رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «9»

محمد الباز يكتب: الذين صنعوا كشك وعدوية.. «لو إنتو اللي رميتوا الشبكة إحنا اللى طعمنا السنارة»

محمد الباز
محمد الباز

- كشك أحاط نفسه بمجموعة من الأصدقاء يعرضون عليه ما ينشر فى الصحف
- عدوية اعترف فى حوار له مع «روزاليوسف» بأنه يقرأ ويكتب بصعوبة
- المغنى تنكر لبعض من ساعدوه مثل ربيع رءوف ولم يذكر اسمه كملحن لأغنية «بتاعة الودع»


لا يستطيع الإنسان أن يعيش بمفرده أبدًا، هو كائن اجتماعى كما يقولون، وعندما يكون لديك مشروعك أو إنجازك فلا بد أن يكون إلى جوارك مقربون أصدقاء أو مريدون أو حتى منتفعون، المهم ألا تكون وحدك أبدًا.
على طول سنوات الشيخ كشك المهنية فى الدعوة، وهى السنوات التى توزعت على مرحلتين- الأولى كانت للوعظ والإرشاد المباشر عبر المنابر، وامتدت من عام ١٩٦٢ وحتى عام ١٩٨١، والثانية استخدم فيها أدواته فى الكتابة عبر الصحف والمجلات والكتب، كان إلى جواره من يعينونه على التحصيل والمعرفة، بدأ المشوار مبكرًا جدًا وهو طالب فى الأزهر، كان عدم وجود مرافق معه يمثل بالنسبة له كابوسًا.
يحكى هو بما يمكننا أن نتعاطف معه فيه، يقول فى مذكراته: جرت عادة الطلاب أن ينصرفوا قبل الامتحان بشهرين، يتفرغون فيهما استعدادًا لدخول الامتحان، وهنا لاحت أمامى أسئلة وعلامات استفهام كان لها وقع السهام على نفسى: من الذى سيذاكر لى هذه العلوم التى فاتتنى؟ وإذا لم أجد من يذاكر لى فبأى شىء أدخل الامتحان؟
يجسد كشك مأساته أو لنقل معاناته، يقول: رأيت من الحكمة أن أتفق مع أحد الطلبة لنذاكر سويًا، والاتفاق مع أحد الطلبة يمثل مشكلة يعانيها المكفوفون، فليس ذلك بالأمر السهل، إذ إن الذين يعملون الخير ابتغاء مرضاة الله قليلون، فما الذى يدفع البصير إلى أن يذاكر للكفيف إلا أن تكون المنفعة متبادلة بينهما.
وقبل أن تسأل عن المنفعة التى يمكن أن يقدمها طالب كفيف لطالب مبصر، يجيب كشك عن ذلك بقوله: الكفيف وقد عوضه الله عن نور البصر ذكاء القلب، حريص غالبًا على حضور الدراسة، مواظب على السماع من شفاه المدرسين، وتلك جوانب قد تفوت الطالب المبصر، فيجد فى مذاكرته مع الكفيف ما فاته.
ما كان للشيخ كشك أن يصعد إلى النجوم إلا بهؤلاء الرفاق.
من بينهم رفيقه الأول الذى صادقه أثناء دراسته الثانوية التى امتدت لخمس سنوات، يقول عنه: رزقنى الله إنسانا قضيت معه أربع سنوات حتى حصلت على الشهادة الثانوية الأزهرية، وكانت المرحلة الثانوية يومها خمس سنوات، كان هذا الصديق هو الأخ محمد الطوخى، والحق أنه كان معى وفيًا وبى حفيًا، مات أبوه فى صغره وكفله جده لأبيه، زاره جده فى غرفتنا التى كنا نقيم فيها وسأله عنى، فقال: إنه طالب علم وأدب، فسر الرجل إذ وجد من يلزم حفيده فى طلب العلم فأوصاه بى خيرًا، كما أوصاه أن يأتى بى عند انتهاء العام الدراسى قبل الامتحان لنستذكر معًا، ووقعت هذه الكلمة من نفسى موقع الماء البارد فى فم الظمآن، فوجدت مكانًا خاليًا فى القلب فتمكنت منه فضل تمكن، فقد كان فى نفسى فراغ رهيب يحتاج من يضع اللمسات الصادقة، وذلك من حيث من يقوم معى باستذكار العلوم.
