رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطر وموسم تصدير الجواسيس


رغم كل ما تمتلكه من مليارات يصعب حصرها، تستورد دويلة قطر كل احتياجات مواطنيها بدءًا من مياه الشرب واللحوم والأرز والفواكه والخضروات، وصولًا إلى الأدوية وعشرات الطائرات ‏التى اشترتها مؤخرًا لضمان دعم واشنطن وعواصم أوروبية لها خلال تحديها دول الجوار.. إلا أنها- أى قطر- فى المقابل لا تصدر إلى العالم بعد الغاز.. سوى إعلام مسموم وجواسيس ينتشرون فى ‏عدة دول عربية.‏
كل شىء يؤكد أن دويلة قطر تحولت إلى أكبر منصة شرق أوسطية لإطلاق الجواسيس على أشقائها وجيرانها، بدليل أن هناك أربع دول عربية ضبطت وتحاكم جواسيس قطريين، فبعد مصر ‏والإمارات وليبيا جاءت قضية الجاسوس القطرى فى اليمن محسن الكربى، الذى ضبطته السلطات السعودية يوم ٢١ أبريل الماضى على حدود محافظة المهرة اليمنية، حيث كان يستعد للهروب إلى ‏سلطنة عمان ومنها إلى الدوحة.‏
صراخ وعويل وسائل الإعلام القطرية بعد القبض على الكربى يؤكد أهمية الصيد الذى وقع فى شباك الأجهزة الأمنية السعودية اليقظة، والمعلومات المتوفرة تشير إلى أن محسن صالح سعدون ‏الكربى يحمل رتبة رائد فى المخابرات القطرية، وأنه كان متواجدًا فى صنعاء ويعمل فى غرف عمليات الاستخبارات الحوثية والإيرانية، وأنه كان بمثابة حلقة وصل بين حزب الله فى لبنان ونظامى ‏إيران وقطر بميليشيات الحوثى، كما قام بتقديم معلومات سرية وخرائط مهمة عن أمن الخليج إلى رئيس المجلس السياسى لجماعة أنصار الله الحوثيين صالح الصماد، الذى قتل مؤخرًا فى غارة ‏لطائرات التحالف العربى، وقد كان مكلفًا بإيصال أموال بشكل دورى إلى الحوثيين وداعش والقاعدة والإخوان المسلمين.‏
الكربى ليس الجاسوس الوحيد الذى عمل لصالح قطر فى اليمن، فقد تم الكشف مؤخرًا عن أن هناك شبكة جواسيس زرعتها الدوحة، منذ فترة لتفكيك حزب المؤتمر الشعبى اليمنى، الذى كان ‏يتزعمه الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، وذلك قبل اغتياله على أيدى الحوثيين.‏
من بين أفراد هذه الشبكة شخص يُدعى منير أحمد محمد ضيف الذى اشتهر بـ«لؤى مرعى»، وهو موظف يمنى فى قطر يعمل لصالح المخابرات القطرية منذ عام ٢٠١١، وكان دوره جمع ‏المعلومات حول على صالح وبعض الأماكن المهمة بالحزب، وكان مرعى يمارس دوره من خلال شبكة إخبارية تسمى شبكة «شافى جروحه» التى كان لها أكثر من ٢٦١ ألف متابع، وكان يقوم ‏باصطياد متابعيه واستخدامهم كمصادر للمخابرات القطرية، وبعضهم أدرك ذلك بعد تورطه فى الأمر، والبعض عمل لفترة طويلة دون إدراك طبيعة دوره. ‏
اليمن ربما كان البلد الأخير الذى كشف فيه النقاب عن دور العملاء الذين يعملون لصالح المخابرات القطرية، لكن هناك بلدانًا عربية أخرى شهدت أدوارًا عدة لهؤلاء الجواسيس، من بين هذه البلدان ‏ليبيا التى اعتقلت أجهزة الشرطة فيها ستة قطريين فى مطار بنينا فى بنغازى، كانوا متوجهين إلى تركيا وهم يحملون جوازات سفر ليبية مزورة ومبالغ مالية كبيرة، وقد أثار هذا الخبر حالة من ‏الغضب بين الليبيين عن الدور التخريبى الذى تلعبه قطر فى ليبيا.‏
