رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: الفلاشة الملعونة

أشرف عبد الشافي
أشرف عبد الشافي

- الذين يقرأون القرآن الآن يهرسون القرآن ولا يتقنون القراءات على الأحرف ولا يعرفون الإدغام وشروطه ولا مخارج الألفاظ

لا تعرف يا أخى من أين تأتى تلك الفلاشات التى يغرسها سائقو الميكروباصات فيخرج هذا الصوت المخنث الأخنف المستعجل المسرسع فيثير غيظى وحنقى وكراهيتى للجهل الذى أصبح سمة عامة لم أنجح فى محاربتها.
استخدمت كل الوسائل فى الحديث إلى السائقين فلم أخرج من بينهم إلا كافرًا، بعد أن قام عدد لا بأس به من الركاب بمساندة السائق اللى عارف ربنا ومشغل قرآن، وأقول هذا ليس القرآن يا جماعة فيغرسون أصابعهم فى عينى: لأ قرآن، إنت بس اللى مش عارف طريقك عشان ربنا يهديك، وفى كثير من المرات أعمل نفسى «مثقف»، وأتكلم عن مدارس التلاوة المصرية، وكيف صنعت كل هذا المجد فى كل دول العالم، فالقرآن فى حناجر المصريين، هم الذين درسوه وتأملوه وتحسسوا حروفه الطاهرة فى قلوبهم قبل حناجرهم، فلا أخرج إلا وأنا مجنون «سيبوه ف حاله ربنا يهديه».
أقسم بالله إننى تصورتها مؤامرة، وإن هناك شخصًا يشبه رجال المافيا فى الأفلام يقوم بتوزيعها على السائقين وأصحاب محلات الملابس فى الأحياء الشعبية والراقية أيضًا، فالفلاشات لا دين لها ولا قاموس، ولا أكذب حين أقول لك إن القرآن بيوحشنى، والله العظيم بتكلم بجد، فأنا أسمع أصواتًا تقرأ شيئًا آخر غير كتاب الله، لا يمكن أن يكون هذا الصوت الأخنف البارد يعرف أن ما يطرشه قرآن! ولا أعرف ماذا أفعل! فكرتُ فى وضع فلاشة مقابل فلاشة تكون فى جيبى كلما غرس أحدهم فلاشته نزعتها ووضعت فلاشتى، لكن الفكرة إن تحققت مرة، فالنسيان يجعلها تفشل مرات، فكثيرًا ما أنسى تجهيز سلاح الفلاشة فى جيبى فيكون نصيبى علقة سمعية لشخص أخنف يهرس الحروف والمعانى القرآنية تحت ضروس مسنونة فلا تعرف صوت العجمى من العسيرى من البعيجان من الشريم من الصريم من الهباب الأزرق الذى انتشر فى وادينا المصرى الأخضر، ولا تعرف من أين جاء كل هؤلاء، وتوزعوا على الفلاشات فى سيارات الأجرة وعيادات الأطباء ومحلات الكشرى، كل هؤلاء الذين يهرسون القرآن ولا يتقنون القراءات على الأحرف، ولا يعرفون الإدغام وشروطه، ولا مخارج الألفاظ، كل هؤلاء بأصواتهم وأدائهم الذى يصيب القلب بالتوتر والجسد بالعصبية.. كيف نوقف زحفهم يا رب العالمين؟ هل نطالب بإعادة الاعتبار لعمالقة القراءة المصرية فى المترو والتليفزيون؟ هل نطبع فلاشات ونوزعها لمحاربة فلاشاتهم الملعونة؟ كيف انتشروا فى وادينا الأخضر يا رب العالمين؟! كيف احتلوا مكانة الكبار العظماء الأجلاء محمد رفعت ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط والطبلاوى والبنا والمنشاوى ومحمد عمران والبهتيمى وعشرات من أجيال عظيمة صنعت مدارس التلاوة فى مشارق الأرض ومغاربها؟! فمن جعل الفلاشة الملعونة تأكل كل هذا النعيم لتزرع مكانه أصواتًا صحراوية جافة يصعب عليها التعرف على «نداوة» الصباح فى كل لفظ قرآنى وكل معنى وكل آية، من ذا الذى يزرع الجفاف والبلادة ويعكر المزاج بهذه الأصوات المخنوقة المسرسعة المخنثة؟! ومن يوقف بالوعات الجهل التى طمست ثقافة السمع والبصر فجعلت رنات الموبايلات تصاب بعدوى الفلاشات الملعونة؟ من ينقذنى من هذا الجحيم، ويعيدنى إلى أصوات المصريين الخاشعة لربها دائما وأبدًا؟!