رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسري عبد الغني: ليس لدينا نقاد.. والورش الأدبية «شغل نصب»

جريدة الدستور

هو أحد أشهر المهتمين بالتراث في مصر والوطن العربي، أمضى عمره يدافع عن تراثنا الضخم والثري الذي أنتج أهم النظريات في الفلسفة وعلم الكلام والتاريخ والعلوم الطبيعية، وهو من أنشط المثقفين الموجودين على الساحة إذ يتواجد باستمرار في الندوات الثقافية والمؤتمرات كما يكرم المتسابقين في القصة والرواية وسائر المجالات الأدبية، من خلال المنتدى الثقافي للأصالة والمعاصرة الذي ساهم في تأسيسه بغرض مكافحة تبديد التراث وضياع الهوية، إنه يسري عبدالغني الذي التقته «الدستور» وأجرت معه هذا الحوار:

- بداية كيف يمكن توصيل التراث إلى شبابنا من وجهة نظرك وإشعارهم بمدى أهميته لمعرفة الماضي وبناء الحاضر وكيف نتعامل مع تراثنا؟
بداية لابد أن نعرف شبابنا أهمية التراث وليس كل التراث يصلح أن نقدمه للشباب وليس كل التراث يتفق مع تغيرات العصر؛ فلدينا مليون ونصف مخطوطة بخلاف الضائع والمسروق والمبدد -وما أكثرهم- والموجود حاليًا لا يصلح جميعه لأن نقدمه للشباب فيوجد مثلا كتيبات في السحر والطلاسم والأحجبة وهذا بالطبع يهدم ولا يعمر؛ لذلك أقول لمن يقدم هذا النوع من التراث لأبنائنا أنتم ترتكبون جريمة بحق المجتمع ولابد من التوقف حالًا عن هذه الكارثة.

ويجب أن نعرف أن تراثنا مليء بالمؤلفات الهادفة التي تدعو للحق والخير والجمال وقبول الآخر وعدم نبذه والحوار معه بالتي هي أحسن وأنا في كتابي الأخير الصادر في ألمانيا وعنوانه «البيروني رائدًا لحوار الأديان والحضارات» تحدثت عن أجدادنا العرب الذين اهتموا بالتواصل الحضاري والثقافي بين الشعوب وعلى سبيل المثال تم إنشاء بيت الحكمة في العصر العباسي لهذا الغرض أيام هارون الرشيد وكان يعمل فيه أكثر من مائتي مترجم يترجمون بكل اللغات المعروفة في ذاك الوقت وكان بيت الحكمة بمثابة طاحونة فكرية تخرج كل يومين كتابا وهذا يذكرنا بالراحل العظيم ثروت عكاشة والوزير عبد القادر حاتم حيث كنا نخرج على عهدهما كتابًا كل ست ساعات في مختلف مجالات الفن والفكر، وكان لدينا في مصر أعظم مشروع ثقافي عرفته مصر والوطن العربي في القرن العشرين، وهو مشروع القراءة للجميع وأقول أعيدوا هذا المشروع على الفور من فضلكم وابتعدوا عن السياسة ولا تخلطوها بالثقافة فنحن في أمس الحاجة إلى ثقافة رفيعة لأننا نقابل تحديات خطيرة في هذا الوقت.

وأنا في رأيي أن التراث والاهتمام به هو الحصن الأخير الباقي لمواجهة العولمة الشرسة التي تريد أن تمزقنا بضرب هويتنا.

- بعض الأدباء الشبان في الوقت الحالي يقولون إن اللغة مجرد أداة توصيل ولا تستحق كل هذا الاهتمام وهي ليست الحامل الحقيقي للحدث، هل أنت مع هذه العبارة وهل الاهتمام باللغة هو في حد ذاته إبداع خاص؟
فليقولوا ما أرادوا إذ ليس لدينا نقد ولا نقاد لأننا لا نملك نظرية نقدية منذ القرن الرابع الهجري أيام عبد القاهر الجرجاني، وإذا سألتني لماذا؟ أجبتك: لأننا لا نملك نظرية فلسفية ومن لا يملك نظرية فلسفية لا يملك بالتالي نظرية نقدية، أضف إلى ذلك أننا لا نمتلك استراتيجية ثقافية تمكننا من إخراج الناقد الأدبي الحقيقي أو المثقف الواعي المستنير، لدينا بعض من يجتهدون ولهم الأجر والثواب عند الله، والبعض يقتبس من النظريات الأجنبية وينقلون منها بشكل حرفي ويحاولون أن يزرعوها في تربتنا مع أنه من المفروغ منه أن لكل مجتمع ولكل ثقافة ظروفها وخصوصيتها، وأعتقد أن من ينقلون نقل مسطرة من النظريات الأجنبية لا يفهمونها ولا يفهمون ما يراد من خلفها، فمثلًا النظرية التفكيكية التي روج لها البعض هي مؤامرة استعمارية للتفكيك والتجزيء.

