رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة العائلة المقدسة لمصر الحارسة


تحرك الأتوبيس فى الصباح الباكر من أمام نقابة الصحفيين، حاملا مجموعة من الأصدقاء والصديقات من المبدعين الأفاضل والمبدعات فى مجالات الإعلام والصحافة والسينما ومعهم بعض الشخصيات العامة وكلنا شوق لهذه الزيارة.. تتزاحم فى رأسى الأفكار والمعانى، وتبرز أمامى كلمات مقدمة دستورنا فى ديباجته الجميلة العظيمة، والتى أكدت على «مصر هبة النيل للمصريين وهبة المصريين للإنسانية.. هذه مصر وطن خالد للمصريين ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب.. وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها ثم قدّموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام.. هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا».
خرجت السيدة مريم العذراء من أرض فلسطين، حاملة طفلها بين يديها تلفه بدفء حنانها لتحميه من بطش الطاغية هيرودس، الذى أمر بقتل المواليد فى ذلك الوقت، خرجت وسلكت طريقها المحفوف بالمخاطر والمشقة إلى أرض مصر وسارت واختبأت فى عدة قرى ومدن حتى وصلت فى نهاية الرحلة واستقرت فى هذه البقعة العزيزة من أرض مصر فى منطقة «المحرق» فى جبل «قسقام» بمحافظة أسيوط واستراحت فى بيت مهجور من الطوب اللبن، وكان سقفه من جريد النخيل بجواره بئر ماء. هذا المكان المقدس الذى أصبح كنيسة فى القرن الأول الميلادى- أقامت فيه مختبئة تحمى طفلها السيد المسيح، عليه السلام، مدة ستة أشهر قبطية وخمسة أيام «١٨٥ يوما» إلى أن ظهر ملاك الرب ليوسف النجار فى حلم قائلا «قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى». إنها رحلة العائلة المقدسة إلى تلك البقعة العزيزة لكل مسيحيى العالم، كما قال بابا الفاتيكان، إنها القدس الثانية كما يوضح لنا الكُتيب الذى وزعه علينا نيافة الأنبا بيجول، أسقف ورئيس دير السيدة العذراء «المحرق».
ويقع الدير بسفح جبل قسقام على بعد ١٢ كم غرب مدينة القوصية بمحافظة أسيوط، والتى تقع على بعد ٣٢٧ كيلومترا طريق القاهرة- أسوان، وعلى بعد ٤٨ كم شمالى مدينة أسيوط.. تحول هذا البيت المهجور الذى عاشت فيه العائلة المقدسة إلى دير المحرق، والذى يحتوى على كنيسة السيدة العذراء الأثرية، والتى تنفرد ببساطة بنائها وسحر ألوان أيقوناتها.. تمتمت صديقاتى بالدعاء والأمنيات فتذكرت وجه أمى وصوتها وهى تتمتم بالدعاء بالشفاء لأخى وهو صغير عندما كان مريضا وأوقدت شمعة فى الكنيسة، التى كانت بالقرب من منزلنا للسيدة العذراء أم النور الطاهرة ثم ذهبت فى اليوم التالى إلى مسجد السيدة زينب، وتمتمت بنفس الدعاء لأم العواجز الصابرة الطاهرة.
وفى إحدى استراحات الدير، تم استقبالنا استقبالا مبهجا كريما أزاح عنا عناء السفر، وكانت الابتسامة الساحرة تعلو وجوه الجميع، وجوه الآباء الذين أحاطونا بالدفء والبهجة والحفاوة وكرم الضيافة والمعلومات الغزيرة التى أمطرنا بها الأب فيلكسينوس بأسلوبه البسيط العميق الرشيق المتدفق المملوء بالمحبة والسلام.. واستقبلنا بكل الترحاب نيافة الأنبا بيجول، أسقف ورئيس الدير، والأب باخوميوس وكيل الدير، كل الشكر والتحية والتقدير لجميع الآباء والرهبان والشخصيات التى استقبلتنا، كل الشكر للصديق والأخ العزيز الفاضل جمال أسعد على دعوته الكريمة.
ودارت الحوارات والنقاشات وتناولت أهمية دور كل أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدنى من أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ومؤسسات ثقافية، بالإضافة للقوى الناعمة من المبدعين والمفكرين، تناولت الدور المهم لكل هؤلاء فى ترسيخ المواطنة والاهتمام بالأماكن المقدسة والسياحة الدينية التى تسهم فى زيادة الدخل القومى وتساعد على توفير فرص عمل لشباب وشابات المحافظة، وتدر دخلا يسهم فى نمو الإنتاج وتحسين الخدمات.. كما تناولت الاقتراحات عمل أفلام وثائقية والاهتمام بالطرق الواصلة للدير والطريق الذى يربط المطار بالدير وإقامة كوبرى يربط ضفتى النيل بالدير مباشرة، مما يُوفر الوقت ويُسهل تأمين وفود القادمين لزيارة الدير.
وأجمع الحاضرون على أهمية وضع جميع الحقب التاريخية ضمن مناهج التعليم، فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية، مع إبراز الدور الوطنى للكنيسة الأرثوذكسية. وتطرقنا فى النقاش أيضا للاهتمام بنشر الثقافة التنويرية فى مواجهة الأفكار الظلامية المتطرفة، فالإرهاب يبدأ بفكرة متشددة، ومقاومة الإرهاب تتم عبر محاور ثلاثة: المحور الأمنى، الذى يقوم به جنودنا الأبطال الأوفياء الذين يقدمون أرواحهم فداء للوطن، والمحور الثانى هو التنمية الإنتاجية وتوفير فرص العمل وحد أدنى للأجور يكفى لتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة ولحياة كريمة للمصريين، والمحور الثالث هو المحور الثقافى التنويرى الذى تكلمنا عنه.. هل نأمل فى وضع هذا الدير العظيم، دير السيدة العذراء «المحرق»، على خريطة المزارات والسياحة الدينية الداخلية والخارجية؟ نتمنى ذلك من أجل مزيد من التنمية والبناء والتقدم لمصرنا الحبيبة التى نعيش فيها وتعيش فينا.