رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة فى الحى الراقى «3»

أميرة ملش تكتب: طيار الشروق الوسيم.. هل قتلته زوجاته الثلاث؟

أميرة ملش
أميرة ملش

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحًا، حيث يستعد الكابتن طيار هانى للخروج من منزله متجهًا إلى مطار القاهرة، للحاق بميعاد رحلته الجوية المقبلة، وقبل الخروج من المنزل اعتاد الكابتن أن يتناول إفطاره مع فنجان شاى، يعتبره مقدسًا، لكنه فى ذلك اليوم الشتوى من عام ٢٠٠٦ لم يخرج من منزله، ولم يذهب إلى عمله، ولم يطر محلقًا بطيارته فى السماء.. فقد انتابته نوبة قلبية هاجمته بشراسة وأنهت حياته وهو فى ريعان شبابه.
الكابتن هانى كان فى الثلاثينات من عمره، وكان وسيمًا مثل نجوم السينما، سقط ميتًا فى منزله بين زوجاته الثلاث الجميلات، وابنته الصغيرة التى لم يتعد عمرها الستة أعوام، فقد كان يسكن مع زوجاته الثلاث فى فيلا واحدة فى حى الشروق، مضيفة ومترجمة وطبيبة، اتصلت إحداهن بوالدته لإبلاغها الخبر، استدعوا طبيبًا، وقال إنها أزمة قلبية مفاجئة أودت بحياته، إجراءات الدفن تمت سريعًا وأقيم العزاء فى اليوم التالى.
ولكن أمه كان لها رأى آخر، فقد دلها قلبها على أن وفاة ابنها ليست طبيعية، فتقدمت بطلب للنيابة العامة تطالب باستخراج جثته وتشريحها، لأنها تشك فى وفاته.
وقد حدث ووافقت النيابة واستخرجت الجثة وتم التشريح، لتكن المفاجأة التى قلبت الأمور رأسًا على عقب، وجعلت من وفاة طيار الشروق قضية رأى عام، بعد أن أثبت الطب الشرعى عقب تشريح الجثة، فى تقريره، أن الطيار مات مسمومًا، وأن السم وضع فى الشاى.
فقد صدق حدس الأم، وصدق قلبها، وكانت على حق، وبناء عليه اتهمت الأم زوجاته الثلاث بقتله، حيث إنه قتل فى منزله وبعد تناول الإفطار والشاى، الذى أثبت الطب الشرعى أن السم وضع فيه، ولم يكن فى المنزل غيرهن، وهن من قمن بإحضار الإفطار والشاى، وقررت النيابة استجواب زوجاته الثلاث، لمعرفة الحقيقة، كما أنها واجهتهن بأقوال الأم، وبعد الاستجوابات حصرت النيابة الاتهام بالقتل فى زوجة واحدة فقط، وهى المضيفة، حيث كشفت التحقيقات والتحريات، التى قامت بها مباحث القاهرة، عن أنها هى التى حضّرت الشاى وقدمته له، وتم استبعاد الزوجتين الأخريين من القضية وتبرئتهما من القتل.
بالطبع أثارت القضية شغفى، ودارت التساؤلات فى رأسى حول من قتل الطيار؟ هل زوجاته الثلاث جميعهن، أم واحدة منهن؟ وكيف جرى الأمر؟ فلم تكن بالنسبة لى قصة قتل عادية، فقد ملأتنى الرغبة فى الكشف عن التفاصيل وحل العقدة، وإظهار الحلقة المفقودة، إذن هى قصة تستحق.
طلبت مقابلة الزوجة، التى اتهمت بالقتل، وجاءت الموافقة من السلطات بعد عدة أيام، وفى الوقت الذى أبلغت فيه بالموافقة، وكان فى وقت متأخر من اليوم، علمت أنها سيتم ترحيلها إلى سجن القناطر فى الصباح الباكر من اليوم التالى، فقد كانت محبوسة احتياطيًا على ذمة التحقيقات فى قسم شرطة الشروق، وليلتها لم أنم وذهبت فجرًا للقائها فى قسم الشروق، وقبل الشروق بدأت حوارها معى ولم يقاطعنا سوى صوت المسئول عن ترحيلها ليستعجلنا لإنهاء الحوار.