- ما هو رأيك في الورش الأدبية التي يقيمها بعض الأدباء الشبان؟
بالنسبة إلى الورش الأدبية التي يقيمها بعض الأدباء الشبان أعتقد أنها «سبوبة» و«شغل نصب» والورشة لا تصنع مبدعًا، فالإبداع موهبة وثقافة وخبرة ودربة وللأسف انزلق إليها بعض المثقفين الكبار.

- كيف نجدد الخطاب الديني من وجهة نظرك؟
أنا صديق للعديد من علماء الأزهر الشريف وقلت لهم أن تعبير تجديد الخطاب الديني أصبح مع الأسف سيء السمعة وممجوجًا من الناس وعلينا أن نقول نحن نريد تجديدًا للخطاب الثقافي فالدين هو جزء حيوي ومهم ضمن أجزاء الخطاب الثقافي وفي رأيي أن أي تجديد لا يمكن أن يتم إلا من خلال تعليم حقيقي ومحترم وكذلك السعي إلى الاهتمام بالعشوائيات فالزوايا والمساجد التي في العشوائيات تقدم خطابًا هو في نظري قنبلة موقوتة ويجب وضعها فورًا تحت رقابة وزارة الأوقاف، والخطاب السلفي هو المسيطر الآن على ساحة الخطاب الديني وهو فكر ظلامي متخلف، وأعتقد أن السلفيين أخطر من الإخوان ويجب مواجهة هؤلاء بالفكر وهذه مسئوليتنا جميعًا وليت منظمات المجتمع المدني تستيقظ من غفلتها وكفاها «شو إعلامي».

- يهاجم البعض كتب التراث وشهدنا هجومًا ضاريًا على مناهج الأزهر في الفترة الأخيرة، فما هو موقفك من تلك القضية؟
يجب أن نشير إلى أن الأزهر الشريف به لجنة على علمية على أعلى مستوى تضم نخبة من العلماء المستنيرين يراجعون مناهج التعليم بالأزهر مراجعة دورية، وقد قاموا بالفعل بتطوير العديد من هذه المناهج في مختلف المراحل التعليمية، ونشير إلى أن تراث أي أمة من الأمم يحوي الغث والثمين وعلينا بغربلة التراث ومراجعته وفق منهج علمي سليم يقوم به أهل الاختصاص وليس كل من هب ودب ويزعم أنه يفهم في التراث حيث نعاني الآن من شيوع موضة الكلام في التراث وظهور أدعياء فهم التراث.

- أخيرًا ما هو مشروعك الثقافي بالمرحلة المقبلة؟
يصدر لي قريبًا كتاب كنت قد نشرت بعض أجزاءه على النت وهو بعنوان «مقاربات جمالية بين الفلاسفة والنقاد» وتحدثت فيه عن غياب النقد من وجهة نظري والذي يرجع إلى غياب النظرية الفلسفية كما أسلفت، ولقد أبدع العرب القدماء نظرياتهم في النقد من القرن الرابع الهجري وحتى القرن السابع لأنه كان بينهم ابن سينا والفارابي وابن طفيل وابن رشد والغزالي وغيرهم من الفلاسفة، ومن هنا وجدنا نقدًا رائعًا أنتج لنا نظريات أثرت في العالم أجمع، وأتمنى أن ينال كتابي رضا القراء الأعزاء وهو الكتاب الواحد والخمسين في مسيرتي العلمية ويصدر عن دار الأصالة والمعاصرة التابعة للمنتدى الثقافي للأصالة والمعاصرة.