رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يمكن فرض المصالحة مع قطر في كامب ديفيد؟




منذ عشرات السنين، يردد الناس ملايين الأكاذيب فى أول أبريل فيما اصطلح على تسميته كذبة أبريل، ولم نرَ كذبة واحدة منها تتحقق، فهل تخالف كذبة «مايو» هذه القاعدة وتتحول إلى حقيقة؟.
وكذبة مايو هى التى ترددها قطر عن طريق صحفها ومواقعها الإخبارية النشطة، وذبابها الإلكترونى الذى يسمم السوشيال ميديا، للإيحاء بأن قمة أمريكية ــ خليجية سوف تُجرى خلال شهر مايو المقبل فى منتجع كامب ديفيد، وسيتم خلالها إقرار أو «فرض» المصالحة بين قطر ودول التحالف الرباعى، وأن فرض ترامب للمصالحة سيكون بمثابة انتصار لها على من تسميهم «دول الحصار»، لأن ذلك يعنى أن قطر لم تقدم تنازلًا واحدًا، حسب زعمهما.
الأنباء تشير إلى أن هناك دعوة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى قيادات خليجية للالتقاء فى منتجع كامب ديفيد، وهو ما فسره خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتى، بأنه قد يعنى بأن هناك محاولات لعقد قمة أمريكية ــ خليجية، متمنيًا أن تكون فرصة لطى الخلاف الخليجى، ولكن الجار الله أكد يوم الأربعاء الماضى أنه لم توجه دعوات إلى أحد، لحضور هذه القمة. أنباء الدعوة إلى القمة «غير المؤكدة»، قوبلت بحماس منقطع النظير من وسائل الإعلام القطرية، فأصبحنا نقرأ عشرات التقارير والتحليلات السياسية عنها أينما ولينا وجوهنا.
البعض يفسر هذا الحماس القطرى للترويج لهذه القمة، بأنه ليس إلا محاولة لإنقاذ ما بقى من ماء الوجه للنظام القطرى، بعد مرور سنة على المقاطعة التى بدأت فى الخامس من يونيو الماضى، وكبدت قطر واقتصادها خسائر هائلة دون أن يلوح فى الأفق ما يشير لاحتمالية توقف نزيف الخسائر، التى قدرت بمئات المليارات من الدولارات، وأدت إلى تخفيض تصنيفها الائتمانى وهروب رءوس الأموال المحلية والأجنبية منها، وبعد هذه الشهور الطويلة والمؤلمة، يبدو أن الحلول تتباعد أو تتلاشى، خاصة مع الإصرار العجيب من تنظيم الحمدين على التغريد خارج السرب، وضرب مصالح جاراتها وتبنى سياسات تدميرية لدول المنطقة.
لكن الغريب أن قطر التى أدخلت نفسها إلى هذه الأزمة الخانقة، لشعبها واقتصادها بسبب محاولاتها فرض سياساتها الخرقاء على المنطقة، تصر أيضًا على الترويج لمصالحة «تفرض» فرضًا على الدول الأربع الرافضة للإرهاب، وهى عنجهية سياسية يصعب تصورها أو تفسيرها، لأنها تفتقد إلى أى منطق. الغريب أن تروج الدوحة لهذه الأكذوبة فى الوقت الذى تجاهر دول الجوار بعدائها سياستها وتعنتها، وتآمرها على دولها.. ففى الوقت الذى أكد فيه ولى عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان أنه لا يشغل نفسه بأزمة قطر، وأن من يتابعها أقل من درجة وزير، وأن السبيل الأمثل لحل أزمة قطر يتم بالتعامل معها على غرار تعامل واشنطن مع كوبا، خرج العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة ليتحدث علنا عن دور قطر فى دعم الإرهاب وتآمرها على الأمن العربى عبر «إدخال القوى التخريبية إلى مجتمعاتنا» وتلقيها «الأوامر من الخارج» لضرب استقرار المنطقة، وقوله إن قطر دولة مؤيدة للتخريب والتآمر». وبدلًا من أن تحاول قطر مواجهة هذا الهجوم بنوع من التهدئة ــ ولو من باب التماهى مع كذبة مايو التى تروج لها ــ خرج علينا وزير خارجية قطر «العبقرى» الشيخ محمد بن عبدالرحمن، بتصريح يرد فيه على ولى العهد السعودى قائلًا: إن الدول لا تقاس بحجمها، وهناك دول كبيرة الحجم لكن عقولها صغيرة. ولا أحد يعرف كيف يمكن أن تتم مصالحة فى مثل هذه الأجواء الملبدة إلى أقصى درجة، المليئة بالتراشقات والتلاسنات.
السؤال المهم ــ فى اعتقادى ــ هل يعنى توجيه الرئيس الأمريكى ترامب الدعوة إلى قمة خليجية، أن تعقد هذه القمة ؟ أو أن تحقق الهدف المرسوم لها؟، لا أحد يستطيع أن يجزم بذلك، خاصة أنه سبق للرئيس الأمريكى باراك أن وجه الدعوة إلى زعماء دول مجلس التعاون الخليجى للتوجّه إلى كامب ديفيد فى شهر مايو «أيضًا» ولكن فى العام ٢٠١٥، بعد توقيعه الاتفاق النووى بين إيران ودول ٥+١، فلم تلقَ الدعوة استجابة سوى من أميرى قطر والكويت، فيما تم تمثيل السعودية والبحرين على مستوى ولى العهد وحضرها أيضا ولى عهد أبوظبى.
إذن لا أحد يضمن عقد قمة أمريكية ــ خليجية فى كامب ديفيد، لمجرد الدعوة إليها من الرئيس الأمريكى، والذين يراهنون على غير ذلك يريدون الإيعاز بأن دول التحالف الرباعى ضد الإرهاب بمثابة «تلاميذ» سوف يمتثلون لأوامر «المستر ترامب»، وهذا ليس حقيقيًا أو واقعيًا بالمرة، ولا تعتقده الإدارة الأمريكية نفسها، بدليل ما نقلته وكالة أسوشيتد برس عن مصادر أمريكية، قالت إن القمة المتوقعة فى مايو بمشاركة الدول الخليجية الست فى المنتجع الرئاسى الأمريكى، قد لا تتم إلا إذا كانت كل من قطر والسعودية والإمارات والبحرين على الطريق الصحيح لوضع حد للخلافات التى أسفرت عن مقاطعة الدوحة. الحقائق تبدو واضحة، لكن الذين يتمسكون بغبائهم السياسى، قادرون على المضى فى أخطائهم إلى النهاية ومهما كانت التبعات، دون أن يساورهم الشك ولو للحظة أن التراجع عن الخطأ قد يكون مفيدًا. يذكرنى هذا التعنت القطرى بمقولة أعجبتنى كثيرًا وهى أن «الأغبياء وحدهم الذين لا يصيبهم الشك بحيث يعيشون حياتهم باليقين المتغطرس، فالشك هو أحد أهم المشاعر البشرية وهو يعكس قدرة الدماغ على تحليل المعطيات وتركيبها من جديد».