رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب وتجارة السلاح




خرج آلاف من تلاميذ وتلميذات المدارس الثانوية فى عدة ولايات أمريكية، على رأسهم تلاميذ مدرسة بارملاند فى ولاية فلوريدا.. تلك المدرسة التى قتل فيها أحد التلاميذ ١٧ من زملائه بالسلاح فى حادث بشع يتكرر وقوعه باستمرار فى بلاد الأمريكان، خرجوا فى مسيرة سلمية، مطالبين بتغيير المادة الثالثة فى وثيقة الحريات التى تُقر حرية امتلاك الأفراد السلاح بعد شرائه من المتاجر المنتشرة فى كل أنحاء البلاد.
لم تكن هذه المسيرة الأولى من نوعها، ولكنها الأضخم والأكثر إصرارًا من جانب التلاميذ والمؤيدين لهم على الاستجابة لمطالبهم التى تكررت عبر سنوات ولكنها لم تتحقق أمام سياسات ومصالح المجمع الصناعى العسكرى، خاصة تكتل صناعة السلاح وتجارته والذى كان وراء قرار ترامب عقب الحادث بتسليح وتدريب المدرسين للدفاع عن مدارسهم! وذلك بدلًا من تحديد تجارة السلاح بحيث لا يصل إلى أيدى التلاميذ فتتكرر الأحداث الدامية، وهذا القرار طبعًا لا يحل المشكلة، بل يفاقمها.. فالمدرسون مهنيون تربويون وليسوا حراس أمن، كما أن هذا القرار يعمل على جنى مكاسب مهولة وأرباح فاحشة لمصانع السلاح دون الاعتبار لسفك الدماء داخل أمريكا وخارجها.
وبالتوازى مع هذه الأحداث، أجرى الرئيس ترامب تعديلات فى إدارته، ليضع عددًا من أبرز المحافظين الجدد المتشددين الداعين إلى الصدام والحرب، منها إقالة وزير الخارجية تيلرسون وتعيين بدلًا منه مدير المخابرات الأمريكية مايك بومبيو المعروف بتشدده فى السياسات الخارجية، وأقال مستشار الأمن القومى هربرت ماكماستر وعين بدلًا منه جون بولتون، وهو من المحافظين الجدد الملقبين بالصقور الأكثر تطرفًا ليشكِّل (مجلس حرب) مع التصعيد ضد إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية.
جون بولتون، مستشار الأمن القومى الجديد، كان- ومازال- من أشد المؤيدين للعدوان على العراق، ويرى أنه كان يجب غزو سوريا وإسقاط نظام الأسد قبل سحب القوات الأمريكية من المنطقة مع بقاء القوات الأمريكية داخل العراق بشكل دائم، كما يؤمن بولتون بمنطق استخدام السلاح والتدخل العسكرى بدلًا من الدبلوماسية، وهو بالطبع ضد الاتفاق النووى مع إيران، وطالب عام ٢٠١٥ بضرب المفاعلات النووية الإيرانية وتغيير النظام الإيرانى، وبالتأكيد هذا يتماشى مع إسرائيل التى تهدف إلى ضرب إيران وضرب حزب الله فى لبنان. هذا فى الوقت الذى تتجاهل فيه أمريكا ترسانة السلاح النووى فى إسرائيل (الذى يهدد أمننا القومى فى منطقتنا العربية)، كما ترفض إسرائيل التوقيع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية وترفض التفتيش عليها من قِبل هيئة الطاقة الذرية.
هذا الرجل العدوانى المتشدد الداعم لإسرائيل- هو مستشار ترامب للأمن القومى ويخدم بالتأكيد مصالح المجمع الصناعى العسكرى وتجارة السلاح الأمريكية ويشجع على إشعال بؤر الصراع فى العالم، بل يشجع على اندلاع حرب فى منطقة الشرق الأوسط. هذه السياسات تتفق مع ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية حثيثًا لتكوين حلف للدول العربية (السُنيِّة) لمواجهة خطر إيران (الشيعيِّة) وتحويل صراعنا مع العدو الصهيونى المحتل والمُهدد لأمننا القومى المصرى والعربى إلى صراع سنىــ شيعى، بل يجعل إسرائيل جزءًا من هذا الحلف، باعتبارها معادية لإيران ويتبع ذلك بالطبع التطبيع الكامل مع إسرائيل على حساب تصفية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وتعويضهم وفقًا لقرار الجمعية العامة ١٩٤.
وأنا أكتب هذا المقال يسطر الشعب الفلسطينى البطل بحروف من نور مقاومته المحتل الغاصب بمسيرة العودة الكبرى الممتدة من ذكرى يوم الأرض ٣٠ مارس وحتى ١٥ مايو ذكرى نكبة احتلال فلسطين من ٧٠ سنة، ذكرى استمرار المقاومة والصمود. يقاوم الشعب الفلسطينى الأعزل رصاص العدو الغادر الذى أسقط أكثر من عشرين شهيدًا وأصاب أكثر من ٢٠٠٠.
إننا نؤكد دعمنا لمسيرة العودة ونهيب بالشعوب العربية وكل الشعوب المحبة للسلام والحق والعدل التحرك لمناصرة الشعب الفلسطينى ضد المجازر التى يرتكبها العدو الصهيونى واستمرار مقاطعة البضائع الإسرائيلية ومقاطعة بضائع الدول التى تدعمه وتساعده وتؤيده، وعلى رأسها أمريكا.