لم يكن لجد الصديق الفضل وحده، عمه أيضًا كان صاحب فضل على الشيخ كشك، فبعد أن قضى معه ما يقرب من شهرين فى بلده، وكما يقول هو: عندما انصرفنا إلى القاهرة لأداء الامتحان رأى عم صديقى أن يقدم لى هدية، فعبر عن ذوق رفيع، فقد كانت قطعة من القماش أعطاها خياط القرية، فصارت ثوبًا جميلًا خفيفًا فى حر الصيف ساعد مع ثوبى الذى كان يشكو ألم الوحدة، كما أعطانى جنيهًا جديدًا، وكان الجنيه يومها ذا قيمة.
بعد أن احترف الشيخ كشك الخطابة، عمل على إحاطة نفسه بعدد من الأصدقاء، لا يقرأون له فى الكتب الدينية التراثية منها والحديثة فقط، حتى يتثبت من معلوماته التى يضمنها خطبه، ولكن يقرأون له الصحف وينقلون له الأخبار، وهو ما مكنه من أن يبدو خطيبًا مشاكسًا، يأتى على سيرة كل ما يحدث فى مصر، وكأنه يتابعه بنفسه.
هنا يمكن أن نثبت ما يربط بين الشيخ كشك وأحمد عدوية فى مساحة التعلم، فكل ما حصلا عليه ووصلهما جاءهما عبر آخرين.
عدوية اعترف بأنه لم يفلح فى المدارس، تركها دون أن يحصل منها على شىء، كان الشارع مدرسته الكبيرة التى لم يتعالَ عليها، ولم يتنكر لها فى أى يوم من الأيام، قال هو عن ذلك نصًا: «أنا من ملوى فى المنيا، جيت مع أسرتى للقاهرة، وأنا عندى ستة شهور، ودخلت المدرسة، أخدت الابتدائية وما قدرتش أكمل، لأنى كنت غاوى الغنا وعزف الناى».
كان يتحدث بعفوية شديدة، فى حوار سريع أجراه معه الناقد الكبير طارق الشناوى، وقتها كان محررًا فنيًا مبتدئًا فى روزاليوسف، تحدث عدوية بما يمكن أن تعتبره صدمة.
نحن نتحدث عن عام ١٩٧٦، أى بعد أول أسطوانة لعدوية، وهى «السح الدح إمبو» بأربع سنوات فقط.
سأله طارق: بتعرف تقرأ؟ رد عدوية بعفوية: شوية، فأعاد السؤال: بتعرف تكتب، فأجاب عدوية: بكتب اسمى يدوبك، ولما سأله: أين تعلمت قواعد الموسيقى؟ قال ساخرًا: قواعد.. يعنى إيه قواعد؟ إحنا فى حصة نحو ولا إيه؟
ولما واجهه طارق الشناوى بصراحته التى يبدو أنها ولدت معه: بصراحة لولا ذوق الجمهور الهابط ما انتشرت أغانيك، وبعدين جاءت أغانيك لتجهز على ما تبقى من ذوق الجمهور، لم يتهرب عدوية من الحديث، لم يتهم طارق بأنه يتآمر عليه، أو يهاجمه لصالح آخرين، بل تحدث بما يؤكد أنه كان مقتنعًا بما يفعله.
قال عدوية: السح الدح امبو تتقال للأطفال، وسلامتها أم حسن أغنية اجتماعية تعالج مشاكل الحسد والزار، وأغنية كله على كله بأغنيها للخواجات، وبقول فيها: إحنا برضه معلمين.
تعجب طارق من منطق عدوية، قال له: تغنيها للخواجات؟
فأكمل المغنى عليه: وأنا فى لندن سمعت أغانى كتيرة، ولما سألت عن معانيها، قالوا ملهاش معنى، ويسمونها أغانى عبثية، وأنا أعتبر ما أقدمه أغانى عبثية بس على شرقى.
هل كان عدوية حقيقيًا فيما يقوله؟.. أعتقد أنه كان يسرح بطارق الشناوى، بالمعنى البلدى يريحه حتى يريح دماغه.
