رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلات الكعك والبسكويت: "راحت عليك يا فرن الغلابة"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ما أن بدأت تباشير الصباح تداعب سواد الليل، بينما الشوارع تفتقر لساكنيها الذين يغطون في نوم عميق، حتى بدا تجمع نسائي يكسو شوارع القرية التابعة لمركز شبراخيت، بمحافظة البحيرة، كل منهن تحمل بيدها حقيقة كبيرة، وجرة مملوءة باللبن، ووقف عدد من أقاربهن يودعنهن، في رحلة مقدسة بالنسبة لبعض النساء، لكنهن لن يقصدن البيت الحرام كما اعتاد أهل الريف على وداع المعتمرين في شهر رمضان، فالجميع قررن طهي كعك العيد وبسكويته في محافظة أخرى.

في تمام الخامسة فجرًا وقفت سيارة الأجرة (ميكروباص) على عتبات باب السيدة هانم محمود (50 عاما) محمّلة بعشرات النسوة، اللاتي اتفقن في السماء على السفر سويا لمحافظة كفر الشيخ، في رحلة لن يعودن منها قبل المساء، لتحضير كعك العيد بأحد مصانع المحافظة التي تفصلها عن موطنهن مياه النيل وبضعة كيلو مترات.

تتفحص السيدة أدواتها التي أحضرتها منذ المساء مع التأكيد على من معها من رفيقات الرحلة، من "غلي اللبن" في المساء حتى لا يفسد، ثم تقول، "للدستور" "نحن ذاهبون لتجربة كعك العيد هذه المرة في كفر الشيخ فالكثير من الجيران يشيدون به".

تدير المرأة الخمسينية وجهها تجاه السائق لتكمل:"اتفقنا أنا و6 من جيراني على التجربة بالألى العام ده، دفعت كل واحدة 45 جنيه أجرة العربية اللي بتاخد 300 جنيه، وهنشارك الرحلة لكفر الشيخ.

تضيف السيدة أن المصنع يطلب منهن كمية من اللبن الحليب تناسب كمية الدقيق التي يردن تحويلها لكعك أو بسكويت، ثم يدفعن أجر المصنع 20 جنيها عن كل كيلو يتم إعداده.

تضع السيدة يدها على رأسها وتتذكر ما كان يحدث في الأعوام السابقة:" كان يتجمع في منزلنا قرابة 30 امرأة ينقشن العجين بخفة ومهارة، وينتقلن في كل ليلة لمنزل أحد الجيران حتى ينتهين من إعداد الكعك لسكان الشارع بأكمله".

تجربة كعك المصنع ليس الغرض منها هو عمل كعك كالموجود في المحلات فقط بحسب "هانم"، فالأمر يتعدى ذلك فبنتاه الثلاثة غير مؤهلات هذا العام لمساعدتها في عملية الطهي التي كانت تستغرق طوال النهار، لأن الكبرى غادة تزوجت والثانية فريدة تؤدى امتحانات الثانوية العامة و"البيت متكهرب" كما تقول.

تقر المرأة الريفية بأنها مازالت مشتتة بسبب ما ستفعله في "السُنة التي اعتادات عليها" (هكذا يطلق الريفيون على الكعك) وتقول بنبرة ريفية خائفة:" كحكنا لا يعلا عليه لكن الظروف حكمت واهو نجرب".

تتدخل نادية عبد الحليم 40 عاما في الحديث الذي فتحته الدستور مع الريفيات اللاتي قصدن كفر الشيخ في رحلة "الكعك والبسكويت" مشيرة إلى أنها تفقد "لمة رمضان" التي اعتادت عليها كل عام، فلم تعد تزامل صديقاتها في أعمال الكعك كما تعودت كل عام، فعدد كبير منهن اتفقن على تجربة المصانع.

تقول السيدة لـ«الدستور»، إنهن كن يتجمعن حول "الطبلية" لنقش العجين فوقها كل ليلة، ثم يتجمعن في الصبح بعد أن يأخذ قسطا قصيرا من النوم، لطهيه أمام أفران "القش" مؤكدة أن الأفران الآلية لا يمكن أن تنج كعك بالجودة التي تخرج من فرنها.

تبرر نادية ذهابها لمصانع الحلويات لطهي الكعك ومخالفة العادة التي توارثتها أسرتها بأن أبنائها يرغبون في تجربة ما ينتجه المصنع، ويقولن إنه أشهى من المصنوع على يد النسوة، إلا أنها تصر على عدم فهمهم للميزة التي يحظى بها كعك "الغلابة" كما تسميه.