رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النهارده الجمعة العظيمة


اليوم، الجمعة العظيمة والحزينة، فى إنجيل الساعة السادسة، «وكانت ظلمة على الأرض كلها من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة» (إنجيل متى ٢٧: ٤٥)، فتطفأ الشموع والأنوار إشارة إلى كسوف الشمس والظلمة التى حدثت على الأرض كلها عند صلب المخلص له المجد، وبعد الساعة السادسة تُقال أمانة اللص وهى تعبر عن أمانة اللص أثناء الصلب؛ فهو لم يرَ السيد المسيح وهو متجلٍ على طور تابور بل رآه مصلوبًا «مَنْ يؤمن بإله مصلوب؟!!» (القديس أغسطينوس).
يومها أظلمت الشمس، وتقول الكتب وأرشيف الأحداث حول أسباب الظلمة:
- حزنًا على مبدع الشمس ونور العالم.. حزنًا على خطايانا التى سببت لفادينا الموت والآلام.. استنكارًا لتهم اليهود للرب.. شهادة أن المصلوب هو الإله المتجسد.. عند الساعة التاسعة تُضاء الأنوار، وذلك إشارة إلى زوال الظلمة عن الأرض فى الساعة التاسعة.. وتقرأ مراثى إرميا فى بداية صلاة الساعة الثانية عشرة بلحن مميز حيث:
فيها ترثى صهيون نفسها وتعلل نفسها برجاء مراحم الله متوقعة خلاص الرب (إنجيل مرقس ٣١: ٢٦).. المراثى فيها من العبارات والمعانى التى تنبئ بصلب الرب والآلام التى احتملها من اليهود.. أثناء المراثى يكسون المذبح بملابس تناسب الخماسين المقدسة باعتبار أن الخلاص قد تم، فالسيد المسيح على الصليب صار ذبيحة.. وبالقيامة صار ذبيحة حية.. وبالصعود صار ذبيح حياة دائمة.. يعد ما يستخدم للدفن (أيقونة الدفن- الورود- الحنوط).. الأطياب أخذتها المريمات فى باكر الأحد، يوسف الرامى ونيقوديموس وضعا الحنوط.. بعد المراثى يقولون لحن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور (مزمور ٤٤، ٩، ٧) ثم المزمور والأناجيل والطرح والطلبة.
فى عدد شهر فبراير عام ١٩٤٦ (أى منذ نحو أكثر من ٧٠ سنة) لمجلة «صهيون» الدينية المسيحية كتب «القس عبدالمسيح مشرقى» حول طقوس يوم الجمعة العظيمة: فى ختام الصلوات يصرخ جميع المؤمنين بصوت واحد قائلين: كيرياليصون أربعمائة وخمسون مطانية (سجدة)، وهذا أمر متبع فى معظم الكنائس المصرية الأرثوذكسية، وبما أن الكنيسة لم تقر هذا التقليد، أردت فى العام الماضى أن أنفذ ما جاء فى كتبها الكنائسية خاصة بهذا الموضوع، وهو أن يضرب المؤمنون أربعمائة مطانية فقط، ولكنى وجدت معارضة شديدة من أحد شيوخ الكنيسة وأخيرًا بعد مشادة جدلية احتكمنا إلى الكتب الكنائسية الآتية:
أولًا: كتاب «ترتيب جمعة الآلام وعيد الفصح المجيد» عنى بتصحيحه وتنقيحه وضبطه وطبعه القمص فيلوثاؤس المقارى والقمص برنابا البراموسى والمعلم ميخائيل طُبع سنة ١٩٢٠ والثلاثة حجة وكلهم مسئول، الأول رُسّم مطرانا للبلينا، والثانى رئيس دير البراموس، والثالث معلم الكنيسة المرقسية الذى تفخر به الكنيسة.
جاء فى الكتاب المذكور صفحة ١٤١ وبعد ذلك يرفع الأب البطريرك أو المطران أو الأسقف أو الكاهن الصليب ويبتدئ كل الشعب الابتهال إلى الله بصوت عالٍ صارخين كيرياليصون دمجًا ويضربون المطانيات ويدقون صدورهم طالبين من الرب غفران خطاياهم مائة دفعة.