كان فجر أحد أيام الشتاء الباردة، ونسيت برودة الأجواء وانشغلت فقط بمعرفة الحقيقة، وفى قسم الشروق، جاءتنى المضيفة بعد وقت قصير فى مكتب رئيس المباحث، وكانت تستعد للرحيل بعد ساعات قليلة إلى سجن القناطر، حيث المجهول الذى ينتظرها، كما قالت لى.
الغريب أنه كانت لديها رغبة للحكى، لم أتوقعها، وكنت على استعداد تام لإقناعها بالكلام فى حال الرفض، ولكنها وفرت علىّ ذلك، كانت سيدة جميلة ورشيقة ورقيقة، تبلغ من العمر ٢٩ عامًا، وعلى درجة عالية من التعليم والثقافة، فقد كانت تتحدث ثلاث لغات، وتنتسب لأسرة مرموقة ثرية، وتعمل مضيفة تسافر لرحلات الطيران المتجهة إلى أوروبا، علامات الإجهاد وعدم النوم كانت واضحة على ملامحها، وبدا الخوف فى صوتها وعينيها، وكان أول سؤال وجهته إليها قبل أن أتحدث عن القضية، لأنه كان يشغلنى وشعرت أن فى إجابته مفتاح القضية، من الطبيعى أن تتزوجى رجلًا متزوجًا، لأن الشرع يحلل ذلك، ولكن كيف تعيشين وأنت على هذه الدرجة من التعليم والثقافة والجمال فى بيت واحد مع زوجتين؟.
فبدأت الحديث وقالت، نحن الثلاث، جميلات ومتعلمات ومثقفات، وترتيبى الثالثة بين زوجاته، والزوجتان الأخريان واحدة منهما مترجمة وتعمل مرشدة سياحية، وتتحدث الفرنسية والإيطالية بطلاقة، والأخرى وهى الزوجة الأولى وأم ابنته طبيبة تحاليل.. وكل واحدة منا كان محيطها من أهلها وأصدقائها ممن يعلمون أننا نعيش فى بيت واحد يندهشون من ذلك، ولكن العلاقة بيننا كانت ممتازة، وهما متضامنتان معى جدًا، ولا تنقطعان عن زيارتى.
وأضافت: كل واحدة منا عاشت قصة حب معه جعلتها ترضى بهذا الوضع الشاذ والمنتقد من الجميع، فقد كان شخصية جذابة جدًا، ومعبودًا للنساء ومعروفًا فى المطار بذلك، وأنا مضيفة ورافقته فى رحلات كثيرة ونشأت بيننا قصة حب، وعرض علىّ الزواج، ولكنه قال لى إنه لن يستطيع توفير منزل زوجية لى وحدى، لأن تحويشة عمره وضعها فى فيلا بحى الشروق، وكنت أعلم أنه متزوج من سيدتين ويسكنان معه فى نفس الفيلا، ترددت فى البداية فى قبول هذا الوضع، ولكننى وافقت بعد إلحاح منه، ووعد بأن يكون لى منزل خاص بى بعد ذلك، وبصراحة كنت أحبه كثيرًا، ما جعلنى أتغاضى عن أى شىء لأتزوجه.. ثم قالت إن الحياة فى الفيلا لم تكن سخيفة، بالعكس اكتشفت أنه أحسن الاختيار فى الزيجتين، وأصبحنا صديقات، وهو ما لم يكن فى حسبانى مع زوجتيه.. كانتا محترمتين، وتعاملنا نحن الثلاث بود طيلة وجودنا فى المنزل.
شعرت أثناء الحوار أنها تريد أن تقول شيئًا ولكنها تتراجع عن قوله وتستبدله بحديث آخر، لذلك انتهزت فرصة صمتها برهة وقبل أن تقول شيئًا، قلت لها ما أشعر به من أن لديها شيئًا مترددة فى قوله، فقالت لى نعم، لأنه شىء محرج، ولكننى أريد أن أكشفه، وهو أن زوجى كانت له بعض الطباع الغريبة والشاذة، التى فوجئت بها ولم أكن أتوقعها نهائيًا، فلم يظهر عليه ذلك، فمثلًا كان فى بعض الوقت يعاشرنا جنسيًا نحن الثلاث سويًا فى وقت واحد.
