رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أعظم الدعاء


أيها القارئ الكريم، إن فى أدعية الصالحين التى ذكرها وقصها الله تعالى علينا فى القرآن الكريم لعبرة وعظة عظيمة للمؤمنين، ويرى المؤمن فى أدعية هؤلاء الأنبياء والصالحين المعانى العظيمة، والعبودية الكاملة لله تعالى. وتلك الأدعية التى هى من الأنبياء والرسل والصالحين فيها قدوة لعباد الله فى أدعيتهم.. ومن الأدعية التى ذكرت فى القرآن الكريم دعاء سيدنا موسى إلى ربه للنجاة من القوم الظالمين فقال: «قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» سورة القصص. هذه الدعوة المباركة من دعوات موسى عليه السلام التى تكرّرت فى كتاب اللَّه عز وجل، فإن فيها إرشادًا من اللَّه تعالى لنا فى التمسك بطرق الخير، وتجنب طرق الباطل؛ لنكون فى عصمة اللَّه فى ديننا ودنيانا.
وهناك أيضًا دعاء زوجة فرعون للنجاة من القوم الظالمين، وقوله تعالى: «وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».. سورة التحريم.
وهنا نذكر ما قاله بعض أهل التفسير فى معنى قوله تعالى «قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».. ففى تفسير الطبرى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
يقول تعالى: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفًا من قتله النفس أن يقتل به (يَتَرَقَّبُ) يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه. وعن قَتادة: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) خائفًا من قتله النفس، يترقب الطلب (قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وعن ابن إسحاق، قال: ذُكر لى أنه خرج على وجهه خائفًا يترقب ما يدرى أى وجه يسلك، وهو يقول: (رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).. وقوله: (قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول تعالى: قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفًا: ربّ نجنى من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك.. أما فى تفسير ابن كثير فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته فى أمره، خرج من مصر وحده، ولم يألف ذلك قلبه، بل كان فى رفاهية ونعمة ورئاسة، (فخرج منها خائفًا يترقب) أى: يتلفت (قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أى: من فرعون وملئه. فذكروا أن الله، سبحانه وتعالى، بعث له ملكًا على فرس، فأرشده إلى الطريق، فالله أعلم.
أما فى تفسير السعدى، فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ» أن يوقع به القتل، ودعا اللّه، {قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فإنه قد تاب من ذنبه وفعله غضبًا من غير قصد منه للقتل، فَتَوعُّدُهُمْ له ظلم منهم وجراءة.
أما فى تفسير القرطبى، فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»، فاخرج إنى لك من الناصحين فخرج منها خائفًا يترقب أى ينتظر الطلب، قال ربّ نجنى من القوم الظالمين قيل: الجبار: الذى يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر فى العواقب، ولا يدفع بالتى هى أحسن، وقيل: المتعظم الذى لا يتواضع لأمر الله تعالى.
وفى تفسير ابن عاشور فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
والترقب: حقيقته الانتظار، وهو مشتق من رقب إذا نظر أحوال شىء. ومنه سمى المكان المرتفع: مرقبة ومرتقبًا، وهو هنا مستعار للحذر. وجملة {قال رب نجنى} بدل اشتمال من جملة {يترقب} لأن ترقبه يشتمل على الدعاء إلى الله بأن ينجيه.. والقوم الظالمون هم قوم فرعون. ووصفهم بالظلم لأنهم مشركون، ولأنهم راموا قتله قصاصًا عن قتل خطأ، وذلك ظلم لأن الخطأ فى القتل لا يقتضى الجزاء بالقتل فى نظر العقل والشرع. ومحل العبرة من قصة موسى مع القبطى وخروجه من المدينة من قوله {ولما بلغ أشده} [القصص: ١٤] إلى هنا هو أن الله يصطفى من يشاء من عباده، وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته، وأنه إذا تعلقت إرادته بشىء، هيأ له أسبابه بقدرته فأبرزه على أتقن تدبير، وأن الناظر البصير فى آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول فى دعوته كما أشار إليه قوله تعالى{فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون}. وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد. وفى ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا فى حال محمد صلى الله عليه وسلم فى ذاته وفى حالهم معه. ثم {إن} فى قوله تعالى {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك}، الآية إيماء إلى أن رسوله صلى الله عليه وسلم سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه.
وفى كتاب الميزان فى تفسير القرآن نقرأ معنى قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فيه تأييد أنه ما كان يرى قتله القبطى خطأ جرمًا لنفسه.. أما فى تفسير البغوى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَى: (فَخَرَجَ مِنْهَا) موسى، (خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) أى: ينتظر الطلب، (قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الكافرين، وفى القصة: «إن فرعون بعث فى طلبه حين أخبر بهربه فقال اركبوا ثنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق».. «قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» هذا من أعظم الدعاء فى الأديان السماوية كلها، وهو من دعاء الصالحين.
وللحديث صلة.. وبالله التوفيق