أولًا: شرقًا ثم غربًا وشمالًا ثم جنوبًا وكل جهة يلتفت إليها الكهنة بالصلبان والقون والمجامر، والغاية من ضرب المائة مطانية فى كل جهة من جهات الكنيسة الأربع هى: استمطار رحمة الله ورأفته على البشرية، ولأنه مالئ الكل بقوة لاهوته فى السماء وعلى الأرض، وعند كمال الأربع جهات يعودون إلى الشرق بقراءة كيرياليصون بالكبير بالناقوس اثنتى عشرة دفعة.
ثانيًا: كتاب «بصخة خط» قديم له ما يزيد على ٩٠ سنة يقول: ويُرفع الصليب والأيقونة والشموع موقدة والمجامر بيد الكاهن ثم إن الشعب يضرب أربعمائة مطانية: مائة للشرق ومائة للغرب وقبلى وبحرى وهم قائلون: يا رب ارحم يا رب ارحم وبعد ذلك يرتلون كيرياليصون ويدخلون الهيكل.
ثالثًا: كتاب الدلال.
رابعًا: ترتيب أسبوع الآلام طبع جمعية المحبة ويؤيد ما سبق، وجاء فى كتاب «اللآلئ النفيسة» لجناب القمص يوحنا جزء ثانٍ صفحة ٣٧١ و٣٧٢ أن عدد المطانيات ٤٥٠ وعلل الغاية من الأربعمائة الأولى ولم يعلل الخمسين الأخرى لأنه لم يجد دليلًا كتابيًا أو تقليدًا يستند إليه.
اليوم الجمعة العظيمة ويوم الأحد القادم هو الاحتفال بيوم القيامة، لأن البكر قام فيه من بين الأموات ليرفع جنس أمه إلى مكان الأب.. بالأمس كان الكتبة يستهزئون به، واليوم دحرج الملائكة الحجر ووقفوا على الباب.
بالأمس الرمح والخل والمر والصليب، واليوم التمجيد والملائكة تسبح رب الأرباب.. بالأمس وضع نفسه فى يدى أبيه، واليوم أخذها بسلطان كسيد مهاب.. بالأمس أنكره سمعان واليوم أسرع لينظر قبره وقيامته فى دهشة وإعجاب.. ويقول فى مجال تلك التأملات الروحية القمص أيوب مسيجة:
- قالوا له أحيى نفسك فنؤمن بك وها هم سمعوا أنه حى ولم يزالوا فى ارتياب.. قالوا إن كنت أنت ابن الله فأنزل عن الصليب واليوم قام من القبر وتخطى الأعتاب.. جاءت مريم حيث الظلام ونظرت الحجر مدحرجًا والقبر مفتوح الباب.. أسرعت إلى التلاميذ قائلة أخذوا سيدى ولا أعلم أين وضعوه وها هى الثياب.. أيتها الطوباوية من يستطيع أن يسرق النور ومن يستر البحر العباب؟.. من يسرق الشمس فى حضنه ولا ينظره أحد، ومن يحمل اللهب ويختفى وراء الحجاب.. لندماء دخلوا موضع العريس ونظروا سرير نومه فارغًا لأنه تركه وغاب؟.. نظروا اللفائف بين الأموات لأنها لم تعد بعد القيامة صالحة للاستعمال.. فقد لبس المجد داخل القبر وترك عنه أثواب الأموات والسربال.. لا يقوم أحد فى العالم الجديد بأكفان الموتى لأنهم يلبسون غير هذه الأسمال.. ثياب المجد محفوظة للقيامة تعطى للذين يبلغون حد الكمال.. لم يضطرب لما خرج من الظلام لأنه طوى ثيابه بهدوء وتركها فى غير اختلال.. خلع رداء الموت ولفه ووضعه هناك ليبقى بين الأموات على أحسن حال.. مشى الرب فى الهاوية ثلاثة أيام كما مشى يونان فى نينوى حيث كرز وجال.. ابتلعه الموت كما ابتلع الحوت يونان وفى اليوم الثالث قام بغير فساد أو انحلال.. من الآكل خرج المأكول ومن المرارة خرجت الحلاوة كما ذكر الكتاب وقال.. أخطأوا إذ حرسوا قبره لأن الغبار لا يقدر أن يحبس ريح الشمال.. طلبوا من الحاكم حراسًا فكانوا لقيامته الحقيقية شهودًا لا يتسرب إليهم الضلال.. وكل عام ومصرنا وشعبنا الطيب بكل خير وسعادة وإيمان بخالق الكون.