى المشعل 47 متر، بينما يبلغ الطول الإجمالي مشتملًا على القاعدة 93 مترا، ويزن التمثال 125 طن.

المثير في المسألة أن هذا التمثال تم اقتراحه كفكرة من قبل فريدريك بارتولدي على الخديوي إسماعيل حاكم مصر، حيث صمم فريدريك نموذجًا مصغرًا يجسد فلاحة مصرية مسلمة ترتدي ثوبًا طويلًا وتحمل في يدها شعلة تضيء الطريق، لإرشاد السفن وتحمل شعار "مصر تحمل الضوء لآسيا".

يذكر أن أشعة الشمس على الرأس مستقاة من عملة مصرية قديمة يظهر فيها الملك بطليموس الثالث وتم عرض النموذج على الخديوي إسماعيل، واقتراح فكرة وضع التمثال في مدخل قناة السويس التتي افتتحت حديثًا في ذلك الوقت عام 1869، غير أن الخديوي اعتذر عن قبول الفكرة بالنظر إلى ارتفاع التكاليف حيث لم تكن لدينا في مصر ما يلزم التمثال من سيولة مالية، خاصة بعد حفر القناة، وعمل حفل افتتاح أسطوري تكلف الملايين وتم بناء منارة عوضًا عن التمثال يبلغ طولها 180 قدم.

في هذا التوقيت كانت الجمهورية الفرنسية يحدوها ولع شديد بمنح هدايا تذكارية للدول الصديقة تعبيرًا عن أواصر المودة وهداها تفكير مسؤوليها إلى أهداء التمثال للولايات المتحدة الأمريكية، في ذكرى قيام ثورتها، ووافقت السلطات الأمريكية وجرى العمل على قدمٍ وساق وتم الاتفاق على أن يتولى الفرنسيون تصميم التمثال بينما يعمل الأمريكان على إنشاء قاعدته وشرع الطرفان في إعداد حملة ضخمة لإيجاد التمويل اللازم.

واعتمدت فرنسا على دافعي الضرائب وأرباح الوسائل الترفيهية، وأموال ورق اليانصيب بينما استندت أمريكا إلى أرباح المعارض الفنية والمسرحيات وكان يقود الحملة هناك عمدة نيويورك السيناتور "ويليام إيفارتز" الذي أصبح وزيرا للخارجية لاحقًا، ولكن الأموال لم تكن تكفي مما حدا بالصحفي جوزيف بوليتزر صاحب جريدة العالم إلى عمل حملة تبرعات ضخمة من خلال جريدته، واستقر الأمريكيون على وضع التمثال في جزيرة بدلو التي عرفت فيما بعد بجزيرة الحرية وقام المعماري الأمريكي ريتشارد موريس هنت بتصميم القاعدة التي افتتحت عام 1885م.

أما فرنسا فانتهت من أعمال التصميم باكرًا وبالتحديد سنة 1884، وتم شحن التمثال على الباخرة إيزري التي وصلت إلى ميناء نيويورك في السابع عشر من يونيو عام 1885.

وفي الثامن والعشرين من أكتوبر لعام 1886 قام الرئيس الأمريكي جريفر كليفلاند، بافتتاح التمثال في حفل كبير ألقى فيه السيناتور ويليام إيفارتز عمدة نيويورك كلمة بهذه المناسبة.