رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: المثقفون والعبيد فى إعلام الكفيل


منذ اختار «محمد ناصر» الذهاب إلى «هناك»، لم أفكر يومًا فى متابعته واعتبرته وهمًا من خيال فهوى، فالذهاب إلى «هناك» يعنى الخضوع التام لمن أخذوك وتعاقدوا معك فى غرفة مغلقة أو صالة مفتوحة، فالتعاقدات تنفع فى أى مكان وبأى طريقة، والإخلال بها قد يعرضك لما هو أصعب من سحب جواز السفر أو إلغاء الإقامة أو الترحيل أو تلفيق التهم، وكفانا الله وإياكم رغبات «الكفيل» والمدى الذى قد تصل إليه تلك الرغبات فى التنكيل بمن أخل بشروط الخضوع والركوع.
لهذه الأسباب وكثير غيرها اخترت تشفير محمد ناصر من الوجود، فلم أعرف لأى قناة من فضائيات قطر وتركيا يعمل، ولم أشغل نفسى بمن يدفع له أجر ما يقوم به!، فسواء كان يتقاضى راتبه الشهرى من أيمن نور أو تميم أو من الشيخة موزة أو أردوغان فإن الأمر واحد، فالأسياد الذين يدفعون متعددون، لكن «الأجير» القادم إليهم «واحد» بألف وش وجلد ولون.
وكان من الصعب علىّ أن أرى صديقًا قديمًا أو زميلًا فى هذا الوضع البائس، وعندما هاتفنى صديقى «ميشيل نبيل» ليبلغنى بأن محمد ناصر «فاتح النار عليا»، لم أهتم حتى لا أنكئ جراحًا قديمة، وقد أثار موقفى غيظ «ميشيل نبيل»، عاشق المعارك والاشتباكات الصحفية، فحفزنى مجددًا وأرسل إلىّ لقطات من حلقة لمحمد ناصر بعد الانتخابات الرئاسية يصف فيها المصريين بالعبيد، ويكرر فيها تعبير «العبيد» مرات ومرات، فجلست أشاهده كأنما أتأمل «ديك رومى» منتوفًا من الريش الذى كان يكسوه يومًا، تحول محمد ناصر إلى آلة إعلامية رخيصة تنتج نفس أنواع الكراهية المدفوعة علنًا لحصار مصر وشعبها وتشويه كل ما فيها ومن عليها، نفس خطاب الغوغاء الذين ذهبوا معه إلى هناك، كنتُ أظنه غيرهم، وراهنت كثيرًا على ما يتمتع به من وعى وثقافة ستجعله يثور على من يتحكمون فى حياته وتوجهاته ويحاصرون أفكاره، لكننى اكتشفت أن «الأجير» مهما اختلفتْ ثقافته وتعددتْ رؤاه لا يملك من نفسه شيئًا، خاصة لو كان الكفيل صاحب توجهات سياسية وليس صاحب مزرعة لتربية الحيوانات أو مصنعًا للعرائس البلاستيكية!، يردد «ناصر» المطلوب منه وفق شروط «السيد الكفيل»، فيسب السيسى ويلعن المصريين ويصب الغضب على الشوارع والبيوت وكل ما هو مصرى، يشتم ويسب بقلب ميت، لكنه يحرص كل الحرص على احترام البهلول المعزول، فلا ينطق اسمه مجردًا فيقول «الرئيس مرسى».
يا له من بؤس وسوء منقلب، فمن يُصدق أن هذا الرجل الموهوب الذى كتب الأغانى والسيناريوهات وقدم البرامج وقرأ تاريخ مصر وحضارتها يخلع رداء الثقافة والفنون والمعرفة ويرتدى عباءة جماعة الكراهية والقتل والدم مقابل ثمن بخس!، من يصدق أن يردد خطاب الدواعش ويتبنى أفكار جماعة «حسن البنا» التى تمددت فى مصر منذ الأربعينيات كسرطان تفرعت منه جماعات وميليشيات وصلت بنا فى عام ٢٠١٣ إلى الخراب التام والتدمير الشامل لمصر وحضارتها ومكانتها، كيف لمثقف كتب يومًا تحت شمس النهار المصرية أن يذهب إلى «هناك» ليلعن نهارها ويوبخ شعبها وناسها كى يرضى عنه «الكفيل»؟!، أى خسة تجعل رجلًا مثقفًا يعيش فى تلك الكذبة أربع سنوات متواصلة بلا ملل أو كلل، يخرج كل ليلة فى توقيت محدد لينافس باقى فريق «الأُجراء» ممن ذهبوا معه أو سبقوه إلى «هناك»، يجتهد كل ليلة فى تجويد النمرة أو «الوصلة» حتى يتفوق على المنافسين فى باقى الكباريهات أو الفضائيات، وكلما أفاض فى سب مصر وسخر من حاكمها اقترب أكثر من «الكفيل» الذى يكفل الكفلاء ويسرحهم ويوزعهم على كل فضائياته.
شىء مقزز أن يذهب المثقف بقدميه ليضع نفسه فى خدمة السيد، ومع ذلك يهتف باسم «الحرية»، ويرفض الاعتراف بأنه أصبح «عبدًا»، فيجعل جميع الأحرار عبيدًا فربما تتساوى الرءوس!، وشتان بين رأس يرتفع لينظر إلى علم بلاده يرفرف عاليًا وبين «أجير» ينحنى للنشيد الوطنى التركى، العبيد هناك عندك وحولك يا صديقى يتنقلون بين الدوحة وإسطنبول وفق أهواء واختيارات «السيد الكفيل»، أما هنا على أرض مصر فقد بقى الأحرار من عبادة المرشد وجماعته ومرسى وعصابته، ذهبتم فى طائرة مع أسيادكم واخترنا البقاء هنا نطهر شوارعنا من الخراب والدمار اللذين طمسا معالمها ولطّخا تماثيلها وذبحا أطفالها، ذهبتم تحرضون العالم ضدنا وتنتظرون الشماتة فينا وتحلمون بمرسى راجع، بينما كنا ندفن بقاياكم تحت أحذيتنا حتى لا نتذكر وجوهكم الكالحة.. عزيزى ناصر، أنصحك بالعرض على طبيب نفسى ربما يلحق آخر ما تبقى قبل أن يتحول الكيد والغيظ إلى حسرة تتبعها نوبات جنون لا تشفع معها أدوية ولا يستوعبها شيزلونج.