قد ترى عدوية يتحدث هنا من منطق أنه نجح والسلام، ولذلك لا حاجة له ليبرر هذا النجاح أو يفسره، كما أنه فى هذا الوقت كان يتحدث من منطق القوة، وعليه فهو ليس فى حاجة لأن يتحدث بجدية عما يفعله، فيكفيه أنه يحقق هذه المبيعات، ولذلك عندما قال له طارق الشناوى بوضوح: بيقولوا إنك لن تستمر، هتاخد لك يومين، وبعدين تتوكل، رد عدوية بحسم: اسأل عن ده أصحاب محلات الأسطوانات، فى إشارة واضحة منه إلى أنه مكسر الدنيا، ومن الصعب أن ياخد يومين ويتوكل على الله، رغم أن هذه سنة الحياة ليس فى الفن فقط، ولكن فى كل شىء.
بعد سنوات حاول عدوية أن يبدو مثقفًا، لديه مكتبة تضم ١٣٠٠ شريط فيديو، تحدث فى أكثر من حوار متعمدًا عن الأفلام التى يفضلها، فهو يشاهد دائمًا الأفلام العربية خاصة أفلام المطربين والمطربات، أمثال عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزى.
بدأ عدوية ينسج لنفسه مساحة من المعرفة والذكريات أيضًا، كان يتحدث كثيرًا عن فيلم «شارع الحب» الذى لعب بطولته عبدالحليم حافظ، وكان يقول عنه: شاهدت هذا الفيلم أكثر من ٢٠ مرة، فهو يذكرنى بأصلى وحياتى وبداياتى، وهذا شىء أعتز به وأفخر، أيام شارع محمد على وفترة الكفاح الأولى فى طريق الفن.
وكما أشار عدوية إلى عبدالحليم، أشار أيضًا إلى الفنان العالمى عمر الشريف، الذى يحتفظ بكل أفلامه العربية والأجنبية، لأنه صديق عزيز له، وحتى يؤكد عدوية حرصه على مشاهدة أحدث الأفلام الأجنبية، يمكن أن تسمعه، وهو يقول: عندما كنت أسافر إلى الخارج كنت أحرص على شراء أكبر مجموعة من الأفلام التى لا تدخل مصر بسبب ظروف التوزيع أو الرقابة.
كان عدوية يتحدث عن الفيديو الذى يراه مسليًا جدًا، يستطيع من خلاله أن يسجل ما يشاء، ومن بين ما كان يحرص على تسجيله من التليفزيون برنامج «عالم البحار»، ولم يكن يفعل ذلك من أجل نفسه بل من أجل ولديه «محمد ووردة»، وكان يراه برنامجًا مفيدًا جدًا.
بعد سنوات طويلة وعندما أصبح عدوية من بين ما نحن إليه وننسج حوله الذكريات ونستدعيه على أنه أحد رموز الفن الجميل، تحدث عدوية، ورفض وصف ما يغنيه بأنه ابتذال، رغم أنه هو نفسه من سخر من أعماله، ربما تماهيًا مع سخرية الآخرين منها.
فى حوار له مع مجلة نصف الدنيا، ذهب إلى عكس ما ذهب إليه من قبل فيما يخص أغنية السح الدح امبو، يقول عنها هذه المرة: «السح يعنى وحش، والدح يعنى حلو، وامبو يعنى ميه، والناس أخدوها بمحمل تانى، وقالوا كلامًا فارغًا وكلامًا (هايف)، وياما قالوا، إنما الكلام ده نجحنى، والهجوم دليل كبير على النجاح، والنخل لما يرموه بالحجارة ينزل (رطب)، وياما ناس قلدتنى برضه، لكن الشعبى الصح صعب».
عندما كان عدوية يغنى فقط، لم يكن مهتمًا بأن يبدو أمام جمهوره متعلمًا أو مثقفًا أو عارفًا، اكتفى بأنه مصدر متعتهم، وهم مصدر ثروته، لكنه عندما أبطأ به الغناء، حاول أن يتحدث ليقول للناس إنه يستحق كل ما حصل عليه، وأنه يعرف الكثير، وكان هذا الكثير من الآخرين الذين اقترب منهم واقتربوا منه.
الفارق بين عدوية وكشك، أن المغنى تحدث كثيرًا عمن علموه، ومن كانوا أصحاب الفضل عليه، لكن الشيخ لم يفعل ذلك.
