رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خدعوك فقالوا: إصلاح من الداخل


هكذا أقنعونا وبرروا لأنفسهم ولمن استبشعوا وجودهم فى بيت السلطان وابنه وحوارييه، بينما ابن السلطان كان يتباهى بوجودهم كورد مطيب للأجواء، وكمحلل سياسى لدعم التقدم نحو تحقيق التوريث!!

فى الفترة الأخيرة من الزمن المباركى، سألوا الدكاترة أسامة الغزالى حرب وحسام البدراوى وعبد المنعم سعيد وهالة مصطفى وغيرهم من أصحاب الرؤى الوطنية والخبرات السياسية وقضوا أعماراً فى البحث والتنظير والقراءات الواعية لتاريخ البلاد والعباد، وهمه همه اللى عرفوا الناس يعنى إيه ديكتاتورية وفاشية والحكم الشمولى والاستبدادى والشفافية والعقد الاجتماعى والعدالة الاجتماعية .. إلى غير ذلك من آلاف المصطلحات وفى مقدمتها «الإصلاح من الداخل» والتى أكدوا بمقتضى فكرتها أنهم أعضاء فى لجنة سياسات جمال مبارك، لأن وجود المصلح السياسى فى مطابخ صنع القرار ضرورة تاريخية وأمانة حملها لهم الظرف التاريخى وتحد أصعب من ثرثرة الببغاوات فى مؤتمرات الأحزاب الورقية وفضائيات الزعيق والنميمة ..

هكذا أقنعونا وبرروا لأنفسهم ولمن استبشعوا وجودهم فى بيت السلطان وابنه وحوارييه، بينما ابن السلطان كان يتباهى بوجودهم كورد مطيب للأجواء، وكمحلل سياسى لدعم التقدم نحو تحقيق التوريث!!

عبر حديث للدكتورة هالة مصطفى -رئيس تحرير مجلة الديمقراطية- أجرته معها الإعلامية بسنت موسى عام 2008 على صفحات الموقع الشهير «الحوار المتمدن»، كان السؤال: تصريحاتكم بالاستقالة من الحزب الوطنى قوبلت ببعض التحليلات التى تقول إن الحزب الوطنى لن يتأثر بخروج أحد من النخبة لأنه حزب قائم على الكتل الضخمة الموجودة فى المراكز وقيادات الحزب فى المحليات والمشايخ والعمد؟ وكان رد الدكتورة هالة: تعرضت لهجوم غير نقدى بالمعنى السليم من بعض الأعضاء بالحزب واللغة التى تقترب من السفاهة السياسية التى استخدمها هؤلاء أكدت لى أننا لا نعرف كيف نختلف فى أحيان كثيرة فنهدم دون وعى، لكن ما أود الإشارة إليه أن هناك فرقاً بين الإصلاح والحسابات الانتخابية، بمعنى أن النخبة هى التى ترسم خطة الإصلاح، كما أن النخبة طوال التاريخ المصرى هى التى صنعت النهضة ومازالت أسماء هؤلاء عالقة بأذهاننا كقاسم أمين وطه حسين ولطفى السيد وهؤلاء كانوا من النخبة وأى حزب يحتاج للنخبة كما يحتاج للكتل الشعبية، لكنه لا يقوم فقط على تلك الكتل.

وهنا تبرر الدكتورة وجودها بأنها تشارك فى رسم خطة الإصلاح، وكأنها لا تعرف نوايا وأهداف وتركيبة أهل البيت السلطانى بغرفه الحزبية و النيابية والتنفيذية، وتؤكد ضرورة وجود النخبة، مستدعية أدوار طه حسين وقاسم أمين ولطفى السيد فى مقارنة غريبة لأن زمن هؤلاء كانت البلاد ترزح تحت نير احتلال، وهو ما يبرر أن الوجود السياسى والنخبوى ضرورة فى كل المواقع ..

