رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: الجبل المقدس.. شيخ الأزهر عبدالحليم محمود يفتى بالحج إلى «حميثرة»

محمود خليل
محمود خليل

- شيخ الأزهر الأسبق ذكر أن النبى نادى على أبوالحسن الشاذلى من قبره
- عبدالحليم محمود ادعى أن الله كلم القطب الصوفى تكليمًا

بالتزامن مع أداء المسلمين مناسك الحج، يحتفل الآلاف من أتباع الطرق الصوفية والحامدية الشاذلية، باليوم الأخير والليلة الختامية لمولد أبى الحسن الشاذلى، وذلك بالقرب من ضريحه ومسجده المقام بصحراء وادى حميثرة. فيبيتون بالقرب من مقام «الشاذلى»، ثم يصعدون جبل «حميثرة» يوم التاسع من ذى الحجة، ويهبطون منه بعد غروب الشمس استعدادًا لذبح الأضاحى. التشابهات كثيرة بين ما يؤديه الصوفيون المصريون بالقرب من مقام أبى الحسن الشاذلى وجبل «حميثرة»، وما يؤديه المسلمون فى الحج.
ربما أصابك العجب لو صُودف وقرأت حول هذا الموضوع، وقد يزول عجبك بعض الشىء إذا استمعت إلى التفسير الذى يسوقه الكثيرون فى مدار شرح هذه الظاهرة، حيث يصفونها بـ«حج الفقراء»، فتكلفة الرحلة المقدسة أصبحت عالية للغاية، كما أنها أصبحت درجات، تبدأ من حج القرعة حتى الحج السياحى والفاخر، لكننى أكاد أجزم بأن عجبك سيزول كلية، إذا علمت أن واحدًا من كبار مشايخ الأزهر الشريف يرجع إليه الفضل فى تأسيس هذه الظاهرة العجيبة، فقد أنتج هذا الشيخ نصًا مرجعيًا يرفع الشيخ أبا الحسن الشاذلى إلى المراتب العلا ويحلق به فى السماء، أنستكثر بعد ذلك على البسطاء أن يعتبروا الطواف حول مقامه والصعود إلى الجبل الذى يحتضنه مماثلًا للحج إلى بيت الله الحرام؟ تريد أن تعرف هذا الشيخ؟ إنه الشيخ عبدالحليم محمود، الشيخ الأسبق للجامع الأزهر.
شكّل التصوف قاعدة انطلاق الشيخ عبدالحليم محمود نحو الشهرة واللمعان، تستطيع أن تستدل على ذلك من مؤلفاته، وأخطرها كتاب «قضية التصوف: المدرسة الشاذلية»، وقد خصص الجزء الأكبر منه لشخصية أبى الحسن الشاذلى بطل «حج الحميثرة»، ولكن دعنا ننحى ذلك جانبًا الآن، ونذكر تلك الواقعة التى «صيتت» الشيخ «عبدالحليم» بعد أشهر قليلة من وصوله إلى موقع شيخ الأزهر. فقد رأى الشيخ قبيل حرب رمضان (٦ أكتوبر ١٩٧٣) رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس، ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيرًا، وأيقن بالنصر وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب ويطمئن إلى النصر. ومعنى هذه الواقعة أن الشيخ عبدالحليم محمود كان من المشاركين فى صناعة قرار العبور. فى كل الأحوال يبقى التنبه إلى الدور الذى لعبه الرجل فى حماية الأزهر الشريف والذود عنه وعن استقلاليته ضرورة، دون أن يعفينا ذلك من التوقف عند الدور الذى قام به فى المقابل فى الترويج لأفكار كان من العجيب بمكان أن تصدر عن شيخ الأزهر، وهى أفكار ما زالت تجد صداها داخل المؤسسة وخارجها.
تناول الشيخ عبدالحليم محمود شخصية أبى الحسن الشاذلى فى كتاب: «قضية التصوف». ويحتشد الكتاب فى المجمل بحكايات عجيبة تتناقض مع العقل ومع ثوابت القرآن الكريم بطريقة تجعل قارئه يتعجب كيف يروج شيخ للأزهر لمثل هذه الترهات. أول أعجوبة يمكننا التوقف أمامها، ترتبط بذلك الحوار الذى يذكر الشيخ عبدالحليم محمود أنه دار بين أبى الحسن الشاذلى والنبى صلى الله عليه وسلم، ورغم أن الرجل نقله عن كتاب (درة الأسرار)، إلا أنه من المعروف أن الكاتب الناقل لأفكار غيره يعنى تبنيه لها. يقول الشيخ: «لما قدم المدينة - يقصد أبا الحسن الشاذلى- وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافى القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: «حتى يؤذن لى، فإن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ). فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا على، ادخل». لا يجد الشيخ عبدالحليم محمود غضاضة فى أن يتحدث بشر إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بين يدى ربه، ويرد عليه النبى من القبر. وهذا الكلام - فى حقيقة الأمر- لا يعدو إلا تخاريف على المستوى العقلى، والأخطر أنه يتناقض مع العديد من الآيات القرآنية التى تؤكد عجز أى إنسان - بما فى ذلك النبى نفسه- عن الحديث إلى الموتى. يقول الله تعالى «فإنك لا تسمع الموتى»، ويقول «وما أنت بمُسمع من فى القبور».
تجاوز الشيخ عبدالحليم محمود كل الحدود، وتخطى كل الخطوط، حين أتى بالقاصمة، وهو يتحدث عن أبى الحسن الشاذلى، فذكر أن القطب الصوفى كلم الله تعالى تكليمًا. يقول الدكتور: «قرأ الشيخ على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ قوله تعالى: (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْل لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا) أصابه حال عظيم، وجعل يكررها ويتحرك، فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها». وما كانت حياته على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها. وعلى هذا الجبل ارتقى منازل، وتخطّى مراتب حيث نبعت له عين تجرى بماء عذب. ثم بدأت الملائكة تحفّ بأبى الحسن، بعضها يسأله فيجيبه. وبعضها يسير معه. ثم تأتيه أرواح الأولياء زرافات ووحدانًا تحفّ بأبى الحسن وتتبرك به. وبعد تجاوز هذه المراتب كلها التى أهّلته لأن يخاطب الرب دون واسطة، كلّمه الرب تبارك وتعالى حسب قول ذلك الدكتور، فقال له: «يا على، اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.. فقلت (أى أبوالحسن الشاذلى): يا رب أقلنى من الناس فلا طاقة لى بمخاطبتهم.. فقيل لى: انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة.. فقلت: تكلنى إلى الناس آكل من دريهماتهم. فقيل لى: أنفق على، وأنا الملى، إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب». ربما احترت بعض الشىء أمام ما قرره الشيخ عبدالحليم محمود حول كرامات أبى الحسن الشاذلى، ومن بينها تكليم الله تعالى له، وحديثه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره، وتساءلت أنّى لرجل بقامة الشيخ عبدالحليم محمود أن يكتب هذا الكلام ويروج له، دون أن يتوقف أمام تصادمه مع العديد من الآيات القرآنية واضحة الدلالة؟. والإجابة على هذا السؤال تلخصها كلمة واحدة هى «الدروشة»، «الدروشة» التى تعطل العقل عن التفكير، والتدبر والتحليل، وتغريه بالغرق فى بحور الأوهام والترهات، وهى حالة يستريح إليها الجميع: المشايخ والدعاة وأفراد السلطة والمواطنون البسطاء.