رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرقص الشرقى وتناقضاتنا الأخلاقية والثقافية


فى أفلامنا العربية، يحدث دائما هذا الحوار: الأب فى غضب واستنكار: «رقاصة.. إنت اتجننت؟.. إنت عايز تفضحنا؟ رقاصة؟.. ابن شوكت بيه يتجوز رقاصة فى كباريه؟».. الأم فى استهجان وسخرية: «يا دى الجُرسة اللى جاتلنا على آخر الزمن.. أنا علوية هانم حفيدة المستشار شكرى النقراشى.. إبنى يتجوز رقاصة.. إنت لازم جرى فى مخك حاجة».
هذا المشهد، المتكرر، فى تاريخ السينما العربية، منذ بدأت، وحتى الآن، يفضح تناقضاتنا الأخلاقية، والثقافية، والحضارية.. نحن نزعم، طوال الوقت، أننا نحب الفن.. وأن الفن هو ما صنع ريادتنا الثقافية، وتفردنا الحضارى، وأنه القوة الناعمة التى هى بضاعتنا الرائجة، وصناعتنا المتميزة. ويأتى ازدراؤنا للرقص الشرقى، أحد الفنون، يكشف الكذب، والتناقض، فى رؤيتنا للفن، ومعناه، ورسالته.
والنظرة المتدنية، المهينة، للرقص الشرقى، توضح مدى خضوعنا، للثقافة الذكورية، التى لا ترى فى جسد الراقصة، إلا لعبة مدنسة، تثير شهوات الرجال، وتحرض على الفساد، والانحلال الأخلاقى. مع أن الشهوات والانحلال، والفساد، دائما هى فى «عين» المتفرج، وليس فى جسد الراقصة، التى تزاول إحدى المهمات الفنية الإبداعية، الأخرى، مثل الِغناء، أو التمثيل، أو كتابة الشِعر، أو العزف على إحدى الآلات الموسيقية. إذن، الحل هو إعادة تأديب، وتهذيب، شهوات الرجال الذين «يبحلقون»، فى جسد المرأة الراقصة، بحلقة «شهوانية»، غير فنية، لا تعيب الراقصة.
هناك رجال، يستمتعون بالرقص الشرقى استمتاعا فنيا راقيا لوجه الفن، مثلما يستمتعون بندوة فكرية، أو أمسية شعرية.. هذا الانحراف، من أسس الثقافة الذكورية، المتحفزة لإدانة المرأة «الضحية».. وليس إدانة الرجل «الجانى». خاصة لو كان جسد المرأة «متورطا».
وإذا افترضنا أن بعض الراقصات، يقمن بحركات خليعة. فليس من المنطق، ومن العدل، ازدراء الرقص.. فى كل المهن يوجد الفاسد. مثلا، وجود طبيبات فاسدات، لا يقودنا إلى ازدراء مهنة الطب.. فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، يتم تجاهل فن الرقص الشرقى. لماذا لا تُخصص جائزة باسم «تحية كاريوكا»، و«سامية جمال»، و«نعيمة عاكف»، و«هاجر حمدى»، و«بديعة مصابنى»، و«ببا عز الدين»، «نيللى مظلوم»، «كيتى»، وغيرهن؟. هؤلاء صنعن بصمتهن الخاصة، فى الرقص الشرقى. وكن من أهم عوامل نجاح، وجاذبية، الأفلام الغنائية الاستعراضية المصرية فى الأربعينيات، والخمسينيات، من القرن الماضى. النهضة الثقافية، حينما يزهو رجل مصرى، على الملأ، أن زوجته، أو أخته، أو ابنته، تعمل «راقصة».