أما الدكتور أسامة الغزالى حرب -عضو لجنة سياسات جمال مبارك- فقد قال: ‏‏إن‏ ‏الانقسام‏ ‏بين‏ ‏من‏ ‏يسعون‏ ‏للإصلاح‏ ‏ومن‏ ‏يقاومونه‏ ‏في‏ ‏المجتمعات‏ ‏الوطنية، ‏ليس‏ ‏انقساما‏ ‏أفقيا‏ ‏بين‏ ‏حاكمين‏ ‏ومحكومين، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏بالأحرى‏ ‏انقسام‏ ‏رأسى ‏يشمل‏ ‏الحاكمين‏ ‏والمحكومين‏ ‏معا، ‏بمعنى‏ ‏أن‏ ‏قوى‏ ‏الإصلاح‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏موجودة‏ ‏في‏ ‏داخل‏ ‏المؤسسات‏ ‏الحاكمة‏، ‏مثلما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏توجد‏ ‏خارجها‏ ‏في‏ ‏الأحزاب‏ ‏السياسية‏ ‏ومنظمات‏ ‏المجتمع‏ ‏المدنى‏ .. ‏إلخ‏، ‏والأمر‏ ‏نفسه‏ ‏ينطبق‏ ‏على‏ ‏القوى‏ ‏المقاومة‏ ‏للإصلاح‏ ‏والتى‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏توجد‏ ‏في‏ ‏داخل‏ ‏وخارج‏ ‏المؤسسات‏ ‏الحاكمة‏، ‏فهناك‏ ‏في‏ ‏المجتمع‏، ‏خارج‏ ‏إطار‏ ‏المؤسسات‏ ‏الحاكمة‏ ‏قوى‏ ‏لا‏ ‏تؤمن‏ ‏بالديمقراطية‏، ‏أو‏ ‏لا‏ ‏تعطيها‏ ‏الأولوية‏! ‏ومجيء‏ ‏الإصلاح‏ ‏على‏ ‏يد‏ ‏قوى‏ ‏من‏ ‏داخل‏ ‏المؤسسات‏ ‏والأحزاب‏ ‏الحاكمة‏، ‏ظاهرة‏ ‏عامة‏، ‏وربما‏ ‏كانت‏ ‏أبرز‏ ‏مظاهرها‏ ‏المعاصرة‏, ‏عمليات‏ ‏الإصلاح‏ ‏والتغيير‏ ‏الشامل‏ ‏التي‏ ‏عرفتها‏ ‏دول‏ ‏الكتلة‏ ‏الشرقية‏ ‏في‏ ‏تحولها‏ ‏تجاه‏ ‏الديمقراطية‏، ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏الاتحاد‏ ‏السوفييتى‏ «‏أو‏ ‏روسيا‏» ‏نفسها‏! ‏وفي‏ ‏هذه‏ ‏الأخيرة‏ ‏مثلا‏، ‏جري‏ ‏الإصلاح‏ ‏الليبرالي‏ ‏علي‏ ‏يد‏ ‏قيادات‏ ‏وعناصر‏ ‏كانت‏ ‏هي‏ ‏نفسها‏ ‏أعضاء‏ ‏وكوادر‏ ‏في‏ ‏الحزب‏ ‏الشيوعي‏ ‏السوفييتي، ‏ولا‏ ‏يغني‏ ‏عن‏ ‏وجود‏ ‏القوي‏ ‏الداخلية‏ ‏الساعية‏ ‏للإصلاح‏، ‏أي‏ ‏ضغط‏ ‏أو‏ ‏تدخل‏ ‏خارجى‏ ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏قوته‏ .. ‏بل‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الضغط‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يولد‏ ‏بذاته‏ ‏رد‏ ‏فعل‏ ‏معاكسا‏، ‏أو‏ ‏أنه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يستغل‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏القوي‏ ‏المعادية‏ ‏للإصلاح‏ ‏لتشويه‏ ‏الدعوة‏ ‏الإصلاحية‏ ‏باعتبارها‏ ‏تدخلا‏ ‏خارجيا‏ ‏مرفوضا‏! ... والحقيقة أن ما حدث بعد ذلك على الأرض كان فيه الكفاية للرد على طرحه.

وفى زمن الإخوان يقول د.رفيق حبيب، الرجل الثانى فى حزب الحرية والعدالة قبل أن يقدم استقالته: إن الرئيس محمد مرسى يتبع سياسة دمج الدولة فى عملية التغيير والإصلاح، فلا يجعل تلك العملية تأتى من خارج الدولة، وكأنها ضدها، بل يعمد لجعل عملية التغيير والإصلاح تخرج من داخل الدولة، من خلال فتح المجال أمام القيادات القادرة على تجاوز أداء الماضى من داخل جهاز الدولة، كما أن هذه السياسة تساعد على إحداث المصالحة بين الدولة والثورة، وتنهى مرحلة الخصومة بين الدولة والقوى الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، على أساس أن مرحلة الخصومة السياسية انتهت بنهاية النظام السابق، وأصبح من الضرورى فتح الباب أمام قيادات جهاز الدولة؛ لتتبنى دورًا جديدًا لها، بالطبع دون تورط فى الفساد أو أى جرائم؛ لأن الثورة ليست ضد الدولة ولا ضد العاملين بالدولة، حتى إن كان النظام السابق قد استغل الدولة فى مواجهة المجتمع...

إصلاح من الداخل .. إصلاح بالطول والورب .. أى إصلاح منتظر من النخبة التى قبلت بأحزاب دينية والوقوف بعتبات فندق الموالسة للسلطان وقبول بعضهم مناصب أهداها لهم سلطان أراها مثلت علامات سوداء فى تاريخهم وتاريخ وطن ما كان ينتظر منهم تلك المواقف المخزية ؟!

وأكتفى بتلك الرسالة التى حررها د.وسيم السيسى .. يقول: لقد طلب أمير المؤمنين من أبى العلاء المعرى أن يكون ناصحاً، ومشيراً له، فرفض أبوالعلاء برسالة فيها: قالوا عنى عالم والقائل بهذا هو الظالم، وأمير المؤمنين يأمر للكسير «المكسور» بالجبر، كيف يأمر بإخراج ميت من قبر؟! فلما سأله تلاميذه: لماذا رفضت هذا المنصب الرفيع؟ قال: توحد فإن الله ربك واحد وابعد عن عشرة الرؤساء!! لعل نكبة البرامكة فى العصر العباسى الأول كانت ماثلة أمام عينيه! ...هذه رسالة قصيرة أوجهها للدكتور سمير مرقس.

■ كاتب

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.