لكن هناك فارقًا آخر، وأعتقد أنه مهم جدًا يجب ألا نغفله، وهو فارق هذه المرة فى صالح الشيخ كشك، فلم نضطبه مرة يتنكر لمن علموه، أو على الأقل يتحدث عنهم بسوء، وهو ما فعله عدوية أكثر من مرة.
وقد تتحجج بأنى قلت إن كشك لم يذكرهم من الأساس حتى يتنكر لهم.
سأقول لك: أشار كشك أكثر من مرة فى مذكراته إلى مساعديه ومعاونيه، لكنه لم يمنحهم حقهم أبدًا، رغم أنهم كانوا عينه التى فقدها، وهو صغير، ولولاهم لما استطاع أن يحصل ما حصله من علم ومعرفة.
ستعترض طريقى وتقول إن الشيخ كان يمكن أن يستأجر من يقرأ أو يكتب له دون حاجة لأصدقاء أو مقربين يفعلون ذلك من أجله.
سأقول لك إن من نعمة الله على كشك أنه وهبه أصدقاء لا يزالون يتغنون بمعجزاته حتى الآن، هؤلا تنازلوا عن كل حقوقهم وكل دورهم فى حياة الشيخ، لأنهم طلبوا أجرهم من الله، وليس من الشيخ، ثم إن القارئ أو الكاتب المستأجر كان يمكن أن يخرج، ويقول: إنه صاحب الفضل على الشيخ، حيث كان يحفظه، ويعيد عليه ويزيد ما يجب أن يقوله، بل كنا سنجد أنفسنا أمام من يقول إنه هو الذى بحث وكتب كل ما أصدر الشيخ من كتب، بل إنه صاحب تفسير القرآن المنسوب لكشك.
حدث هذا بعد وفاة الدكتور طه حسين، ادعى أحد من كانوا يقرأون له أنه صاحب الكتب والروايات، التى أصدرها عميد الأدب العربى، لكن لم يلتفت له أحد، وذاب ضمن السطور الكثيرة التى تذوب، لأنها فى النهاية بلا قيمة.
المفارقة الكبيرة أنه فى الوقت الذى لم يفعل أحد ذلك مع الشيخ كشك، وجدنا من يفعله مع عدوية.
يمكن أن نعود بعض الشىء إلى الوراء، جريدة المساء فى ١٨ سبتمبر ١٩٨١، تقرير عنوانه مزعج بعض الشىء «عدوية يتنكر لأستاذه ويرفض كتابة اسمه على الشريط».
التفاصيل كان فيها ما يزعج أكثر.
يقول التقرير نصًا: أصاب الغرور المطرب الشعبى أحمد عدوية لدرجة أنه يصعد على المسرح كل ليلة ويقدم أغنية يهاجم فيها المطربين يقول مطلعها «يا دى الزمان الردى.. اللى كترت فيه المغنواتية.. ولا كل من قال موال الناس تسمعه زى أحمد عدوية»، ولم يقف غرور عدوية عند هذا الحد بل تعداه إلى درجة أن تنكر لأستاذه ربيع رءوف، ولم يذكر اسمه كملحن لأغنية «بتاعة الودع» فى شريط جديد له.
ربيع رءوف لم يكن مجرد ملحن أغنية أداها عدوية كما يذهب التقرير، بل كان أكثر من ذلك، ومن لسانه يمكن أن نسمع الآتى: عدوية صديق الطفولة وجارى من أيام زمان، كانت بدايته عازف ناى ثم اشتغل رقاق، وأخيرًا اتجه إلى الغناء مقلدًا محمد رشدى وبخاصة فى أغنية عدوية، فسميناه أحمد عدوية، والحقيقة اسمه أحمد محمد مرسى.
أين المشكلة التى يعانى منها ربيع رءوف؟
تحدث أكثر فعرفنا معاناته، يقول: عندما كان عدوية عازفًا ورقاقًا كنت أنا مطربًا، وقد تعلم منى الكثير قبل أن يغنى مع أنور العسكرى المواويل البلدى، واشترك معى فى إحياء العديد من الأفراح، وكنت دائمًا أزوده بالنصيحة حتى شق طريقه وذاع صيته أكثر منى، لأن ظروف ارتباطى بالعمل فى شركة الحديد والصلب وزواجى المبكر وإنجابى الكثير من الأولاد، كل ذلك حال دون تفرغى للفن والانطلاق، مثل عدوية.
