الخلافة فى الإسلام.. المقدس والبشرى
لعبت الخلافة دائمًا دورًا محوريًا فى التاريخ الإسلامى، ولن نتطرق هنا لمفهوم الخلافة فى الفقه الإسلامى، لأن اهتمامنا سينصب على تطور الخلافة عبر التاريخ، والمتغيرات التى طرأت عليها بحكم كونها «نظامًا سياسيًا».
بداية لن ندخل فى الجدل الطويل حول معنى مصطلح «الخلافة» و«الخليفة»، وهل يأتى من خلافة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم من الاستخلاف فى الأرض، وأن الله جعل الإنسان فى الأرض خليفة من أجل «العمران البشرى»، كما أطلق عليه ابن خلدون.
وأول ما يلفت النظر فى موضوع الخلافة مقولات بعض المستشرقين حول اغتيال ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، عمر وعثمان وعلىّ. وفى رأينا أن هذا الأمر على بشاعته دليل على حيوية المجتمع الإسلامى وقدرته على الاستمرار، فلا تسقط الدولة بمقتل الخليفة، وإنما المجتمع قادر على الاستمرارية وبقاء الدولة وتقديم قيادة جديدة، إنه تاريخ بشر وليس تاريخًا مقدسًا.
الأمر الآخر الجدير بالنظر، أن جماعات الإسلام السياسى، سواء الإخوان وصولًا إلى داعش، تنظر إلى تاريخ الخلافة على أنه «تاريخ مقدس» ثابت غير متغير، لذلك هى الآن تحاول استعادة «المُتخَيَّل» وهو التاريخ المقدس الذى لم يحدث أصلًا، لأن روعة التاريخ الإسلامى أنه تاريخ بشر.
لم ينتبه هؤلاء كثيرًا إلى تغير نظام الخلافة الراشدة إلى نظام المُلك «العضوض» الملكية الوراثية، وفقدان الخلافة أحد أهم وجوهها، الانتقاء والاختيار. كما لا يولى هؤلاء اهتمامًا كبيرًا إلى المتغيرات حتى فى داخل الخلافة الراشدة، فأبوبكر الصديق ليس كالفاروق عمر، وعثمان ليس كعلىّ، إنه التاريخ البشرى بتنوعه واختلافه وحيويته.
وتناسى البعض أنه مع اتساع رقعة «دار الإسلام» فقدت الخلافة ركنًا أساسيًا من أركان فكرة الخلافة نفسها، وهى وحدة الدولة الإسلامية. إذ سرعان ما تعدد «الخلفاء» فى العالم الإسلامى، فكانت هناك الخلافة العباسية فى بغداد، والفاطمية فى القاهرة، والأموية فى الأندلس. والأكثر من ذلك أنه فى أوقات الضعف سيعلن بعض الحكام فى المغرب، بل فى أقصى المشرق الإسلامى فى آسيا، الخلافة ويضيفون لأنفسهم لقب «الخليفة». وفى رأينا أن هذه الظاهرة كان لها وجهها الإيجابى، إذ إنها أكدت أن نظام الخلافة نظام سياسى متغير بطبعه، وأنه تاريخ بشرى وليس مقدسًا، والحتمية التاريخية وراء هذا التطور، لأن الأهم ليس الخلافة، وإنما الحفاظ على الدعوة والحضارة الإسلامية.
وهناك صفحة مسكوت عنها كثيرًا فى التاريخ الإسلامى، وبصفة خاصة فى فكر جماعات الإسلام السياسى، وهى إعادة إحياء الخلافة العباسية فى القاهرة على يد المماليك، بعد سقوط بغداد على أيدى المغول. إذ أصبحت الخلافة شرفية إلى حدٍ كبير، وأصبح الخليفة دون سلطات فعلية، بينما السلطة الفعلية فى يد سلاطين المماليك.
تحول آخر مهم ومثير على طريق «بشرية» نظام الخلافة، هو انتقال الخلافة إلى السلاطين العثمانيين فى ظروف تاريخية غامضة ومُختَلَف عليها حتى اليوم. إذ إن المعروف أن «الخلافة فى قريش» حتى رأى البعض فى ذلك حديثًا نبويًا، فكيف تم التجاوز عن ذلك المبدأ من أجل تأسيس الخلافة العثمانية، آخر خلافة إسلامية؟!
تُراق الدماء الآن فى شتى أنحاء العالم الإسلامى على أمل إحياء الخلافة الإسلامية، فهل قرأنا جيدًا التاريخ البشرى للخلافة؟
