رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة أردوغان تطارد منتخب ألمانيا


 

منتخب ألمانيا لكرة القدم، «المانشافت» بدأ، اليوم الأحد، مساعيه للاحتفاظ بكأس العالم بمباراته ضد المكسيك في موسكو، ضمن منافسات المجموعة السادسة التي تضم السويد وكوريا الجنوبية. ولا ‏يستبعد يواخيم لوف، المدير الفني لأبطال العالم، أن يواجه اثنان من لاعبي الفريق مزيدًا من صيحات الاستهجان بعد أن تعرض كلاهما لهتافات مسيئة من الجماهير الألمانية خلال المباراة الودية مع ‏النمسا في ٢٦ مايو الماضي. ثم تعرض أحدهما منفردًا لمزيد من الهتافات وصيحات الاستهجان مع كل لمسة له للكرة في المواجهة الودية مع منتخب السعودية يوم الجمعة الماضي.‏

الهتافات المسيئة وصيحات الاستهجان السابقة والمتوقعة أو غير المستبعدة، سببها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تطارد لعنته لاعبَي المنتخب الألماني، إلكاي جندوجان ومسعود أوزيل، ‏منذ ظهرت صورة يقفان فيها بجواره، وهما يبتسمان ويمنحانه قميصي فريقيهما، أرسنال ومانشستر سيتي، خلال زيارته للعاصمة البريطانية لندن، منتصف مايو الماضي. ‏وكان الأكثر استفزازًا للألمان هو أن جندوجان كتب على قميصه الذي أهداه للرئيس التركي عبارة «كل الاحترام لرئيسي». الأمر الذي رأته الجماهير الألمانية يتناقض مع قيم بلادها، التي تشهد ‏علاقاتها مع تركيا أزمة طاحنة. ووصل غضب الجماهير، وبعض السياسيين، حد المطالبة باستبعاد اللاعبين من المنتخب الألماني. وقبل صيحات الاستهجان والهتافات المسيئة، قامت الجماهير بتحطيم ‏سيارة جندوجان يوم الخميس قبل الماضي. وطبقًا لما نشرته جريدة «صن» البريطانية، فإن متحدثًا باسم الشرطة الألمانية لم يستبعد وجود دوافع سياسية وراء الحادث. ‏

الأزمة الدبلوماسية الطاحنة بين ألمانيا وتركيا، زادت حدتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، المثيرة للجدل، التي مهد لها الرئيس التركي بتعديل دستوري أجراه العام الماضي، زادت بموجبه ‏سلطات الرئيس بشكل غير مسبوق، وقوبل بانتقادات عدد من الحكومات الأوروبية، بينها الحكومة الألمانية. وكانت العلاقات بين البلدين، العضوين في حلف شمال الأطلسي، قد توترت أو زاد توترها، ‏منذ محاولة الانقلاب الفاشلة (أو المزعومة) ضد أردوغان في يوليو الماضي، واتهام أنقرة لعدة دول بينها ألمانيا بعدم الإسراع بإدانة العناصر العسكرية المارقة. ووقتها قال أردوغان «سنتحدث عن ‏تصرفات ألمانيا في المحافل الدولية وسنحرجهم في أعين العالم. لا نريد أن نرى العالم النازي مرة أخرى ولا نريد أن نرى تصرفاتهم الفاشية ولقد كنا نعتقد أن هذه الحقبة من الماضي لكن يبدو أنها ‏ليست كذلك».‏

محاولات الاستفادة سياسيًا من كرة القدم، عادية وطبيعية. ومعروف أن تأثير كرة القدم على السياسة يحدث من تلقاء نفسه دون أن يسعى هذا الطرف أو ذلك إلى توظيفه. وفي كتابه «قضايا كرة ‏القدم»، الصادر سنة ١٩٩٤، حاول بيير بورديو، عالم الاجتماع الفرنسي، تبسيط المسألة بتقسيمها إلى مستويين؛ خاص وعام. الأول يضم اللاعبين، المدربين، المعلقين، النقاد المتخصصين.. إلخ. وهذا ‏المستوى له قواعده وتفاعلات وعلاقاته المهنية المرتبطة بالقدرات التي يمتلكها كل فرد في هذه المنظومة، والقيمة المضافة التي يقدمها للمجال. أما المستوى العام، فيضم الجمهور، ورجال الأعمال، ‏والسياسيين، وفيه تنتقل ملاعب كرة القدم من كونها ساحة للعب إلى ساحة للاستغلال السياسي والاستثمار الاقتصادي. ‏

المعلومات المتاحة عن إلكاي جندوجان، تقول إنه من مواليد ٢٤ أكتوبر ١٩٩٠ في جيلسنكيرشن، ألمانيا، وإنه لاعب كرة قدم ألماني ذو أصول تركية يجيد اللعب في خط الوسط ويلعب حاليًا في ‏مانشستر سيتي الإنجليزي، وإن أبرز الفرق العالمية كبرشلونة ومانشستر يونايتد، طلبت ضمه إليها، بعد أن ساهمت تمريراته في وصول فريقه إلى نهائي دوري أوروبا الذي خسره أمام بايرن ‏ميونخ. أما مسعود أوزيل فهو من مواليد المدينة الألمانية نفسها في ١٥ أكتوبر ١٩٨٨، ويلعب مع نادي أرسنال الإنجليزي، وتتم مقارنته بأسطورة كرة القدم الفرنسية زين الدين زيدان في طريقة لعبه ‏ومهاراته وتمريراته. ‏