نشرت جريدة المساء هذا التقرير بجدية شديدة، تعاملت مع ربيع على أنه فنان كبير، رغم أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد نكتة يمكن أن نتجاوزها، فنحن أمام من فشل فى تحقيق نفسه فنيًا، وتصادف أنه كان يعرف عدوية فى بداياته، ثم يعود ليقول إنه كان صاحب أفضال على المطرب الذى صعد إلى النجوم، وإنه لولا نصائحه لما وصل عدوية إلى ما وصل إليه.
يمكنك أن تقابل أكثر من رءوف ربيع فى مسيرة أحمد عدوية، وهو ما لا يمكن أن يحدث أبدًا فى مسيرة كشك، لأن الفارق بين المجالين فى هذه النقطة تحديدًا كبير جدًا.
شهرة عدوية ليست مجردة، بل ترافقها الأضواء والثروة والنساء والملايين، التى بلا حصر ولا عدد، ولذلك يكثر حاسدوه.
أما شهرة كشك فلا ترتبط بثروة كبيرة يحققها، يمكن أن يحقق الملايين من ورائه آخرون، أما هو فلا يملك شيئًا، ولذلك فلن تجد له حاسدًا من المقربين منه، وسيكون من الطبيعى أن تجد أصدقاءه، الذين رافقوه فى رحلته ومكنوه من أن يكون خطيب مصر الأول، بل صاحب مدرسة يقلدها كثيرون حتى الآن لا يزالون يتحدثون عن دورهم إلى جواره بفخر، بينما سقط كثيرون فى مسيرة عدوية، بعضهم يرى أنه ظلمهم وبعضهم يرى أنه أخذ حقهم وحظهم من الدنيا.
لا يمكن أن نحصى عدد من ساهموا فى بناء مجد أحمد عدوية، لكن يمكننا أن نفعل ذلك مع من وقفوا وراء الشيخ كشك، هم سبعة، أربعة منهم لا يزالون على قيد الحياة، لديهم حكايات كثيرة، تشكل فى معظمها ملامح هذا الخطيب الذى كنت تعتقد أنه صاحب معجزة فى التحصيل والسرد بمفرده، رغم أنهم جميعًا منحوه من وقتهم وحياتهم وجهدهم، ولم يطلبوا شيئًا صغر أو كبر لأنفسهم.
الحكايات لا تزال ممتدة وساخنة.. بعضها فيه وفاء وبعضها فيه خيانة، لكن قبل أن نكملها أتوقف عند ما يمكن اعتباره فلسفة عامة جمعت كشك وعدوية برفاق طريقيهما.
الفلسفة فى واحدة من أغانى عدوية، هى «الكونت ديمونت كريستو» التى كتب كلماتها حسن أبوعتمان، ولحنها حسن أبوالسعود.
دعك من مطلعها الذى يقول: هتقول لى كنت أنت.. ما كنت زمان وخلصت، فى إشارة إلى أنه ليس من العقل الوقوف عند بدايات للكبار، فحتمًا كانت بداياتهم مختلفة تمامًا عما وصلوا إليه، عدوية يلخص الأمر كله، فإذا كنت تريد تذكيرى بما كان، فأنا «كنت زمان وخلصت».
ركز أكثر فيما جاء فى الأغنية.
«لو إنتو اللى رميتوا الشبكة.. إحنا اللى طعمنا السنارة، وإحنا اللى غرقنا السمكة.. ولبسنا الشمس النضارة».
دون أن يقصد عدوية -فلم يكن هو صاحب الكلمات- لخص حياته وحياة الشيخ كشك، بل لخص حياة كثيرين جدًا من الكبار، هؤلاء الذين يعتقد المحيطون بهم أنهم من صنعوا مجدهم، ولولا وجودهم ما كان هذا المجد، لكل هؤلاء تكفى الإشارة إلى أنهم يقومون بدور فقط، يمكن أن يقوم به آخرون، لكن يظل الذين يصعدون إلى النجوم هم أصحاب الفضل الأول على أنفسهم.