رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بداية البناء


فى عام ١٩٨٠ ألقى يورى بيزنوف محاضرة عن طرق وأساليب تدمير الدول والشعوب للسيطرة عليها وبعد نحو ٣٠ عامًا جرى تطبيق هذه الأساليب أو بمعنى أدق ظهرت نتائج تطبيق هذه الأساليب التى لا تعتمد على الجيوش أو الحروب، ولكنها تعتمد على نوع من التفجير الداخلى للشعوب.
هذه الطريقة اعتمدتها المخابرات الأمريكية فى تحطيم وتقسيم الاتحاد السوفييتى ثم نقلتها إلى المنطقة العربية فى أحداث الربيع المزعوم.. لم يعتمدوا على جيوش تحارب أو طائرات تفجر الجسور وإن كان ذلك ضروريًا لمشهد النهاية، ولكنهم اعتمدوا على الشباب الذين تم تدريبهم على تفجير شعوبهم واستخدموا أسلوب الفيلسوف الصينى «سون تزو» الذى ولد قبل الميلاد بـ٥٠٠ عام وكان مستشارًا لإمبراطوريات عديدة فى الصين والذى يعتمد على أن تنفيذ سياسة الدولة عن طريق الحرب فى أرض المعركة، هو أكثر النتائج عكسية وغير الفعالة.
وقال «سون تزو» إن أعلى فنون الحرب هو عدم القتال على الإطلاق بل تخريب أى شىء ذى قيمة فى دولة عدوك حتى يأتى الوقت الذى يكون فيه إدراك عدوك للحقائق مختلًا لدرجة أنه لا يراك عدوًا له وأن نظامك وحضارتك وطموحك بنظر عدوك تكون بديلًا والهدف النهائى هو آخر مراحل التخريب بعدها يمكن إسقاط عدوك بسهولة دون أن تطلق كلمة واحدة.. استخدام التخريب هو الأسلوب الأفضل والأمثل لأجهزة المخابرات الذكية ويعتمد على أربع مراحل أهمها إسقاط الأخلاق.. وتستمر من ١٥ إلى ٢٠ سنة لكى تدمر أخلاق مجتمع.. ولماذا ١٥ إلى ٢٠ سنة لأن هذا هو الوقت الكافى لتعليم جيل واحد من الأطفال أو الطلاب.
إذن عشرون عامًا كافية لإسقاط دولة قوية دون حروب. البداية إذن من تكوين جيل لا يعرف هويته ولا يعترف بوطنه ولكنه يؤمن بنظريات عالمية تحت عناوين براقة تمثل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وعبر عشرين عامًا يتحول الطفل إلى شاب وخريج.. يتحول الطفل إلى مهندس أو طبيب أو ضابط لا يؤمن بوطنه ويتركه ويبحث عن بديل.. ومنذ سنوات والرئيس السيسى يعمل على بناء طرق ومدن ومشروعات وصناعات وتعمير ما تم تخريبه.. ثم كانت بداية ولايته الثانية.. وكان خطابه الافتتاحى بها إلى الأمة أن الوقت قد حان للبناء الأهم.. بناء الإنسان «تعليمًا وصحة وثقافة».
إذن لنبدأ من الآن لبناء أجيال لنحصد بعد عشرين عامًا أجيالًا أخرى تؤمن بالوطن وتعرف قيمته وتعمل لبناء مجده.. البداية هنا من جيل الأطفال ولنتدارس بعض الأرقام عن أحوال الطفل فى مصر.. وهم البداية التى يجب أن تكون حجر أساس للانطلاق نحو مستقبل واحد.. مصر التى يبلغ عدد سكانها حاليًا مائة مليون وأربعة.. يمثل الأطفال فيها نحو ٤٠٪ طبقًا لتقرير منظمة اليونيسف، ويبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الأساسى ٩٤.٢٪ فى العام الدراسى ٢٠١٦٢٠١٧ يصل منهم الى المرحلة الثانوية ٣٠٪ فقط ويشير التقرير إلى أن ٩٪ من الأطفال أو مليونى طفل «تتراوح أعمارهم ما بين ست سنوات وأربع عشرة سنة» لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة طبقًا لآخر إحصاء عام ٢٠١٧.. هذا الرقم يتحول إلى عمال تراحيل أو أطفال شوارع يتعرضون للعنفين الجسدى والجنسى.. وبالتالى وبعد عشرين عامًا سيكون لدينا مليونا مشكلة أو مليونا قنبلة اجتماعية من الممكن استخدامها فى تفجير الوطن.