ليبيا شهدت أيضًا صولات لأحد أبرز رجال المخابرات القطرية، وهو سالم على الجربوعى، الذى كان يقيم فى تونس، وقد شارك فى الضغط على رئيس الأركان التونسى رشيد عمار ليقبل بإدخال ‏السلاح القطرى إلى الثوار الليبيين ضد القذافى عبر الأراضى التونسية عام ٢٠١١، من أجل إسقاط النظام الليبى واتخاذ طرابلس قاعدة لدعم الجماعات الإرهابية فى مالى ومنطقة الساحل الإفريقى. ‏
وقد تولى الجربوعى مهام الإشراف الميدانى واللوجستى والحربى والتخطيط للعمليات الإرهابية فى شمال إفريقيا وله مجموعة من المعاونين والجواسيس القطريين الذين تلقوا تدريبات فى إسرائيل، ‏من أبرزهم حمد عبدالله المرى ومحمد جابر غانم الكبيسى وعبدالله حسن الكوارى.‏
دولة الإمارات العربية المتحدة كشفت أيضًا عن عملية القبض على جاسوسين قطريين هما حمد على الحمادى ويوسف عبدالصمد المُلا، وذكر أنهما كانا على رأس خلية شرعت فى إعادة تأسيس ‏جمعية الإصلاح المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد قرار السلطات الإماراتية حل الجمعية، وقد انشغل الإماراتيون كثيرًا بقضية ما عرف بـ«سمسار الإخوان» أو محمود عبدالرحمن ‏محمود الجيدة، وهو قطرى الجنسية فى الخمسينات من عمره، وقد تولى عمليات التمويل لأعضاء التنظيم السرى الإخوانى هناك عبر جمع الأموال من الدول والجهات الداعمة للإرهابيين وإيصالها ‏لهم، وقد اعترف الجيدة بأنه على علاقة بالإرهابى حسن الدقى، الممول الرئيسى لجبهة النصرة فى سوريا، وبعلاقته الودية مع الإرهابى خالد الشيبة، المتورط فى أحداث ١١ سبتمبر فى الولايات ‏المتحدة الأمريكية، والذى يدير مكتب التنسيق الخليجى الذى يمثل مظلة جماعة الإخوان فى قطر، بالإضافة إلى علاقته بالإخوانى الكويتى حاكم المطيرى، وهو رئيس مؤتمر الأمة الذى يضم إخوان ‏الكويت والسعودية والإمارات، كما أن له علاقة بالجماعات الإرهابية المسلحة فى سوريا وليبيا، وقد حكم عليه بالسجن ٧ سنوات، وتم العفو عن الجيدة لاحقًا بأوامر من رئيس الدولة الشيخ خليفة بن ‏زايد آل نهيان عام ٢٠١٥.‏
موقع ويكيليكس الشهير كشف عن العديد من الوثائق التى تتحدث عن التجسس القطرى عالى المستوى على قادة ودول وتعاونهم مع إسرائيل، وكانت من بينها وثيقة تؤكد أن رئيس الوزراء وزير ‏الخارجية القطرى السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى أبلغ إسرائيل بأن الدوحة تتبنى خطة لضرب استقرار مصر بعنف، والأمر كذلك يشمل لعبًا بمشاعر المصريين لإحداث الفوضى عن طريق ‏قناة الجزيرة باعتبارها عنصرًا محوريًا فى الخطة، وفى لقاء سرى جمع بين بن جاسم ومسئول إسرائيلى وصف بالكبير، وصف مصر بـالطبيب الذى لديه مريض واحد ويفضل أن يستمر مرضه ‏لفائدته الخاصة. ‏
الحكايات والأمثلة كثيرة، وكلها تؤكد أن دويلة قطر أصبحت تصدر العملاء والجواسيس إلى دول ما سميت بالربيع العربى، بل دول خليجية أخرى مثل السعودية والإمارات، وهى تنفق عليهم ‏بسخاء منقطع النظير ليؤدوا مهامهم القذرة بكل همة، ولتجنيد عناصر تعمل لصالحهم فى دولهم، وأنها مصرة على لعب هذا الدور، الذى فرض على جيرانها مقاطعتها منذ عام وإلى الآن. ‏
وهذا الإصرار- غير المفهوم وغير المبرر- يثير العديد من التساؤلات: هل يتخابر كل هؤلاء العملاء لصالح قطر نفسها؟ أم أن المخابرات القطرية تتجسس بالوكالة لصالح أجهزة مخابرات فى ‏دول كبرى؟ أو بمعنى آخر هل أصبحت قطر «مخبرًا» مهمته التجسس على أشقائه لصالح أسياده الذين يقودونه بخطى ثابتة إلى الجحيم؟.‏