الثنائي، جندوجان وأوزيل، كما أشرنا، كانا هدفا لصافرات استهجان المشجعين الألمان خلال المباراة الودية أمام النمسا التي أقيمت في ٢٦ مايو. وبسبب إصابة في الركبة في تلك المباراة، غاب ‏أوزيل عن مباراة السعودية، الجمعة الماضي، فانصبت لعنات الجماهير الألمانية في ملعب «باي أرينا» بليفركوزن، على جندوجان وحدة، وأطلقوا صافرات الاستهجان، كلما لمس الكرة. وفشلت ‏محاولات اللاعب في امتصاص غضب الجماهير بتأكيده على تمسكه بالقيم الألمانية، وحبه لألمانيا التي ولد بها وتقيم فيها عائلته وأصدقاؤه. ‏

في تصريحاته لـ«فرانس فوتبول» قال جندوجان إنه مصدوم مما حدث. ووصفه بأنه «كان تجربة صعبة جدًا علىّ بشكل شخصي». وقال: علاقتي القوية مع تركيا لا تعني أنني لا أحترم ألمانيا ‏ولا أحترم فرانك فالتر شتاينماير (رئيس ألمانيا) أو ميركل (مستشارة ألمانيا). لم يكن لدي أي نية من الأساس في اتخاذ أي موقف سياسي». وأكمل: «من الصعب أن أعيش وسط تلك الصافرات. أنا ‏دائمًا متقبل أي آراء وأي نقد وأحترم للغاية حرية الرأي، ولكنني لا أتحمل الإهانة». وكما فشلت، هذه التصريحات في امتصاص الغضب، فشلت أيضًا تصريحات ومناشدات مدرب ومدير المنتخب ‏الألماني: قال الأول «إن إطلاق الصافرات على لاعب في المنتخب الوطني لا يفيد أحدًا. ماذا على إلكاي (جندوجان) العمل الآن؟». وطالب الثاني الجماهير بالوقوف خلف المنتخب ككتلة واحدة ‏و«التغاضي عن مشاعر الغضب مؤقتًا».‏

فور ظهور الصورة، منتصف مايو الماضي، انتقد الاتحاد الألماني لكرة القدم لاعبي منتخب «المانشافت» ووصف رينارد جريندل، رئيس الاتحاد، الواقعة بأنها «عمل غير جيد». وقال في بيان «إن ‏‏الاتحاد يحترم بالتأكيد خصوصية لاعبينا أصحاب الجذور من خارج ألمانيا، لكن كرة القدم والاتحاد يقدران القيم التي لا يحترمها السيد أردوغان بالقدر الكافي». وتابع البيان: «ومن هنا، فإنه ليس ‏بالأمر الجيد أن يضع لاعبانا الدوليان نفسيهما موضع الاستغلال في حملة أردوغان الانتخابية. بالتأكيد هذا لا يخدم جهود الاتحاد في دمج اللاعبين». كما انتقد مدير المنتخب الألماني أوليفر بيرهوف ‏الثنائي أوزيل وجندوجان، وقال: «لم يكن أحد منهما على وعي برمزية الصورة، لكن التقاطها لم يكن تصرفًا صحيحًا وسأتحدث إليهما بهذا الشأن».‏

على ذكر الانتخابات الرئاسية التركية المقرر إجراؤها في ٢٤ يونيو الجاري، نشير إلى أن أردوغان سيحافظ على منصبه، لكن بصعوبة. وحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة «جيزيجي» ونشرت ‏نتائجه الخميس الماضي، فإن أردوغان لن يفوز في الانتخابات من الجولة الأولى، إذ تراجع تأييد الناخبين له بواقع ١.٦ نقطة خلال أسبوع واحد. وتوقع الاستطلاع الذي شارك به ٢٨١٤ شخصًا، ‏حصول أردوغان على ٤٧.١٪ من الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات، انخفاضًا من ٤٨.٧٪ في استطلاع سابق أجرته المؤسسة ذاتها في ٢٥ و٢٦ مايو. كما أظهر الاستطلاع أن تحالف العدالة ‏والتنمية مع حزب الحركة القومية لن يحقق الأغلبية في البرلمان، الذي يضم ٦٠٠ مقعد، وأنه سيحصل فقط على ٤٨.٧٪ من الأصوات وهي النسبة ذاتها التي حصل عليها في الاستطلاع السابق.‏

محاولات الاستفادة سياسيًا من كرة القدم، كما قلنا، عادية وطبيعية. ولا يقع الذنب على السياسي الذي يحاول، بل على اللاعب الذي يستجيب أو يقع في الفخ، دون أن يدرس العواقب أو يضع في ‏اعتباره الخسائر التي قد يتكبدها، خاصة لو كانت هناك مؤشرات وشواهد كثيرة تؤكد أن هذا السياسي ملعون وأن لعنته تصيب كل من يقترب منه.‏