وكان أحيانًا يصر على أن يفعل ذلك أمام طفلته الصغيرة، التى لم يتعد عمرها الست سنوات، وكان يُصاب بمزاج سيئ للغاية إذا رفضت واحدة منا أن تستجيب له، فيصاب بحالة جنون ويكسر أى شىء أمامه، لذلك كنا نستجيب له رغم شعورنا أننا نفعل شيئًا مقززًا، وكنا كثيرًا ما نرفض وجود الطفلة ونشعر بالذنب الشديد، لأنها ترى ذلك وتتعرض لهذا الموقف، ولكنه كان يصر إصرارًا فظيعًا على وجودها.
لكننا لم نقتله رغم ذلك ولم نفكر، ولا تجرؤ أى منا أن تفعل ذلك، ولا نعرف كيف مات مسمومًا؟ وربما يكون قد شرب «شاى» قبل قدومه إلى المنزل أو أكل شيئًا مسمومًا أو طعامًا غير صالح للأكل، وهو خارج المنزل فقد جاء إلى البيت ليلة وفاته فى وقت متأخر جدا.
انهارت المضيفة، وبكت بكاء شديدًا فى هذه اللحظة وهى تقول لى لم أقتله، أقسم بالله لم أضع له السم فى الشاى، ولا أعرف كيف حدث هذا، ومن أين جاء السم ولا واحدة من الضرتين فعلت ذلك، لم نقتله ولماذا نقتله أصلًا، فمن تريد الرحيل فبإمكانها أن تطلب الطلاق أو ترفع دعوى خلع، وثلاثتنا ناجحات فى عملنا، لماذا نُقدم على قتله ونضيّع مستقبلنا وحياتنا؟ وقالت عن ضرتيها إنهما مثل أختيها وشهدتا فى صالحها فى التحقيقات، وكل واحدة فيهما ذهبت إلى محامٍ للوقوف بجانبى وإثبات براءتى.
وهنا دخل علينا أحد المسئولين بالقسم، وطلب منها أن تذهب معهم، لأن سيارة الترحيلات جاءت، لتذهب بها إلى سجن القناطر، توترت بشدة وكانت خائفة، لأنها لا تعرف ماذا ينتظرها فى السجن، وقالت لى وهى تبكى «أنا رايحة للمجهول»، ولكنها قبل أن تذهب طلبت منى رقم هاتفى وأعطتنى رقم هاتف أحد أقاربها ومحاميها وقالت «أرجوك تابعى القضية حتى إثبات براءتى علشان تتأكدى إنى بريئة ومقتلتوش».. تعجبت وقتها من ثقتها فى البراءة، وتابعت القضية فعلًا، والتى أخذت وقتًا ليس قصيرًا فى المحكمة.
وفى يوم ما رن هاتفى صباحًا، ووجدت شخصًا يقول لى أنا قريب المضيفة المتهمة بقتل زوجها الطيار فى الشروق، وهى من طلبت منى أن أحدثك، لأن الحكم صدر منذ ساعات قليلة، وهى طلعت براءة.
ثم اتصلت بى هى بعد خروجها وقالت لى «الحمد لله أنا أخدت براءة، شوفت إزاى أنا مقتلتوش ولم أكذب فى أى كلمة قولتها لك، وأشكرك لأنك كتبت ما قولته لك بدقة دون أى نقص أو زيادة»، ثم استطردت بأنها ستتزوج قريبًا من قريبها الذى أعطتنى رقم هاتفه أثناء الحوار فى القسم.
بحثت بعد ذلك فى أوراق القضية، لأعرف كيف حصلت زوجة الطيار على البراءة، ومَنْ قتله، وعلمت أن دفاع الزوجة استطاع أن يثبت براءتها، بأن أثبت أن الكابتن طيار حضر إلى المنزل الكائن فى حى الشروق الذى تعيش به طفلته وزوجاته الثلاث، فى الساعات الأولى من الصباح قادمًا من رحلة بالخارج، ثم خلد إلى النوم ساعتين تقريبًا وحدثت الوفاة بعد استيقاظه مباشرة، وهنا جاءت إمكانية أن يكون تناول «شايًا مسممًا» أو طعامًا مسممًا أو فاسدًا وهو خارج المنزل، ولا يوجد دليل مؤكد أنه تسمم فى منزله، ولهذا حصلت زوجته على البراءة، صحيح أن القضية أُغلقت، ولكن ظلت هناك أسئلة معلقة: مَنْ وضع له السم فى الشاى بعد براءة زوجاته الثلاث من قتله؟! وماذا حدث للكابتن طيار هانى؟ وهل وضع له السم عندما كان على الأرض أم فى الجو؟.. ولكن الإجابة مازالت فى علم الغيب