والمتابع لمشاهد محاولات اقتحام وتحطيم فنادق وسط القاهرة وحرق المجمع العلمى أيام الفوضى يتأكد من استخدام الأطفال فى ذلك وهم نوعية من أطفال الشوارع الذين يتحولون إلى أداة فى أيدى عصابات الإجرام.
والرئيس عندما قرر البناء، اتجه إلى الاستثمار فى الإنسان لعدد من الأجيال المختلفة.. جيل الآباء، وهو الذى يجب أن يتم استهدافه لتثقيفه لأنه هو الذى سيتحمل مسئولية المشاركة فى بناء الأجيال القادمة، وكذا جيل الشباب الذى يتحول إلى مرحلة الأبوة، هؤلاء يجب إعدادهم إعدادًا سليمًا للمشاركة فى بناء الطفل المستهدف لكى نصنع منه لبنة قوية ضمن جيل عظيم قادر على العمل والعطاء.. ومن هنا كانت البداية هى الأم التى تواجه صعوبات فى الحياة، والتى غالبًا ما يؤدى ضعفها إلى حالات وفيات للأطفال وصلت إلى ٢٧ حالة مقابل ١٠٠٠ حالة ولادة ووصلت إلى سبعين ألف حالة وفاة دون سن الخامسة فى عام ٢٠١٧.
هذا المعدل العالى لحالات الوفيات، بالإضافة إلى حالات كثيرة تنتظر فى طابور معهد السرطان أو القلب هذه هى القضية الأولى التى يجب أن ننتبه إليها جميعًا شعبًا وحكومة لو أردنا بناء فعليًا للإنسان المصرى.. صحة الطفل هى البداية.. الاهتمام بها ومواجهة انتشار أمراض صعبة لدى الأطفال وعدم قدرة الأسر على العلاج من الضرورى أن تكون ضمن خطة عمل الحكومة القادمة.. يجب وضع خطة عمل لمتابعة الطفل منذ مراحل الحمل وحتى الولادة ثم وصوله إلى سن الثانية عشرة تقريبًا عبر نظام صحى وعلاجى متكامل تشارك فيه وزارة الصحة والتعليم والتضامن.. ونحن نضع خطة بناء المستشفيات يجب الاهتمام أيضًا بمستشفيات الطفل المتخصصة، بالإضافة إلى وضع نظام تأمين شامل للعلاج يتضمن وضع الطفل تحت رعاية كاملة ومساعدة الأسر على تقديم تغذية مثالية للطفل.. فقد كشفت تقارير عن أن هناك ٢٧٪ من الأطفال دون سن الخامسة يعانون حالات نقص الدم وأن هناك تزايدًا فى حالات الإصابة بالسرطان والقلب أو أمراض وراثية أخرى.
صحة الطفل هى البداية التى يمكن أن تنطلق منها نحو تعليم مثالى للطفل يتضمن مدرسة حقيقية وليست مجرد مأوى لعشرات الأطفال فى فصول مكدسة يتلقون مناهج لا علاقة لها بالتعليم الحقيقى، وهو ما قرر وزير التعليم أن يواجهه مؤخرًا وأن يطلق المشروع القومى للتعليم الذى يبدأ مع الطفل قبل مرحلة المدرسة.. دعوة الرئيس لبناء الإنسان حجر الأساس فيها بناء الطفل صحة وتعليمًا وثقافة، وهذه هى المواجهة الحقيقية لمحاولات إسقاط الدولة عندما يكون لدينا شباب تم بناؤهم صحيًا وعلميًا وثقافيًا سترى كيف سيكون مستقبل الدولة.. تم بناء الحجر عبر أربع سنوات وأمامنا أربع قادمة للبدء فى بناء الإنسان.