رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة إلى مليونيرات الإعلام


من حق الرئيس - أى رئيس - أن يختار من يتحدث إليه، ومن ينقل صورته إلى الملايين، خاصة إذا كان على أبواب استحقاق رئاسى جديد، من حقه أن يختار الإعلامى الذى ينقل فكره ورؤيته فى لقاء سوف يتحدث فيه عن إنجازات أربع سنوات مضت، وتطلعات وأحلام أربعٍ أخرى قادمة.
لهذا فهم الكثيرون أن اختيار الرئيس مخرجة سينمائية شابة لها حضور وقبول خاص، لتتولى هذه المهمة لم يكن من قبيل المصادفة، وأنه ربما أراد أن يوجه رسالة أو عدة رسائل لمن يهمه الأمر.
وأنا لا أملك شرف التحدث باسم الرئيس، ولكنى كمواطن من حقى أن أخمن، وأن أستقرئ ما يدور فى ذهنه، من خلال فهمى لرجل أحببته وآمنت أنه يفعل ما يؤمن بأنه الأفضل لمصر.
وفى اعتقادى المتواضع أن الرئيس وجه رسائل عدة لا تخطئها العين، من خلال هذا اللقاء المتطور فى شكله وفى مضمونه أيضًا، أولاها أنه لا يرى فى الوجوه المتصدرة للشاشات الآن من يقوم بهذه المهمة أفضل منها، ومنها أيضًا أنه يريد من ينقل صورة حقيقية لشخصيته وأفكاره ورؤيته بصورة جديدة، ورؤية غير تقليدية وهو ما تحقق بصورة مبهرة خلال لقائه المخرجة ساندرا نشأت، التى تمتلك براءة وعفوية تجعلها تنفذ إلى القلوب بأقصر السبل وأيسرها وفى أقل وقت ممكن.
وكصحفى يمارس مهنته منذ أكثر من ٣٧ عامًا، وصلتنى رسالة على قدر كبير من الأهمية، وهى أنه قد آن الأوان لطرح وجوه ذات مصداقية حقيقية تعبر عن المرحلة القادمة، لأن أغلب الوجوه الحالية أصبحت بلغة التليفزيون «محروقة»، وهو ما يعنى انخفاض مصداقيتها لدى رجل الشارع البسيط، الذى يدرك أن هذه الوجوه لا تهتم بأحوال بلدها قدر اهتمامها بالمعلنين والرعاة، وبما يضخونه من أموال فى برامجهم، والتى سيحصلون على نسبة منها حسبما تنص عقودهم، لذلك أصبح البعض يلقب الكثير من أصحاب برامج التوك شو، بمليونيرات الإعلام، الذين يصرخون ويولولون فى وجوهنا كل ليلة بسبب ودون سبب، ويتباكون أحيانا وهم يفتعلون فقرات فى برامجهم عن أحوال الفقراء والكادحين.. ووصل الأمر ببعضهم إلى افتعال فضائح والاتفاق ودفع أموال إلى مجرمين من أجل تسخين البرنامج وزيادة دخولهم ولو على حساب سمعة مصر. ليس عيبًا أن تكون مليونيرا أو حتى مليارديرا عن طريق الإعلام، لكن العيب ألا تراعى ضميرك المهنى، وألا تراعى الظروف التى يمر بها بلدك، وهو فى حالة حرب سواء اعترفت بذلك أو لم تعترف.
العيب أن تعتقد أن نجاحك هو بقدر ما تحققه من أرباح، حتى لو تحولت إلى «زومبى» أو مصاص دماء، حتى لو كان ذلك على حساب شعبك ووطنك، أن تهتم بالفضائح أكثر من أن تكون وسيلة لدفع الناس وشحن إرادتهم بالأمل، أن تكون محبطًا تزرع اليأس فى نفوس مواطنيك، وهو أقصى ما يتمناه عدوك المتربص على حدودك، والذى بعث بعض طيور الظلام إلى داخل أرضك لتساعده فى مخططه الرامى إلى هدمك.
القاعدة تقول إنك لا تستطيع أن ترقص على الحبال طوال الوقت، وتنجو من السقوط مهما كنت بهلوانًا ماهرًا، وإن السقطة إن لم تقتلك فإنها ستفرض عليك مغادرة الحلبة قبل أن يقذفك الجمهور بالبيض والحجارة.
وقد كنت واحدًا من كثيرين ضاق صدرهم من إعلام «الفتونة» والصراخ والإثارة، إعلام يبحث عن الربح حتى لو خسر الوطن، وكنت أتمنى أن يفهم من يديرون دفة الأمور أن هذه الصفحة لا بد أن تطوى، وأن كثيرًا من هذه الوجوه لا بد أن تتوارى ولو قسرًا، لأنها لن تتوارى خجلًا.
أعترف أننى واحد ممن ضاق صدره مع آلاف غيرى يتابعون إعلامنا من خارج مصر، ويبكون حزنًا وألمًا، وهم يرون هذه المقاطع المخزية من برامج التوك شو، تنتشر عبر «اليوتيوب» ويكتب تحتها «هذه هى مصر» أو «ماذا يحدث فى مصر؟»، وكنت أعلن غضبى لمن يعيدون إرسال بعض هذه المقاطع إلى هاتفى، ووصل بى الأمر أننى قاطعت بعضًا ممن أصروا على إرسالها لى على سبيل المعايرة، وأعرف كثيرين آخرين فى الغربة - مثلى - فعلوا ذلك. ضقنا وضاقت صدورنا لكننا لم نكن نعرف، هل هناك من يشعر بخطورة ما يحدث؟، هل هناك من يعبر عن ضيقه بما يفعله مليونيرات الإعلام الذين تضخمت ثرواتهم على حساب معاناة الوطن، الذين يبيعون الوطن، حاضره وماضيه وربما مستقبله؟، وهل سيستمر هذا طويلا؟.
وأعترف أن هذه الرسائل التى فهمتها من تجربة حوار الرئيس مع المخرجة ساندرا نشأت، قد أثلجت صدرى وصدور الكثيرين، الذين يؤمنون بأن هذه الوجوه قد أصبحت عبئا علينا، وأن هذه البرامج أصبحت تمثل عبئا ثقيلا على أعصاب الملايين، وأنهم فى سعيهم نحو مزيد من الإثارة والتشويق مستعدون، لأن يحرقوا الأخضر واليابس، فبعضهم اتفق مع ساقطات، وآخرون دفعوا إلى بعض الخارجين على القانون لتمثيل دور المجرمين أو مختطفى الأطفال، وأحدهم لم يتورع فى أن يستضيف بصورة دورية، من يشكك فى حقيقة المسجد الأقصى ويتبنى رواية صهيونية تقول إن المقصود به هى مسجد قرب الطائف وليس هذا الكائن فى القدس (!!)، وأن صلاح الدين سفاح وكاذب وأنه لم يحرر القدس، وأن المصريين لم يهزموا التتار ولكن من فعلها هم العبيد أو المماليك، ولا أدرى ماذا سيقولون، أو أى رموز وقيم سيحطمون غدًا.
الرسالة كما فهمتها أن أوان التغيير قد حان، وأنه - أى التغيير - حادث لا محالة، فلا أحد يريد أن يتحول الإعلام إلى معول هدم أو إلى وسيلة لبث الطاقة السلبية بين المصريين.
وأنا وملايين غيرى فى انتظار هذا التغيير.