رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا يكون أصحاب المعاشات خيلًا للحكومة


كنت أعتقد أن الحكومة ستكون على نفس خطى رئيس الدولة، فى حرصه على كرامة المواطن، وسعيه نحو تحسين ظروفه المعيشية، خاصة محدودى الدخل، وفى القلب منهم، أصحاب المعاشات، الذين أعطوا بسخاء، يوم كانت الأيام فى صفهم، والعمر والصحة ممدودين أمامهم، فأفنوا العمر، واستهلكوا الصحة، غير متبرمين، ولا مانين على الدولة بما يفعلون.

إلى أن أتى اليوم الذى تود فيه الحكومة، لو كان هؤلاء خيلًا للحكومة، وأطلقت عليهم رصاصة الرحمة التى تريحها منهم، وكأنهم عبءٌ عليها، وكأنهم ما قدموا من جهد، وأموالهم، بالقدر الذى يضمن لهم الحياة الكريمة، فى وقت انفض كل شىء من حولهم، وأصبحوا خالى الوفاض، من المال الذى انحسر عنهم، بخروجهم للمعاش، ومن الصحة التى ولت عنهم إلى غير رجعة، وأيام فى العمر معدودة، تُقربهم إلى الموت، فى كل يوم ينقضى منها.
كنت أحسب أن الحكومة لن تنتظر حكمًا قضائيًا تعطى بموجبه الحق لأصحابه، بقدر ما ستكون هى الأحرص من القضاء على رد الحقوق لمن يستحقها.. ومع هذا، ليتها استجابت لمنطوق الحكم القضائى، وسعت حثيثًا نحو تنفيذه، لأناس سيكون أعضاء الحكومة الموقرة، فى مكانهم يومًا ما.. بل إنها لم تلتفت إلى ما قالته محكمة القضاء الإدارى فى حكمها، فى حق هؤلاء الناس: (إنه من الإنصاف والعدل، إعطاء كل ذى حق حقه، ممن اكتمل عطاؤهم.. فبعدما صبروا ورابطوا، من أجل إعلاء قيمة الوطن فى شتى مناحى العمل والإنتاج، وقد بلغوا من الكبر عتيًا، ووصلوا من العمر أرذله، فحق على الدولة والمجتمع ككل، أن يقف بجانبهم، وأن يكون لهم سندًا وعضدًا، وأن ييسر لهم وبشكل مُلزم كل عسير، ويُؤمِّن حياتهم ويصون كرامتهم ويضمن توقيرهم ورعايتهم، وفاءً لماضيهم وإجلالًا لحاضرهم واستشراقًا لمستقبلهم).. وبدلًا من ذلك، أقامت هيئة التأمينات الاجتماعية، دعوى قضائية، لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى، وحصلت فعلًا، على حكم من محكمة الأمور المستعجلة بعابدين، بوقفه مؤقتًا!.

وهو الحكم الذى أصدرته المحكمة نهاية الشهر الماضى، واستندت فى حيثياته، إلى أن المُشرع، منذ بداية تطبيق نظام التأمين الاجتماعى فى مصر، وحتى عام ١٩٨٤، كان يُقصر المظلة التأمينية على الأجر الأساسى فقط، إلا أنه منذ صدور القانون ٤٧ لسنة ١٩٨٤، بشأن تعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، فقد مد المُشرع مظلة التأمين الاجتماعى لتشمل أيضًا الأجر المتغير بجميع عناصره، وحدد المُشرع الأجر المتغير الواجب صرف معاش عنه، بأنه (كل ما يحصل المؤمن عليه، من مقابل نقدى مقابل عمله، ولا يدخل فى الأجر الأساسى).. وعليه، أقام عدد من أصحاب المعاشات دعوى قضائية، ضد رئيس الوزراء، بسبب دأب هيئة التأمينات الاجتماعية على عدم إعادة تسوية معاشات المحالين للمعاش لبلوغهم سن الستين، على أساس إضافة نسبة ٨٠٪ من قيمة آخر خمس علاوات، إلى أجرهم المتغير، ويستفيد من هذا الحكم كل الذين خرجوا على المعاش منذ عام ٢٠٠٦ حتى الآن، وقد أمرت المحكمة، فى منطوق الحكم، بتنفيذه بمسودته الأصلية دون إعلان.
ومع أن المستشار القانونى لوزارة التضامن قال إن الحكومة لم تتسلم بعد حيثيات الحكم، وفور تسلمه ستدرسه لاتخاذ القرار المناسب، وأكدت الوزيرة د. غادة والى، أنه فور تسلم حكم المحكمة، ستتم دراسته جيدًا واتخاذ الإجراءات الواجبة، فإن الوزارة سارعت إلى محكمة الأمور المستعجلة، لاستصدار حكم بوقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى، مع أن الأمور المستعجلة غير مختصة بالأساس، لأن الحكم صدر من محكمة القضاء الإدارى، ويبدو أن لجوء الحكومة لهذا الإجراء، هو لكسب مزيد من الوقت أو عدم تنفيذ الحكم برمته، نظرًا لتكلفته العالية، ويبدو أيضًا أن جُنحة مباشرة بانتظار الوزيرة، لامتناعها عن تنفيذ حكم قضائى، حيث ينص قانون العقوبات، فى مادته ١٢٣، على أن (يُعاقب بالحبس أو العزل، كل موظف عمومى، استعمل سلطة وظيفته، فى وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة، أو أحكام القوانين واللوائح، أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من محكمة)، مع أن الوزيرة ألمحت، خلال حوارها فى برنامج (كل يوم) مع عمرو أديب، إلى أن الوزارة ملتزمة بتنفيذ الأحكام النهائية!!.. وقالت (عمرنا، فى الحكومة، ما تقاعسنا عن تنفيذ أحكام نهائية)، ولكن يبدو أن جولة جديدة بانتظار معركة وزارة التضامن للطعن على حق أصحاب المعاشات، لكن هذه المرة، عبر الحكومة، ومن خلال هيئة قضايا الدولة المنوطة بذلك.
يا حكومة.. حكم محكمة القضاء الإدارى لم يأتِ بغتة، ولم يكن مفاجأة، ولكنه الحلقة شبه الأخيرة، فى مسلسل ضياع حقوق الغلابة، من أصحاب المعاشات.. وكان عليكم أن تأخذوا زمام المبادأة فى حل هذه المشكلة القديمة المتجددة، وتنتصروا للناس التى أفنت عمرها فى خدمة البلاد.. ومازالت الفرصة سانحة لتصحيح الأوضاع، والكشف عمن نهب هذه الأموال، ومكاشفة أصحاب الحقوق، بإجراءات، على جميع الأطراف أن يتحملوا تبعاتها.. فما لا يُدرك جُله، لا يترك كُله.. المهم إخلاص النوايا، والإحساس بمتاعب الناس، وأن نمتلك الرغبة فى الحل!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.